المعركة حول المنهاج في القدس جزء من الصراع على هوية المدينة المقدسة

بقلم: 

الخطوة النوعية التي خطتها وزارة المعارف الإسرائيلية ممثلة بدائرة معارفها التي تشرف على التعليم الحكومي في القدس العربية،والمتمثلة بفرض المنهاج الإسرائيلي على خمسة من مدارس القدس الحكومية،هي مدرسة ابن خلدون في بيت حنينا ومدرسة البنات الإعدادية (عبد الله بن الحسين) سابقاً،ومدرسة ابن رشد الشاملة في صورباهر ومدرستي صورباهر الإبتدائية بنين وصورباهر الابتدائية بنات،تثبت ان الإحتلال يواصل معركته من اجل الأسرلة الكاملة للمنهاج الفلسطيني في القدس،حيث سبق تلك الخطوة بخطوات عندما وجهت مديرة دائرة المعارف العربية في بلدية الإحتلال(لارا امباركي) رسالة لمدراء المدارس الخاصة والأهلية تطالبهم فيها بعدم تسلم الكتب المدرسية للطلبة من الصف الأول وحتى الصف العاشر من قبل السلطة الفلسطينية،بل عليهم تسلمها من بلدية الإحتلال.

وكان واضحاً ان هذه الخطة تجاه المدارس الخاصة والأهلية، ليست عفوية أو إرتجالية، بل هي تسير ضمن نسق خطة سياسية وتربوية ممنهجة ومدروسة جرى إقرارها في اعلى المستويات،فالمدارس الخاصة أصبحت بحكم ظروفها وواقعها وزيادة إحتياجاتها،وبغض النظر عن مدى دقة وصحة هذه الإحتياجات،غالبيتها تتلقى مالاً مشروطاً من قبل بلدية الإحتلال ودائرة معارفها يناهز ال(102 ) مليون شيكل سنوياً،ولذلك كان ثمن هذا المال الهجمة على تلك المدارس وإلزامها بإستخدام المنهاج الفلسطيني المشوه والمحرف،والذي طالت عملية الحذف والتعديل فيه بشكل أساسي كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات،حيث كان الحذف يركز على القضايا التي لها علاقة بهوية القدس العربية والإنتماء اليها،والقصائد والأشعار الوطنية وتحديداً المتعلقة بالانتفاضة او الدروس التي تدعو الى الجهاد ودعم الأسرى واسر الشهداء او الدروس التي تتحدث عن الإستعمار الغربي لفلسطين والغزوة الصهيونية لها كذلك.

ورغم عدم تعاطي تلك المدارس مع تلك الكتب المحرفة والمشوهة لكنها لم تعلن رفضها الواضح والصريح لتطبيق المنهاج المعدل والمحرف،بل تراجعت تحت ضغط شعبي وجماهيري مورس عليها من قبل الهيئات والمؤسسات والاتحادات الشعبية المقدسية،وكانت هناك لغة تبريرية اعتمدها العديد من المدراء،بانه حتى لو طبق هذا المنهاج،فالأصل في ذلك المدرسين الذين سيلعبون دوراً فاعلاً في تصحيح ذلك،وكذلك أغلب تلك المدارس،بل99% منها تسلمت الكتب من بلدية الإحتلال ووضعتها في مخازنها،إحتياطاً لأية علمية تفتيش مفاجئة قد تقوم بها دائرة المعارف الإسرائيلية للتأكد من توزيعها الكتب على الطلاب وفق تعليماتها،فالمال المشروط سيف مسلط على رقاب إداراتها.

جهود شعبية ومؤسساتيه بذلت في هذا الجانب،ولكن لم تكن ضمن خطة ممنهجة او وفق استراتيجية كاملة للمواجهة،أو رسم خطط وبرامج وآليات تنفيذية،وبهت الفعل الشعبي والمؤسساتي،وغاب الفعل الرسمي وأثبت عجزه.

الآن الإحتلال صعد وخطا خطوة نوعية،باتجاه محاولة فرض المنهاج الإسرائيلي كاملاً على مدارس القدس العربية،حيث كان تطبيقه في خمسة مدارس بمثابة "بروفا"،يعمل على توسيعها في الأعوام الدراسية القادمة،الإحتلال في تطبيقه للمنهاج الإسرائيلي على مدارس القدس، يراهن على ما احدثه من حالة إختراق في المجتمع الفلسطيني المقدسي،ومن تراجع لدور الحركة الوطنية والمؤسسات والاتحادات الشعبية المقدسية،وكذلك حالة الضعف الفلسطيني العامة،وايضاً فهناك من نمت لديهم مصالح خاصة ومنافع،وبالتالي نظروا لتطبيق هذا المنهاج والموافقة عليه من زاوية المصلحة والمنفعة المادية،وليس من زاوية خطورته على الوعي وتدميره لطلبتنا.حيث لمسنا كهيئة عمل وطني واهلي واتحادات شعبية في لقاءاتنا المتعددة سواء مع فعاليات واهالي ومدراء مدارس جرى تطبيق المنهاج الإسرائيلي على ابنائهم وفي مدارسهم،بأن هناك العديد من المدراء واللجان المساندة للتعليم في تلك المناطق والأهالي قد لعبوا دوراً اساسيا في تطبيق هذا المنهاج مستجيبين للتوجه والخطة السياسية لحكومة الاحتلال ودائرة معارفها والتي يعمل على تطبيقها مستشار رئيس البلدية "ديفيد كورن" والحاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية والعربية،ويعرف جيداً كيف يدس السم في العسل ويروج لهذا المخطط.

