الى صديقي أبو مرزوق

بقلم: 

حين استخدم كلمة"صديقي"في مخاطبة ابو مرزوق، فإنني اعنيها تماما، فبيني وبين هذا الرجل حوارات طويلة في اكثر من زمان ومكان، لم نكن نتفق الا على امر واحد وهو ان نواصل الحوار ما استطعنا الى ذلك سبيلا، ولأن طبيعة حوارنا تميزت بالصراحة، فانني في هذا الحوار، سأكون صريحا، واخاله يتفهم دوافعي وموقفي.

أولا: حين تحدث ابو مرزوق عن عدم تحريم المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، فقد فتح بابا لتساؤلات كانت الساحة الفلسطينية وما تزال في غنىً عنها، فقد بدا لكل من فوجئ بما سمع، ان الرجل يقصد مفاوضات بين حماس واسرائيل، وفي حالتنا الفلسطينية لا يصح فتح باب كهذا، كي لا يقال ان حماس التي تحتل خانة واجهة المقاومة، تنافس السلطة الوطنية او منظمة التحرير، على الحظوة بدور الشريك لاسرائيل، كان يمكن للسيد ابو مرزوق ان يقول، ان المفاوضات المباشرة او غير المباشرة مع اسرائيل، لابد وان تتم في اطار الشرعية الواحدة الموحدة، ومن خلال منظمة التحرير ووفق الضوابط الوطنية التي يتفق عليها الجميع، لو قال ذلك لما هبت عواصف في ساحتنا المثخنة بالعواصف ، تدين وتندد او تفسر وتبرر، او تؤيد وتتحمس.

ثانيا: قرأت تصريحات جديدة يقول فيها ابو مرزوق ان السلطة في رام الله تسلمت اموالا تكفي للبدء في عملية اعادة الاعمار ولكنها لم تفعل، كان الاجدى والاكثر فائدة لو اعلن ابو مرزوق بتفصيل اكثرعن المبالغ التي وصلت ومن أي جهة جاءت، ان الغموض في اتهام كهذا يوجع قلوب الغزيين اولا ويملأ قلوبهم بالشك باشقائهم في الضفة، وبما ان القنوات مفتوحة رغم كل السجالات التي نسمعها فكان الاجدى ان يُبحث امر المال الذي وصل والذي لم يصل بصورة مختلفة، أي ان نصل الى الحقيقة والى كيفية التصرف بها.

ثالثا: بالنسبة للحوار مع فتح، يقترح ابو مرزوق اضافة اسم او اكثر، على وفد فتح للحوار مشترطا ان يكون المضاف من غزة، وخلص الى ان هنالك تجاهلا لغزة في امور كثيرة، معقبا بالقول .. ان قطاع غزة ليس عاجزا عن ادارة نفسه.

لم اكن احب من صديقي ابو مرزوق ان يتحدث بهذه اللغة، فكم من مرة جرت حوارات دون ان ندقق في هويات المتحاورين ولا اماكن سكناهم او اقامتهم، لم ندقق في هذه الامور لاننا كنا نتحاور كفريقين سياسيين ، يمثل كل فريق حركته بكل مكوناتها ، ومع انه ليس حقيقيا ان فتحاويي غزة مستبعدون عن وفد الحوار الا ان الحديث بهذه الطريقة وبهذا المضمون يثير نوازع وردود افعال لا تساعد على انجاز تفاهمات واتفاقات.

ان ما بعد الحرب على غزة ليس كما قبلها ، ومؤسف ان تكون السجالات قد وصلت الى هذا المستوى من التوتر والحدة والابتعاد عن جادة الاتفاق ، ولعلنا ننسى او نتناسى ان الوضع ساء كثيرا بعد الحرب ، فالمعابر لم تفتح ومساحة الصيد على تواضعها لم تتحقق، وعجلة اعادة الاعمار لم تدر بعد ، واخشى ان ما حدث بعد عملية الرصاص المصبوب حين رصد العالم في شرم الشيخ خمسة مليارات دولار لاعادة اعمار غزة فضاع المبلغ في زحام الاقتتال على الدور وقضت كثير من العائلات شتاءات بلا مأوى ... اخشى ان هذا السيناريو سوف يتكرر وفي طروف اكثر سوءًا.

بل والابعد من ذلك .. ألم تستوقفنا هجرات الغرق في البحر ، وما هي دوافعها ، وكم اثرها مدمر على القضية الفلسطينية، التي عمادها البشر قبل أي شيء اخر، ان هذا الوضع المأساوي الذي خلفته الحرب لم يجد حتى الان أي محاولة جدية لمعالجته سوى التراشق بالاتهامات والكلمات وتعميق الحقد المتبادل والكراهية الجاهلة العمياء، والقاء اللوم على معلوم هو اسرائيل ومجهول هو عصابات تهجير الغزيين الى البحر .

ان وقفة مع المأساة، ودراستها من كل جوانبها والبحث الجدي عن حلول لها هي ما نحتاج ان نفكر فيه مليا وان نجتهد مستخدمين كل العقول النيرة في الشعب الفلسطيني واصدقائه كي يساعدونا في ايجاد طرق الخلاص مما نحن فيه .

لقد فرحنا يا صديقي ابو مرزوق بصمود غزة وانتشينا بالملحمة الكبرى وهيأنا انفسنا للافادة مما حدث قدر ما نستطيع، لتسجيل نقاط لمصلحة القضية الفلسطينية بعيدا عن الفرز البائس بين انجاز وآخر، او بين الضفة وغزة، او بين الوزراء ووكلائهم، او بين المال الذي وصل او لم يصل، فالوطن كله اثبت قبل الحرب واثناءها انه واحد موحد ، بالروح والعاطفة والسواعد والاهداف، وهذا الوطن الذي فعل اهله كل هذا يستحق تغييرا في اللغة والحسابات والاجندات، فليس لغزة ومن فيها الا الاندماج بالضفة ومن فيها ، واي لغة تزرع بعضا من بذور الشك، سوف يدفع الجميع ثمنها دون ان ننسى للحظة واحدة اننا نعيش على جزيرة صغيرة ضيقة تحيط بها اسرائيل من كل جانب ولا تعدم وسائل لمضاعفة الاذى وسيطرة النار .

آمل ان يتفهم الصديق ابو مرزوق ما أرمي اليه من هذا الحوار الصريح نسبيا فانا لا اتهم ولا اندد ولا ادين، بل اقترح تعديلات اراها مفيدة في هذه المرحلة خصوصا وانني وانا العضو القديم في فتح وأحد مؤسسي السلطة الوطنية لا اعرف التعصب لاي منهما .. والسلام .

المصدر: 
صحيفة القدس