استمرار الخديعة

بقلم: 

في شهر تموز 2013، نجح جون كيري وزير الخارجية الأميركي، في التوصل إلى اتفاقيتين منفصلتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأولى بشأن إطلاق سراح أسرى، والثانية بشأن استئناف المفاوضات المعلقة المتوقفة بين الطرفين منذ شهر كانون الثاني 2012.

الاتفاقية الأولى تقوم على إطلاق سراح 104 أسرى فلسطينيين معتقلين لدى الإسرائيليين منذ ما قبل اتفاق أوسلو 1993، لم تستطع القيادة الفلسطينية إطلاق سراحهم آنذاك، رغم التوصل إلى اتفاق أوسلو، التاريخي الإستراتيجي، والذي شكل محطة نوعية هامة في تاريخ الصراع، بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وبين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتوقيع وثائق الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وسلسلة من الإجراءات التنفيذية لم تشمل إطلاق سراح هؤلاء بسبب تنفيذهم لعمليات أدت إلى قتل إسرائيليين لم يستطع إسحق رابين إطلاق سراحهم في تلك الفترة، ولكن نتنياهو رضخ للمطلب الفلسطيني وبضغط أميركي، تم الاتفاق على إطلاق سراحهم على أربع دفعات متتالية، تم الإفراج عن الدفعات الثلاث وفق ما هو متفق عليه، وبقيت الدفعة الرابعة المفترض إطلاق سراحهم يوم 29/3/2014، وتكمن أهميتهم وجود 14 أسيراً من بينهم من مواطني مناطق 1948، من الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، والتقدير أنه سيتم إطلاق سراحهم رغم الضجيج المعلن من قبل بعض وزراء حكومة نتنياهو، أسوة بما حصل مع الدفعات الثلاثة السابقة، وإن كان الضجيج الآن أعلى مصحوباً بابتزاز رسمي معلن يُطالب بربط الإفراج عنهم مع قرار الموافقة الفلسطينية على تمديد فترة ومضمون المفاوضات إلى ما بعد نيسان المقبل .

إطلاق سراح الدفعات الثلاثة والرابعة، تم مقابل تأجيل وتعليق البرنامج الدبلوماسي الفلسطيني، الذي وصفه ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي بأنه " برنامج الإرهاب الدبلوماسي "، ويتضمن عدم الذهاب الفلسطيني، الى باقي المؤسسات والمنظمات والاتفاقات الدولية لنيل العضوية أسوة بما حصل في اليونسكو يوم 30/10/2011، وبما حصل لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، لرفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب، ولذلك سيكون إطلاق سراح الدفعة الرابعة يوم 29/3/2014، تنفيذاً للالتزام الثنائي المشترك بضمان الولايات المتحدة: إطلاق إسرائيل سراح أسرى ما قبل أوسلو 104، مقابل عدم الذهاب الفلسطيني للمؤسسات الدولية لمدة تسعة أشهر تنتهي يوم 1/4/2014.

أما الاتفاق الثاني فيتضمن استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، على مستويات متعددة 1- القمة الثنائية والثلاثية، 2- على مستوى رؤساء الوفود الثلاثة وفرقهم عريقات، لفني وجون كيري، والتي تواصلت طوال الأشهر الماضية منذ بدايتها في 30/ تموز /2013، وتنتهي يوم 30 نيسان 2014.

الجانب الأميركي يسعى لتمديد فترة المفاوضات إلى ما بعد نيسان، وهي ليست مشكلة فلسطينية، ولكن المشكلة أن الجانب الأميركي يُطالب بتمديد المفاوضات على أساس مشروع الإطار التفاوضي الذي تم بالفعل صياغته، وتقديمه للجانب الفلسطيني بشكل غير رسمي، مع ادعاء الأميركيين أن هذا الإطار لم يطلع عليه الإسرائيليون، وحقيقة مشاعر الوفد الفلسطيني  ووعيه أن نتنياهو وفريقه، اطلعوا على الاقتراح الأميركي، بل هم الذين صاغوه، بدلالتين:

أولهما: أن نتنياهو بقي صامتاً بعد عودته من واشنطن ولقائه مع أوباما يوم 3 آذار، بما يحمل موافقته وعدم اعتراضه على ما حصل عليه، تسهيلاً لتمرير الموقف الأميركي في إقناع الجانب الفلسطيني في الوصول إلى الفخ المنصوب له بقبول تمديد المفاوضات وسقفها الإطار الأميركي المقترح وبما يحمله من شطب حقيقي وسافر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، حقه في العودة واستعادة الممتلكات وفق القرار 194، وحقه في الدولة المستقلة وفق القرار 181.

وثانيهما: أن صيغ الإطار حول اللاجئين والقدس والحدود والأمن، تمت بما يتفق تماماً وبالكامل مع مفاهيم الليكود والأحزاب اليمينية العنصرية الحليفة لليكود، فالعودة تتم لأفراد يسمح لهم بالدخول إلى مناطق 48 لأسباب إنسانية، وحدود 67 يتم تعديلها وفق 1- الأوضاع الديمغرافية المستجدة، أي يتم ضم المستوطنات المقامة على أراضي 67 لمناطق 48، و 2- وفق المصالح الأمنية الإسرائيلية، والقدس عاصمة موحدة للمشروع الاستعماري العنصري الإسرائيلي مع الأخذ بعين الاعتبار مطالب الفلسطينيين فيها، أما الأمن فهو صيغة إسرائيلية بالكامل مع رفض وجود طرف ثالث يرعى هذا الأمن.

الفلسطينيون بإمكاناتهم المتواضعة لا يواجهون فقط المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتفوق، بل يواجهون الطرفين المتحالفين والمتفاهمين معاً : 1- الاحتلال العنصري الإسرائيلي و 2- الولايات المتحدة الأميركية !! فماذا هم فاعلون؟؟.