"نكبة" النكبة

بقلم: 

عاش الفلسطينيون بذكرياتهم الأيام السود الرهيبة التي اختزلت تاريخهم التليد ووجودهم العريق وحقوقهم السليبة في أرضهم وحريتهم واستقلالهم ودولتهم إلى قضية، كما عاشوا بمعاناتهم الأليمة في الشتات حيث تنعدم أبسط متطلبات الحياة الكريمة والإنسانية، وهم في ظل الاحتلال يواجهون حرب الإبادة العنصرية، ورغم هذا وذاك تمضي قاطرة مسيرة الأجيال كقدر من التضحيات السخية . هم بهذا وذاك عاشوا الذكرى ال 65 للنكبة التي حاقت بهم من قبل قوى الاستعمار والصهيونية في واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ الإنسانية .

الذكرى مرت لكنها كانت مناسبة مزدوجة غاب في شأنها العرب إلى درجة بدت كما لو أنها صارت نسياً منسياً، وهذا لا يعود إلى ما يعتبره البعض الظروف الاستثنائية، بل إلى الانحدار الرهيب في شأن القضايا العربية، وهذه واحدة من النتائج الأبعد من السلبية المترتبة عن الالتفاف الذي جرى على ربيع التغيير والمستقبل العربي الذي أطلقته الحركات الشبابية في انتفاضات غير مسبوقة من جهة، ومن جهة ثانية كان حضور طرفي الانقسام السياسي الفلسطيني الساقط على الضفة وغزة بإعادة إنتاج إعلان “جديد” عن المصالحة الوطنية في غضون ثلاثة أشهر .

الاتفاق الذي تم الأسبوع ما قبل الماضي في القاهرة أعاد الإعلان عن “إنجاز جميع ملفات المصالحة” وهذا تكرر مرات عديدة؛ فما الأهمية من إعلان كهذا؟

العديد من المراقبين توقف أمام هذا الإعلان، حيث أعاد هؤلاء إعلان القاهرة الأخير في شأن المصالحة الوطنية الفلسطينية إلى ثلاثة أسباب:

أولاً: إعادة التفاهم بين طرفي الانقسام “فتح” و”حماس”، بعد أن كان قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شأن إجراء المشاورات لتشكيل حكومة انتقالية قد مثل خطوة عملية لإخراج الاتفاقات من الورق إلى حيز التنفيذ، وهي الإشكالية التي أصابت الاتفاقات في هذا الشأن منذ 27 إبريل/ نيسان ،2011 إذ إن قرار عباس اعتبر من جانب “حماس” أحادي الجانب، ما أدى إلى عودة طرفي الانقسام إلى دوامة الاتهامات التي قابلها الشارع الفلسطيني بالاستياء والغضب، لأن اللعبة على هذه الشاكلة صارت تدور على إدامة الانقسام لا تجاوزه .

ثانياً: الضغوط التي باتت تتزايد من جراء التحركات واللقاءات والاتصالات والمبادرات وإعادة تعديل المبادرات في شأن الأزمة الشرق أوسطية وأساسها المتمثل بالقضية الفلسطينية، فهذه التطورات على أي مستوى وشكلٍ كان، تلقي بظلالها على مشهد الفلسطينيين المنقسمين في الداخل على مغريات السلطة الوهمية تحت الاحتلال وأسرى تقاسمات مَن في الخارج . وإذا ما جرت الأمور وفق ما تذكره التسريبات عن انعقاد قمة فلسطينية “إسرائيلية” بحضور جامعة الدول العربية، واستمرت زحمة التحركات وحضور لاعبين جدد كما بدت الصين في تحركاتها الأخيرة، دونما أن يتجاوز المنقسمون انقسامهم، فإن المترتبات عما يجري ستنال حركتي “فتح” و”حماس” فلسطينياً، وبالطبع الأمر مفتوح في اتجاه النيل من القضية الفلسطينية برمتها .

التطورات الأخيرة التي تجري بهجمة سياسية ودبلوماسية تجاه هذه المنطقة وأزمتها حوّلت الانقسام على أطرافه إلى حلقة اختناق، لأنه قام على لعبة في مساحة المصالح الصغيرة، والخروج من هذه الشرنقة لا يتطلب إرادة تحويل الاتفاقات إلى أعمال وحسب، بل استيعاب ومواكبة ما يجري لإعادة رسم الخريطة التي يراد من خلالها الإبقاء اسمياً على ما هو فلسطيني بعد أن جاءت سياسة العدوان والاحتلال والاستيطان على كل ما هو فلسطيني صغيره وكبيره معاً .

ثالثاً: لأن المنقسمين لم يمتلكوا منذ بدأ هذا الانقسام سوى إعلان اتفاقاتهم، فهم لم يكن لديهم ما يقدم في الذكرى ال 65 للنكبة غير إعادة إطلاق إعلان اتفاقهم، وهي محاولة يصح القول إنها بائسة إذا ما كان الغرض منها مجرد الإعلان في هذه المناسبة .

لقد كانت النكبة باستهداف الفلسطينيين بوجودهم في طوفان من الجرائم الإرهابية التي أزهقت أرواح الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال والشباب في بيوتهم، فيما طارد القتلة من حاول النجاة ونالوا أعداداً غفيرة في مذابح إرهابية فظيعة .

الفلسطينيون آنذاك شُتتوا داخل وطنهم وشُردوا إلى أصقاع المعمورة، لكنهم لعقود متتالية وأجيال متواصلة ظلوا موحدين تجاه حقهم السليب، وهم من هذه القاعدة تمكنوا من فرض عدالة قضيتهم على العالم وامتلكوا تعاطف الإنسانية بأسرها ومناصرتها .

لقد كانت الحركة الوطنية الفلسطينية بمقاومتها متعددة التيارات والاتجاهات، لكنها باختلافها وتعددها كانت في إجماع على أهدافها وعدوها، وفي وحدة لاستعادة حقوق شعبها 

حدة الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس” في الضفة من جهة، وفي غزة من جهة ثانية، جاء على الوضع الفلسطيني الوطني بإخلال وإضعاف، وكانت مترتبات الانقسام كارثية على الشعب الفلسطيني، فالمنقسمون يلمسون أن الشعب الفلسطيني فاق احتماله هذا التداعي السياسي الذي يضع المصير الفلسطيني بين فكي نكبة الاحتلال ونكبة الانقسام، وهذا ما لم يعد يُطاق احتماله .

السؤال: إلى أين سيذهب المنقسمون بانقسامهم بعد أن التقوا في عناق مرات في القاهرة وفي الدوحة والرياض ولكنهم بقوا في الضفة وغزة في خناق؟

المصدر: 
الخليج