التواطؤ المتبادل على تعطيل الديمقراطية

بقلم: 

أوضاع فلسطينية صعبة وقاسية وخطيرة على كل الجبهات. الجبهة السياسية متفجرة وحبلى بالمفاجآت غير السعيدة. فحكومة نتنياهو تدخل في سباق مع الزمن لخلق وقائع إضافية ونوعية، هدفها تعميق الاحتلال والاستيطان وتدمير مقومات الدولة الفلسطينية، كان آخر ما تفتق عن عقل نتنياهو وحكومته قرار بناء جدار امني على طول الحدود الأردنية – الفلسطينية في إشارة الى حدود دولة الاحتلال الجديدة. واللافت ان حكومة الاحتلال تستخدم المفاوضات كغطاء لإجراءاتها المحمومة وغير المسبوقة، ولفرض حل عنصري من طرف واحد. يحدث ذلك في الوقت الذي يبشرنا فيه وزير الخارجية الأميركية جون كيري بتقدم المفاوضات خلال الشهور المقبلة!
وجبهة المخيمات في الدول العربية حافلة بالمآسي، المخيمات الفلسطينية في سورية تعيش محنة حقيقية وحالة من الترويع وعدم الأمان الذي أدى الى تشرد جديد بفارق عدم استعداد دول المحيط لاستقبال المشردين والضحايا في سابقة منافية لأبسط حقوق البشر في الحياة، ما جعلهم يعيشون في شروط غير إنسانية شديدة القسوة. والجالية الفلسطينية في ليبيا تعيش حالة من اللااستقرار والتهديد. وكان فلسطينيو العراق قد ذاقوا الأمرين جراء الحرب المذهبية وما يزالون مبعثرين ومرفوضين.
جبهة قطاع غزة مرشحة بدورها للاشتعال في ظل تهديدات إسرائيلية صريحة بشن عدوان جديد واجتياح جديد، من شأنه وضع مليون ونصف المليون فلسطيني تحت رحمة الصوارخ والقنابل.
تحديات كبيرة ومصيرية وتهديد جدي للمصالح الوطنية، وتهديد فعلي للامان والأمن لأجزاء أساسية من الشعب في القدس والأغوار ومخيمات سورية وغزة..، تقتضي وحدة الشعب في الداخل والخارج، وتحتاج لمؤسسة تمثيلية وتنفيذية فاعلة وديمقراطية تحظى بثقة الشعب وتستطيع اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية، وتستطيع دعم المنكوبين والمهددين في الخارج والداخل على حد سواء. غير ان التحديات والتهديدات تأتي في ظل مؤسسات معطلة او شبه معطلة، وتأتي في ظل انقسامات سياسية وإدارية مؤسساتية بين الضفة والقطاع، وفي ظل شروخ بين المؤسسات قاطبة من جهة والشعب في الداخل والخارج من الجهة الأخرى. التأجيل والتعطيل للمؤسسة الفلسطينية يأتيان ضمن متوالية لها بداية وليس لها نهاية. فإعادة بناء مؤسسات المنظمة وتفعيلها وبخاصة استعادة المجلس الوطني لدوره، والذهاب الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس تشريعي ورئيس للسلطة مهمة باتت مشروطة بإنهاء الانقسام. وإنهاء الانقسام عملية مرهونة ليس بتطبيق الاتفاقات السابقة، بل بانتظار لحظة إقليمية وداخلية مواتية تضمن بقاء السيطرة الفعلية على القطاع من قبل حركة حماس او انتظار حل سياسي تقدمه حركة فتح كإنجاز يجدد سيطرتها التاريخية. صعود الإخوان المسلمين سرعان ما هوى، ذلك الصعود الذي راهنت عليه حركة حماس واعتقدت بأنها على وشك وراثة المنظمة والسيطرة الكاملة على السلطة. وبهذا المعنى لم يعد الشرط الإقليمي مواتيا لإنجاز "حماس" المنشود. وسياسة حكومة نتنياهو في المفاوضات حولت الأخيرة الى عبء ثقيل لا تحتمله حركة فتح، وكما تشير المعطيات على الأرض فإن دولة الاحتلال تدمر ما تبقى من مقومات الدولة والحل السياسي الذي ينهي الاحتلال.
