قلق التوأمين

بقلم: 

في عمان، تهب الآن عاصفة جدل ذات عناوين متعددة، إلا أن مضمونها واحد: «أين نحن كأردن مما يفعله كيري؟».

وفي حديث مطول، وضع الدكتور عبد الله النسور، رئيس الوزراء الأردني، نقاطا كثيرة على الحروف، ورغم اللغة الأخوية التي برع الفلسطينيون والأردنيون في استخدامها والتي تبدو أحيانا ستارة تغطي الشكوك المتبادلة، فإن الرجل استعاد من تجارب العلاقة الأردنية - الفلسطينية ثغرة زاد عمرها على خمسة قرن، حين قال:

«نخشى أن يفاجئنا الإخوة الفلسطينيون كما فاجئونا باتفاق أوسلو».

هذه الجملة الصريحة جدا في التعبير عن الشك الذي يؤثر حتما على السلوك السياسي، تدل على أن كثافة التنسيق وتبادل المعلومات الأردنية الفلسطينية لم تنجح حتى الآن في إزالة تلك الثغرة، التي تفهمها الملك حسين في حينه، وأظهر تسامحا مألوفا عنه، مبديا في أكثر من مناسبة أنه نسي الأمر من أساسه.

غير أن ظهور هذه الثغرة بين وقت وآخر لا يجسد فقط مجرد استعادة لواقعة حدثت، بل إن الإكثار من الحديث عنها في هذا الوقت بالذات يجب أن يقرأ من زاوية حتمية المعالجة الفورية، والمعالجة لا تكون من خلال الكلام الدافئ الذي يقال في الصالونات وعبر وسائل الإعلام، وإنما باتفاق تفصيلي مكتوب يجري التقيد بنصوصه، بحيث يكون مرجعية للطرفين. وإذا ما كان السيد كيري اختار تكتيكا ربما يعتمد كثيرا على علنية التحرك وسرية المعلومات (وهذا التكتيك له ما له وعليه ما عليه)، فإن له آثارا جانبية سلبية، تجعل كل الأطراف المتعاطية مع العملية السياسية في حالة تذمر من نقص المعلومات، وشكوك متزايدة مما يمكن أن يجري في الغرف المغلقة، وهذا يفتح الأبواب على مصاريعها لإثارة تساؤلات من شأنها تسميم الأجواء، ونقل الاضطراب إلى معسكر الأشقاء، ولا شك في أن لإسرائيل خبرة كافية في التسريب المؤذي.

إن ما يعمل عليه السيد كيري الآن هو وضع اتفاق إطار يُفترض أن يقود إلى حل نهائي.. وكلمة حل نهائي تعني شراكة مصير بين الأردنيين والفلسطينيين، ليس في أمر خلاصات هذا الحل، وإنما في الطريق الطويل الشاق المؤدي إليه، وإذا كنت واثقا بدرجة كافية من حرص الفلسطينيين والأردنيين على أن يكونا طرفا واحدا في أمر التعاطي مع الأميركيين والإسرائيليين، فإنني لست واثقا بالقدر ذاته من أن الآليات المنبثقة للتنسيق وتبادل المعلومات وبلورة المواقف المشتركة بلغت من الإتقان حد طرد الشكوك، وتعميق الثقة.

وهنا ينبغي الانتباه إلى خصائص الشارع في الأردن، وما يثيره وما يطمئنه، فهنالك دائما ما يثير أكثر مما يطمئن، وهنالك انعكاسات يومية لكل ما يثير، واحتقان نفسي جمعي تعاني منه شرائح من الشعب الأردني، حتى لو كان مصدر هذا الاحتقان تسريبا إسرائيليا مباشرا، ذلك أن الشارع الأردني أكثر جاهزية للتأثر بما يأتي من إسرائيل، وفي إسرائيل هنالك ساسة وخبراء مختصون في إثارة الشارع الأردني وزرعه بالشكوك، ولو دققنا في جذر حكاية الوطن البديل لوجدناها صناعة إسرائيلية بامتياز. أما الفلسطينيون والأردنيون فهم مجرد مستهلكين لهذه الصناعة، وكل طرف من الأطراف المتعاطية معها يوظفها وفق أجنداته الخاصة حتى لو كان متيقنا من استحالة قبولها وتحقيقها.

وفي هذا الوقت، أي الفترة الزمنية التي عنوانها تحركات كيري من أجل التسوية النهائية، فإن كل طرف يجب أن يطرح أقصى ما لديه من أوراق لتحقيق أفضل الخلاصات..

وبديهي أن تتوحد الأوراق الفلسطينية والأردنية خلف طاولة المفاوضات؛ فكل ما يبحث الآن يتصل جوهريا وبعمق في مصالح الطرفين من كل الجوانب، ولا داعي لإيراد أمثلة تفصيلية على هذه البديهية المحفوظة عن ظهر قلب، لدى كل من يعرف طبيعة القضية الفلسطينية وامتدادها الأردني.

إن العلاقة الفلسطينية الأردنية في هذا الظرف بالذات تبدو أساسية في كل خطوات التسوية، وإن لم يتقن الفلسطينيون والأردنيون جمع أوراقهم فهنالك خلف النافذة من يملك باعا طويلا في تبديد أوراق الخصم، ونقل الاضطرابات إلى معسكره، وهذا ما يستوجب أكثر من الانتباه.

المصدر: 
الشرق الأوسط