صمت الغنائم

بقلم: 

لم يكن الاجتماع الذي كشفت عنه مصادر إسرائيلية بين الأمير تركي بن فيصل بن عبدالعزيز وسفير إسرائيل السابق لدى واشنطن إيتمار رابينوفيتش وعضو الكنيست الإسرائيلي مئيرشطريت، الأول من نوعه. فقبل اجتماع ‘موناكو’، الذي نشر عنه في السادس عشر من كانون الثاني/يناير، نشر في موقع ‘يوتيوب’، في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر، شريط مدّته قاربت العشر دقائق، وفيه وقائع من لقاء عقد في واشنطن جمع مندوب عائلة آل سعود نفسه ويوسي ألفر، مستشار سابق لرئيس حكومة إسرائيل، وبحضور أهرون ديفيد ميلر وشيرين هنتر وآخرين. ينقل الشريط بالصوت والصورة أجواء اتسمت بالمرح والإيجابية بين الفرقاء، وسعيهم لإيجاد سبل للتعاون الاستراتيجي المكشوف’في وجه إيران عدوّتهم اللدودة المشتركة.

أتناول هذه الأنباء لا جاهدا وراء تشخيص لطبيعة نظام آل سعود، فهذا النظام تأسس وتمكّن من حكم شعبه وبلاده من خلال دعم وعلاقات مكشوفة وسرّية مع عدد من الدول الغربية، وتفاهم إسرائيلي تفاوتت وتائره عبر العقود الماضية. ولا أكتب كي أصف ما بات واضحا ومحسوسا. فالمنطقة على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، قد تفضي إلى ترسيم خارطة جديدة لشرقنا ونشوء أنظمة حكم ما زالت في كثير من الدول تعيش مخاضات تشكّلها، وفي بعضها ما انفكت شعوبها تدفع فواتير مستقبلها وأحلامها برسم الدم والجماجم.’

الجديد في الكشف عن هذه اللقاءات أنّها عرّت ما حاولت السعودية ادّعاءه عن كونها رأس حربة عربية إسلامية تقف في وجه العدو الصهيوني ودولة اليهود الكافرين، وأنها تعتبر قضية فلسطين قضية الأمة الاسلامية الأولى.

اليوم، لا يتورّع مسؤول سعودي عن الظهور في شريط مصوّر يجمعه مع حفنة من ‘أولئك الكفار”ويخطّط معهم، في أجواء أخوية صافية، كيف يجب التصدي للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ من دون أن يمنعهم ذلك من التطرق لسوريا، عدوّهم الثاني المشترك، أو كما قال يوسي ألفر؛ فقضية إيران قضيّة استراتيجية وسوريا تبقى القضية الملحّة!’

هل فاجأت هذه اللقاءات أحدًا؟ هل أزعجت لقاءات قادة دول إسلامية وعربية أحدًا؟ هل تهافتت عليها تلك القوى السياسية التي اعتادت إدراج النظام السعودي وأنظمة عربية أخرى في قائمة’الأنظمة الرجعية العربية التي كانت ضليعة في نكبة فلسطين، وما شاع من تعريفات اعتمدت تقسيم العالم بين دول رجعية واستعمار، وبين الدول التقدمية الحرّة الداعمة لحرّيات الشعوب وحقوقها المسلوبة.

أسأل وتهمّني فلسطين أولاً، التي منها أكتب وعليها نقلق، فهل لهذه التطورات من أثر وتأثير على القضية الفلسطينية، لا سيّما في هذه المرحلة الحرجة؟

هل لهذه الأحداث تأثير علينا، نحن الفلسطينيين، عرب الداخل، أم أنّنا معفيون من الالتفات اليها؟ ‘

كلّما ازدادت المعلومات عن مثل هذه اللقاءات، وما سبقها من تنسيق حثيث وجدي بين حكومة إسرائيل وبعض الأنظمة العربية والاسلامية، تعاظم ‘تطنيش’ القوى السياسية الفاعلة بيننا،علما بأن ما رشح عن تلك اللقاءات لا يتعدى كونه ‘الكمخة’، حيث يبقى الدسم مخفيّا والأيام ستفضح. فما هو موقف اليسار بكل تفرّعاته (الجبهة الديمقرطية، أبناء البلد)؟

ما هو موقف الأحزاب والحركات القومية العربية (التجمع، العربية للتغيير والديمقراطي العربي)؟

وماذا مع صمت ضجيجه أكبر؟ صمت الحركات والأحزاب والمؤسسات السياسية الإسلامية، التي كانت تعتدّ بالموقف السعودي وما وفّره من مرجعية سياسية دينية ومالية شكلت حاضنة لتلك الحركات ومكّنتها بما قامت به، أو برّرت لها ما انكفأت عنه في مسيراتها السياسية. ألا تحمل هذه الأخبار علامات ما قد يحلّ بمنطقتنا من كوارث قد نكون نحن بين ركامها؟

ألا تستحق هذه التطورات وقفات إن لم تكن في وجه ما سينهال علينا فلتكن أمام مرايانا عسانا نكتشف ما حفر الزمن على وجوهنا من تجاعيد؟ أعتقد أن ‘التكلّس′الذي أصاب معظم الأحزاب والحركات السياسية في فلسطين والداخل يضع أكثر من علامة استفهام حول حاجة هذه البلاد ومجتمعاتها إلى معظمها، وفي أضعف الإيمان يدلّل على وجود أزمة حقيقية تستدعي مراجعة هذه الأطر لبرامجها السياسية وهياكلها التنظيمية، لا سيما في ما يخص علاقاتها بالعديد من الأنظمة والحكام العرب وغيرهم. حالة بعض هذه الأطر باتت أقرب إلى انكشاف ختم ‘تاريخ النفاد’ الذي طمره غبار بعض شعاراتها التي لم تعد تسعف في عالم متغيّر ومنطقة متفجّرة، وإسرائيل ترفل باحتلالها فلسطين.’

يبدو أن لدى آل سعود ما زال العالم هو نفس العالم، والعبرة بمن يبقى ويحكم، وبالنسبة لإسرائيل وأمريكا ما زالت القاعدة تقضي بأن الهدف يبرر الوسيلة.

أما الأحجية فتبقى عندنا ولدى من ما زال يؤمن بثوريته وتقدميته وبوجود عالمين ومعسكرين، فهل ظلت قواميس ذلك الزمن تناسب إنشاء هذا العصر ولغة أبنائه؟

إذًا، ما هما المعسكران؟’وهل لعلاقة دولة ما بإسرائيل وأمريكا دخل وتأثير على تصنيفها وموقفكم منها؟ ‘

ربّما يكون الجواب في ما يبدو جديدا حقيقيا، ففيما تتكشف هذه الأخبار تباعا، يتزامن نشرها’أحيانا في نفس الأوقات التي ‘يمكّك’ فيه بعض قادة هذه الأحزاب والحركات والفصائل الثورية والقومية بزيارات ‘عمل’ يحلّون فيها ضيوفًا معززين مكرمين على حكام تلك الدول، ويعودون إلينا ظافرين يجيدون السياسة و”، فمن يفسّر لنا هذه الأحجية؟’

المصدر: 
القدس العربي