بناء على الإحباط المتبادل فإن فرص الحسم لدى إحدى القوتين الأساسيتين باتت متعذرة. كما أن الذهاب الى حل وسط من خلال تطبيق اتفاقي القاهرة والدوحة مستبعد. لأن الإسلام السياسي وكما تؤكد تجربته في مصر لا يقبل بالشراكة والتعدد ولا بالتبادل الديمقراطي للسلطة. بناء على ذلك سيبقى الانقسام على حاله، وستبقى العملية الديمقراطية معطلة، سواء بالنسبة للمجلس التشريعي، او الحكومات الانتقالية وسلطة الأجهزة الأمنية. ستبقى الحريات العامة تحت رحمة الأجهزة الأمنية، وسيبقى المواطنون تحت رحمة نفايات القوانين التي اكل عليها الزمن وشبع. وفي احسن الأحوال ستصدر مراسيم مع وقف التنفيذ. وستكون الحكومات من غير رقابة ومساءلة، والوزراء أحرار في تحويل وزاراتهم الى إقطاعيات لطالما كانوا موالين للمرجعيات، وسيجد كبار الموظفين ضالتهم في معاظمة امتيازات السياحة والسفر والصعود في السلم الوظيفي والتمديد الاستثنائي. سيبقى عشرات آلاف الموظفين في قطاع غزة بلا عمل وفي حالة انتظار المجهول. وسيبقى جيش العاملين في الوظيفة الحكومية في حالة بطالة مقنعة باستثناء الصحة والتعليم ومئات العاملين النشطاء في المؤسسات الأخرى.
مفارقات فلسطينية عجيبة ومسيئة ومحبطة. ففي الوقت الذي تذهب فيه الشعوب التي قمعت طويلا الى صناديق الاقتراع يتوقف الشعب الفلسطيني عن الذهاب إليها. وفي الوقت الذي تحاول فيه الشعوب الانتقال الى مؤسسات تخضع لمعايير مهنية محترمة، يقدم النظام الفلسطيني نموذجا لمؤسسة مدنية وعسكرية بائسة وفريدة من نوعها، يتم الترفيع داخلها بالاستناد لمرور الزمن والواسطة والمحسوبية والشطارة. لم تجدد المؤسسة ولم يعد بناؤها هذا صحيح، لكن عملية تشويه المؤسسة وجعلها غير مؤهلة لعمل اي شيء سائرة على قدم وساق. إن أي تدقيق ومراجعة لواقع المؤسسات منذ 10 سنوات وحتى الآن. سنجد الخراب والعطل اكثر انتشارا. كثيرون يتندرون على الحالة بالقول الآتي أسوأ والانحدار حتمي، وهذا نوع من التسليم بالأمر الواقع. وبفعل ذلك تعيش الأجيال الجديدة حالة من الإحباط وفقدان الثقة بالذات وبالتجربة الوطنية السابقة. وينعكس ذلك على تراجع الثقة بالفلسطينيين لدى دول وشعوب أخرى بالقياس مع مراحل الصعود الوطني والثوري.
حركة حماس أعادت بناء المؤسسات والأجهزة في غزة الى المستوى الذي يجعل زوال سيطرتها متعذرا. ويجعل مبدأ تداول السلطة السلمي متعذرا أيضا. وقد مرت عملية البناء دون اعتراض او احتجاج يذكر. اصبح التغيير من اجل تثبيت السيطرة أمرا واقعا ومسكوتا عنه في القطاع وفي الضفة. اصبح التواطؤ ضد الذهاب الى الانتخابات وتعطيل المجلسين الوطني والتشريعي متواطئا عليه. بمثل ما هو تشويه المؤسسات وإفراغها من مضمونها مسكوت عنه. التواطؤ والصمت وعدم المقاومة والاحتجاج على تعطيل الديمقراطية لا يقتصر على تنظيمي "فتح" و"حماس" بل يمتد الى التنظيمات اليسارية والنخب الثقافية التي تعايشت مع الركود من الناحية العملية. والسبب يعود الى افتقاد الديمقراطية، وفاقد الشيء لا يعطيه. إن تعطيل الديمقراطية يقود الى نظام عربي مستبد وفاسد ورديء. والنظام الرديء في الحالة العربية أوصل الأمور الى الانفجار والهاوية فهل ننتظر الهاوية. النظام العربي لم يبادر الى الإصلاح والتجديد أبدا والنظام الفلسطيني كذلك.
منطق الأمور يقول: كل شخص ديمقراطي او يرغب في الديمقراطية، من المفترض ان يدافع ويبادر ويضغط ويعمل من اجل بناء ديمقراطية فلسطينية جديدة.

Mohanned_t@yahoo.com

المصدر: 
الأيام