والمأساة هنا عملية المواجهة والتصدي لهذه الخطوة النوعية،لا تجري بشكل منظم وممنهج وبتكامل وتوحد الجهد والفعل،بل تبذل جهود شعبية ومؤسساتية،ولكنها غير منسقة او موحدة الخطة والبرنامج،على الرغم من اهمية وخطورة هذا القضية،وهذه الجهود والفعاليات،اذا لم يجر توحيدها في بوتقة واحدة وبرأس قيادي موحد،فإنها ستخبو وتبهت الى ان تغيب بشكل كلي.

والمعركة هنا على المنهاج،هي جزء من معركة السيادة على المدينة التي يسعى الإحتلال الى تهويدها بالإستيطان وبمئات الإجراءات والممارسات القمعية والأنشطة والقرارات والقوانين التي يجري اتخاذها وسنها وتطبيقها على المقدسيين في اطار سياسة التطهير العرقي الممارسة بحقهم،وهو ايضا يسعى الى اسرلة سكانها عبر "كي" واحتلال وعيهم والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية. واسرلة المنهاج جزء من هذه العملية،ويريد الإحتلال من خلالها ،أن يسلخ الحركة الطلابية عن واقعها وجسمها الوطني،وان يخرجها من دائرة الفعل الوطني والمقاوم،وان يتنكر الطالب لهويته وقوميته وانتمائه الوطني،وسيشعر الطالب ويعيش حالة من الاغتراب والتناقض الداخلي، فهو مطلوب منه ان يتعلم عن مدينته القدس ذات التاريخ العربي – الاسلامي العريق بأنها عاصمة دولة الإحتلال وليس مدينة فلسطينية وعربية واسلامية،والتسليم بأن مسرى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) المسجد الأقصى هو جبل الهيكل،وجبال الضفة الغربية،هي مملكتي يهودا والسامرة،وانه لا وجود لنكبة فلسطينية ولا مسؤولية سياسية وأخلاقية للإحتلال عن تلك النكبة وطرده وتهجيره لشعبنا،بل سيتعلم بدلا من ذلك عن ما يسمى بإستقلال دولة الاحتلال،وعن الشخصيات اليهودية السياسية والتاريخية التي كانت لها بصمات واضحة في بناء دولة الإحتلال،مثل بن غوريون وبيغن وشامير،تلك الشخصيات التي لعبت دورا فاعلاً وباراً في طرد وتهجير شعبنا،وارتكاب الممارسات بحقه.

نعم هذه معركة بحاجة الى تضافر وتوحد كل الجهود شعبية ورسمية،فالعامل الأساس في إفشال هذا المخطط هو الجهد الشعبي،وبالذات اهالي الطلبة،الذين يستطيعون أن يقولوا لا لتطبيق المنهاج الاسرائيلي على ابنائنا ولا لتخريب وعيهم وتجهيلهم،فالذرائع القائلة بأن تطبيق المنهاج الإسرائيلي يفتح لهم افاقا للعمل والتوظف في المؤسسات الإسرائيلية،في ظل عدم الإعتراف بجامعة القدس،هو عملية خداع وتضليل يسهم فيها العديد من المنتفعين وفاقدي الضمير والانتماء،وكذلك المروجين لنظرية وفكرة سهولة المنهاج الإسرائيلي و"البجروت"،فالمخاطر على ابنائكم وهويتهم كبيرة جداً.

والجانب الرسمي الفلسطيني،بات عليه التحرك بشكل فعلي لحماية ودعم العملية التعليمية في القدس ،لأنه لا سيادة وطنية بدون منهاج وطني،يكفي شعارات براقة فقد دقت ساعة العمل الجدي،تخصيص موازنات كاملة للتعليم في القدس،ورواتب مجزية للعاملين في مدارس وزارة التربية والتعليم الفلسطينية،واصلاح جذري في المنهاج التعليمي وبالذات امتحان الثانوية العامة،وتخفيض معدلات القبول في الجامعات المحلية الى ما دون الستين،والعمل على استئجار واقامة ابنية مدرسية جديدة تحد من ظاهرة التسرب الكبيرة من المدارس المقدسية،والإهتمام الجدي بالتعليم المهني والصناعي،ومنع قبول طلبة القدس من حملة "البجروت" في الجامعات المحلية وحتى العربية،وعدم تصديق كشوفات طلبة المنهاج الإسرائيلي،والتحرك على المستوى العربي والدولي لحماية العملية التعليمية في مدينة القدس.

المصدر: 
صحيفة القدس