د .فياض ربيع فريدمان ليس ربيعنا

بقلم: 

 يعيش الشارع الفلسطيني بعد استقالة رئيس الوزراء د.سلام فياض حالة من الجدل بشأن المستقبل، ونقاش لتقييم الماضي، وفي كل الاحوال هذا حق ويجب ان تؤخذ الامور على هذا النحو، ولكل فلسطيني الحق في نقد او مدح الشخصية العامة دون قدح او ذم او تخوين.

حاول البعض تصوير د. سلام ضحية لحركة فتح وانه "كبش فدا"، وكذلك الشعب مجرم وفياض الضحية! دون ان يقدم اي معطيات لاثبات ذلك، ولم ينظر للاحتجاجات العارمة التي ترفض سياسته وتطالب برحيله، وحتى عند هذا الاتهام لم يحترم حركة فتح انها اختارت هذا الرجل لتسع سنوات متواصلة، لم يحصل عليها قيادات الحركة نفسها، بمعنى اعطي الفرصة الكاملة لتقديم ما لديه بحيث ان اي فترة اضافية فإن الرجل سيكرر نفسه.

والغريب ان د. سلام يطرب لهذه الاتهامات ويصدقها دون ان يعترض او ينفي او يذكر ما يعرفه من وقوف اقطاب الحركة معه وحماية الحكومة من السقوط لاكثر من مرة، رغم المطالب الشعبية الحاشدة والعارمة التي طالبت بوقف سياسته الاقتصادية والمالية التي دمرت معظم القطاعات ودمرت الاقتصاد بشكل عام.

ولا بد ان نتحدث بالارقام والوثائق عندما نصف فترة حكمه بالمدمرة، فمثلا لو قلنا عن حجم العجز بالموازنة قبل استلامه وزارة المالية، كان العجز صفرا ووصل اليوم لميار واربع مائة مليون، وحجم المساعدات في ظل عدد موظفين اقل ومهام اقل ووزارات اقل وعدد طلاب اقل وعدد سكان اقل. كانت المساعدات مليار وثمانية مليون وأصبحت في عهده سبعمائة مليون وبناء على طلبه وتصريحه انه سيقلل الاعتماد على الخارج، وان الشعب الفلسطيني سيحقق الاكفاء الذاتي بحلول العام ٢٠١٣ ولا حاجة للشعب لذلك! وللأسف كان ذلك حبرا على ورق! ثم انتظر الجميع خطة بناء الدولة التي خطط لها على ان تنتهي في العام ٢٠١٣ ايضا، تبين انها خطة وهمية ودعايات لا وجود لها، بل لم نشهد اي اضافة على مؤسسة ولو دهان للجدران، وتحولت الوزارات ممالك لبعض المتنفذين، ولا عمل مؤسسي وعلى رأسها وزارة المالية. ورفع د. سلام شعار الشفافية وبشكل خاص المالية، ووجدنا ان الموضوع المالي يتحكم فيه فقط شخص او شخصين وفق تعليماته، ولا معلومة حقيقية لدى اي جهة معنية ومنع مبطن للجانب الرقابي على اداء وزارة المالية، وصرف مالي بطريقة تخدم اهداف وأجندات لا علاقة لها بالمصلحة العامة، وانما شخصية من صرف مكافآت ومساعدات بدون قانون او نظام للمحسوبين على توجه معين فقط.

وللأسف لو نظرنا لحجم الضرائب وشعارات التقشف لوجدناها تسبب ضرب للاقتصاد وتصب في خانة المس بالعمل المؤسسي، وتقارير واضحة من بعض المؤسسات تحول عند بعض الموظفين لقبول الرشاوي لسداد احتاجاتهم واستغلال مناصبهم بسبب عدم منحهم حقوقهم، وكذلك استغلال غياب المجلس التشريعي وإقرار القوانين بالجملة لخدمة اجندات لا تصب في المصلحة العامة بعيدا عن مبدأ الشراكة مع المجتمع، والضرب بعرض الحائط احتجاجات الاتحادات والنقابات وممثلي الشعب. واللجوء لشعارات ومؤتمرات صحفية نتيجتها استمرار العمل بتلك القوانين المرفوضة شعبيا، ومثال ذلك قانون ضريبة الدخل وتجاوز للقانون بشكل كبير اخرها وقف رواتب التوكيلات في غزة.

