إسرائيل والحريديـم

بقلم: 

 

الصراع الدائر في إسرائيل مع اليهود الحريديم (المتشددين دينياً)، والذي احتل مكاناً مركزياً في الانتخابات العامة الأخيرة، ما زال بعيداً من نقطة الحسم، لكن بات من شبه الواضح أنه لن يُحسم بالإملاء، وإنما سيُصار إلى حله بالتوافق.

ولعل آخر إشارة ترجّح ذلك هو توصل وزارة التربية والتعليم، التي يتولاها شخص من حزب "يش عتيد" بزعامة وزير المال يائير لبيد والذي خاض تلك الانتخابات على أساس برنامج تصدرته مسألة دفع الحريديم نحو "تقاسم أعباء خدمة الدولة" من خلال انخراطهم في الخدمة العسكرية، إلى اتفاق مع رئيس حزب "شاس" (الحريدي) يقضي بعدم تقليص الموازنات المخصصة لشبكة المؤسسات التعليمية التابعة لهذا الحزب، على الرغم من الحاجة القصوى إلى تقليص الموازنة الإسرائيلية العامة لسد العجز الكبير المتراكم فيها.

وتنظر أوساط كثيرة في إسرائيل إلى موضوع الحريديم عامة، ودورهم السياسي والعسكري والاقتصادي في المستقبل خاصة، باعتبارهما ينطويان على أهمية كبيرة بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي في الوقت الحالي.

ويعود السبب الرئيسي لهذه النظرة إلى حقيقة أن الحريديم، الذين يشكلون الآن ما نسبته أكثر من 12% من السكان اليهود في إسرائيل، سوف يضاعفون أنفسهم في غضون أقل من عشرين عاماً لتصبح نسبتهم نحو ربع السكان اليهود. وهذا يعني أن الدولة ستكون بأمس حاجة إليهم، أولا في صفوف الجيش، وربما الأهم في المرافق الاقتصادية، نظراً إلى كونهم شكلوا حتى الآن، مع المواطنين العرب، ما يشبه "حجر الرحى" على نمو الاقتصاد الإسرائيلي، على خلفية نسبتهم المنخفضة في سوق العمل.

ومنذ نحو عشرة أعوام أشار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عندما كان يشغل منصب وزير المال، إلى أن إسرائيل ستواجه صعوبة في النمو الاقتصادي في المستقبل إذا لم ينخرط الحريديم والعرب في قوة العمل. وهذا يفسّر، بكيفية ما، محاولات حكومة إسرائيل في الآونة الأخيرة دفع ما يمكن اعتباره "سلاماً اقتصادياً داخلياً" مع العرب يكون مقروناً بقمع تطلعاتهم السياسية، من خلال شتى القوانين، وبواسطة انتزاع اعتراف عربي وفلسطيني بإسرائيل على أنها "دولة الشعب اليهودي"، والتي تبدو لها كـ "حصن" أمام أي مطالب مستقبلية بشأن إدارة ذاتية عربية في النقب والجليل والمثلث.

أمّا بالنسبة إلى الحريديم، فإن التوجه الغالب هو نحو دمجهم أكثر في المشروع الصهيوني. ويستعين هذا التوجّه بسياسة تضخيم المخاطر المتربصّة بإسرائيل، وتأكيد أنها ناجمة لا عن نزاع على أراض، وإنما عن عدم قبول "الدولة اليهودية" في حيّز الشرق الأوسط.

 

المصدر: 
النهار