مرحى ... للاتفاق الفلسطيني

بقلم: 

في خضم المعترك الوعر الذي نمر به كعرب بأزمته المغرقه بالتعقيد-المركبة، العقائدية، السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، والتي تعبر عن نفسها في اغلب أقطارنا وبالذات الاقطار ذات التأثير كما هي مصر والعراق وسوريا وغيرها، والتي أفضت الى حالة ضعف عام في الجسد العربي، وانشغال أقطارنا المأزومه بمعاناتها الداخلية، وسعي نخبها الى الخروج من السياق الاستثنائي الذي يتميز بالانفلات الأمني أو التراجع الاقتصادي أو الانقسام المذهبي أو الطائفي أو العرقي، والتي أدت بالتالي الى تراجع الاهتمام في القضايا ذات البعد العربي، بل وتراجع مفاهيمنا التقليدية التي تجمعنا كالأمن العربي والمصير الواحد والقضية الفلسطينية، باعتبارها كانت على الدوام العنصر الذي يجمع العرب ويوحد همومهم ويحسسهم بأن الخطر الذي يهددهم جميعا هو خطر واحد..
وفي خضم التعنت الاسرائيلي والاحساس بالسيطرة المطلقه امام أمة منشغله بقضاياها الداخلية، بل واحساسها بأنها القوة التي لا تقهر والأقوى في الاقليم، وبالتالي خروجها عن كل القوانين والأعراف الدولية، وتنكرها الكامل للحقوق التاريخية المشروعه للشعب الفلسطيني برفضها الانسحاب من الأراضي المحتله عام  67 ، وايغالها في الاستيطان، والتنكر لحق العودة، والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري الذي صدرت بحقه قرارات واضحة من المحكمة الدولية، ورفضها الحديث عن حق العودة، بل وضعها لشروط اضافية افشالا لخطة الوزير كيري خطة السلام، ورهانها على الوقت على اعتبار انه لصالحها وعلى افتراض انه كفيل بتمكينها من فرض الأمر الواقع والتهام كل فلسطين، بل وتهديداتها الدائمة لأي امكانية نهوض فلسطيني او عربي ...
في هذا الخضم المؤلم يأتي اتفاق المصالحه الفلسطينية الذي أعلن في غزة امس الأول بحضور كافة الفصائل الفلسطينية، والاعلان عن انتهاء مرحلة الانقسام، واعادة اللحمة للشعب الفلسطيني ومؤسساته، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وهيئاتها، يأتي هذا الحدث التاريخي ليضئ مصباحا في زمن العتمه الذي يخيم على المحيط العربي والفلسطيني في آن معا، فمرحى لهذا الاتفاق الذي أعتقد انه يشكل حجر زاوية أساسي لانطلاقه فلسطينية قوية تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتدفعها كأولوية في الاهتمامين الدولي والعربي على حد سواء. مع التأكيد على ضرورة أن لا يقف البحث في تفاصيل تنفيذ هذا  الاتفاق حائلا دون  تنفيذه، ولنتذكر بأن عمر الانقسام الفلسطيني هو أقل من عقد من الزمن وبالتالي فان امكانية لملمة الجراح وتوحيد المؤسسات سواء كانت في منظمة التحرير أو السلطة لأمر ممكن اذا ماتوفرت الارادة والاستعداد لتنازلات جريئة متبادلة من الجميع، ولنتذكر بأن الألمانيتين الغربية والشرقية قد انفصلتا لمدة تزيد عن اربعة عقود، في اطار دولتين متضادتين كل منهما تتبع الى معسكر يختلف جذريا مع المعسكر الآخر، وبينهما جدار برلين الشهير الذي قسم الجسد الألماني الى قسمين، ومع ذلك فحين توفرت اللحظة التاريخية والارادة الشعبية والرسمية اتحدت الألمانيتان وتم اعادة ادماج الشعب الألماني ومؤسساته، وتم هدم جدار الفصل .... حتى أضحت ألمانيا اليوم دولة واحدة وأصبح انقسامها ليس الا صفحة في عهدة التاريخ لاغير.....
وبعد فاننا كعرب وكأردنيين ننظر الى انجاز أشقاء روحنا وشركائنا في المصير الواحد الى  ما تم في غزه كانجاز تاريخي يرتقى الى مستوى التحديات ويظهر الفلسطينيون كشعب وكقوى نشطه بحجم المسئولية الملقاة عليهم، وهم بذلك يمتلكون ارادة الانتصار والاصرار على حياه ملؤها الكرامه والكفاح من أجل الانعتاق ودحر الاحتلال واظهار الكينونة الفلسطينية الى حيز الوجود كدولة مستقله على ترابها الوطني ، فيحقق الفلسطينيون أشواقهم التي يرنون اليها....
فمرحى للاتفاق وتحية لمن خطووه ....