تحترم الشعارات المرفوعة ظاهريا ولكن ما ينفذ على ارض الواقع يمس صمود وكرامة المواطن ومستقبل الشعب، وهو تجاوز للقانون، فلا يعقل ان نتحدث عن نمو وتنمية وهمية في ظل الاحتلال، دون الانتباه لتسواق ذلك مع السلام الاقتصادي لنتنياهو ! ولا يعقل قبول شعار خطة الجاهزية للدولة ونحن نعلم ان ذلك يخدم الاحتلال، الذي يسوق ان عدم منح الفلسطينيين دولتهم هو بإقرارهم انهم غير جاهزين لذلك! وللأسف تمنح دولة لجنوب السودان ولا يوجد فيها عشرة كيلومترات طرق معبدة! ومنحت ذلك خلال شهر!

لا يعقل ان يُمرّر على شعبنا تحسن في الوضع الاقتصادي وحجم الديون كان قبل استلام د. فياض في العام ٢٠٠٢ تقريبا اربعمائة مليون وبعد استلام فياض وصل لستة مليارات، ورغم ذلك عدم انتظام بصرف الراتب! وعدم استيعاب موظفين جدد ووقف للترقيات وفي السابق تعينات بالجملة وترقيات استثنائية دون اي عجز! لا يعقل ان يُمرّر ان نسبة البطالة كانت قبل فياض ١٥٪ ووصلت بعد فياض ٢٩٪ وان اربعون الف خريج لا يعرفوا ماذا سيحل بهم! لا يعقل ان نمرر تدخل البنك الدولي قبل فياض صفر، اصبح يسيطر على كل مؤسسات الوطن ويضع الخطط والقوانين ولا دور للشعب. لا يعقل ان يقبل شعبنا اجماع الدول على فياض لتنفيذه سياساتها وتجدها تحاصر شعبنا وتقوم بحجز المساعدات عنه! فهل مطلوب ان نقبل ان تستفيد تلك الدول من وجود فياض وتستطيع تحقيق اهدافها وشعبنا يجوع ويهاجر ولا فائدة من وجوده. لا يعقل ان لا نرى ان مستوى التعليم وحسب فحص تيمز وصل لرقم ٣٦ من ٤٢ دولة في الشرق الاوسط وكان قبل ذلك ١٠ من ٤٢! والامية وصلت للصف الرابع لتدني مستوى الطلاب! لا يعقل ان يكون على كاهل كل طبيب ١٠٨ مرضى في اليوم وكانت قبل ذلك ٢٥ مريض! لا يعقل قبول رواتب عقود من يعمل لدى د. فياض تصل شهريا لـ ١٤٠٠٠ يورو و ٥ الاف استرليني وتوقف الترقيات للعسكريين والمدنين ولا يعقل قبول صرف مكافآت للوزراء ولشخصيات بلا سبب ولا تصرف مكآفات المتقاعدين منذ اكثر من خمس سنوات ونترك اصحابها يموتوا قبل ان يستلموا مستحقاتهم!

وهنا اقول لا يمكن لحركة فتح ان تقبل ان يبقى د. سلام يسحب من رصيدها وزخمها في الشارع بسبب سياسته التي تتحملها بسبب خيارها واستمرارها بالدفاع عنه وعن سياسته المرفرضة، وقامت بحمايته وحكومته لأكثر من مرة من السقوط، سواء بالدفاع العلني والمباشر او ممارسة الالزام على كادرها الذي يقود الاحتجاجات! وللأسف لم ولن يعترف د. فياض او من يروجوا لسياسته بذلك، ولن يذكروا خروج الرئيس ليقف ويعلن ان هذه حكومته وانه يتحمل المسؤولية عن سياستها، فهل الرئيس الرمز ابو مازن ملزم ان يبقى يغامر ويخسر من التفاف المواطن حوله لمواقفه السياسية الشجاعة، ليخسر ذلك على مواقفه لدعم سياسة فياض رفضها شعبه؟! فهل الحكومة حكومته والشعب ليس شعبه؟! لماذا لا يقولوا ان الرئيس منح الفرص تلو الفرص لفياض ومنحه فترة طويلة عشر سنوات لتقديم ما لديه؟!

والآن الرئيس استجاب لصرخات شعبه. الشعب يريد رئيس وزراء يسعى لارضاءه ولوقف احتجاجاته بالاستجابة لمطالبه فعند ذلك سيجد بيانات ترفض استقالته، لا ان تنتظر تنفيذ الاستقالة لحظة بلحظة، حيث ان رأي الشعب له المعنى والقيمة، وبالعكس كم يشعر بالانزعاج عندما يرى الضغط والوقاحة الامريكية التي تقول ان فياض لم ولن يستقيل فهو باق! ورحيله انتهاء للربيع الفلسطيني ثم يسمع بيانات المدح لسياسته من اعداء الشعب من دول سعت ولا زالت لدعم ممارسات الاحتلال وتريد سياسات تخدمها وتحقق اهداف اموالها والتي على رأسها تفوق اسرائيل.

ونصيحة لكل من حب فياض فعلا، ان يكرر شكره لحركة فتح التي منحته الفرصة لترأس الحكومة هذه الفترة الطويلة، وجعلت له اسما معروفا بعد ان كان غير موجود على اي لائحة من قيادات الوطن! او في مواقع الاشتباك وان يسأل، ماذا قدم له البنك الدولي او الدول التي مدحت أداءه!؟ وماذا قدم له بعض اصحاب الاقلام الموجهة والتي ظلمت الحركة وهاجمتها ظلما؟! دون ان نرى اي نفي منه او اعتراف بدعم معظم قيادات الحركة له وعلى رأسهم رئيس الحركة، مع العلم انها فترة جعلتها تخسر شعبيا وتستهدف بأعضائها وقادتها منه او محيطه! كما فعل بارتكاب مجزرة الرواتب بغزة تحت شعار انه شفاف وان الحركة فاسدة عينت اسماء وهمية وهو المُخلص (بضم الواو). وبهذا فياض لم يقدم لهذه الحركة سوى النقد والتجريح من البعض بأقلامهم ومن الشعب على سياسته التي تتحملها الحركة! وعلى د. فياض ان يكون جريئا وان يقول ما قدم لفتح مقابل ما قدمته فتح له. وعلى فتح ان تقول له اسحب من رصيدك لا من رصيد الحركة، لان الحركة وجدت لخدمة الشعب وليس البنك الدولي.

ان فترة فياض وسياسته لم تنتهِ وستبدأ من جديد ولكن على الشارع ان يتلقاها منه ومن حزبه مباشرة اذا حصل على نسبة تمنحه الحق في تشكيل الحكومة وليس من فتح، ومن الجلي انه استخدم كل امكانات الحكومة لصناعته ورهاننا على الشعب لدعمها او مواجهتها وبوصلته ليست بعض الاقلام وانما ما لمسه على ارض الواقع خلال فترة كاملة غير منقوصة للفياضية، والتي لا علاقة لبرنامج فتح بها اطلاقا، سواء كانت مقبولة لهم او مرفوضة بشكل مطلق، عبروا عنها بهبات شعبية رافضة من جنين حتى الخليل. ولن تقبل فتح ان يبقى الشعب الضحية وفقا لرغبة بعض الدول سواء امريكا او اوروبا او البنك الدولي! ومن يريد دعمنا عليه ان يستجيب لحاجة شعبنا ورغباته لا ان نرضخ لاهدافه! وربيع توماس فريدمان ليس ربيعنا ولم ولن يحدث في فلسطين. وربيعنا بدء منذ انطلاقة الثورة وينتهي بزوال الاحتلال لا برحيل قائد او شخص.

المصدر: 
زمن برس