حماس والتطرّف الجديد

بقلم: 

 

 في الخامس عشر من نيسان2011 ، تلقى النشطاء الدوليون المتعاطفون مع القضية الفلسطينية، وحتى الكثير من الفلسطينيين، خبر إعدام الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني، الملقب بـ "فيكتور"، على يد مجموعة سلفية في قطاع غزة. حركة "حماس"، الحاكمة في القطاع، استنفرت مسؤوليها السياسيين والعسكريين، الجزء الأول تفرّغ لإدانة الجريمة، والجزء الثاني أخذ على عاتقه ملاحقة الجناة. العملية الأمنية نجحت في ذلك الحين وتم قتل اثنين من القتلة، واعتقال ثالث، تم إطلاق سراحه لاحقاً وسط أنباء عن صفقة بين الحركة الإسلامية والجماعة السلفية.

 

يومها، الكثير من الناشطين حمّلوا حركة "حماس" المسؤولية غير المباشرة عن جريمة قتل فيتوريو، على اعتبار أن الحركة أمنت جواً حاضناً للمجموعات التكفيرية في قطاع غزة على أكثر من صعيد، سواء العسكري أو السياسي أو الاجتماعي، قبل أن تعود لتحاربها في وقت لاحق.

قصة "جيش الإسلام" مع حركة "حماس" شهيرة في قطاع غزة. فالجيش كان شريكاً للحركة، في مرحلة من المراحل، في العمل المقاوم. حتى أن هذا الفصيل السلفي كان جزءاً من عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي تم الاختلاف حوله بين الحركة و"جيش الإسلام"، وشنت على أثره "حماس" عملية عسكرية واسعة على حي الصبرة في غزة، حيث كان يتواجد ممتاز دغمش، زعيم هذا الفصيل.

 

مناسبة الحديث عن العلاقة بين "حماس" والجماعات السلفية تكمن في الحضن الاجتماعي تحديداً، الذي أمنته سياسات "حماس" في قطاع غزة، بعد قرارات الأسلمة التي اتخذتها على الأرض. فلدى بسط الحركة سيطرتها على قطاع غزة، في أعقاب عملية الحسم العسكري ضد حركة "فتح"، اتخذت "حماس" سلسلة من القرارات، التي اعتبر كثيرون أنها غذّت التوجهات المتطرفة في القطاع، بدءاً من منع النوادي الليلية وإغلاق (أو تفجير) متاجر بيع الكحول، ثم استحداث ما يشبه الشرطة الدينية أخذت على عاتقها "الفصل بين الجنسين" في الأماكن العامة، ولا سيما على شواطئ البحر. إجراءات أخذت القطاع إلى جو من التزمت ساهم في بروز توجهات، ربما لم تكن في حسابات "حماس".

 

غير أنه لا يبدو أن الحركة تعلمت من التجربة السابقة ونتائجها، وها هي تعيد الكرّة مرة أخرى عبر سلسلة من قرارات "الأسلمة"، رغم الأصداء المعارضة التي لاقتها القرارات السابقة، وساهمت في تدهور شعبية حركة "حماس"، التي كانت وصلت إلى الحكم بنصر انتخابي ساحق. القرارات الجديدة جاءت مكمّلة لسابقاتها، فبعد الفصل الجنسي في الشوارع والشواطئ والإدارات الرسمية، لجأت الحركة إلى المدارس للفصل بين البنين والبنات، ليس فقط على مستوى الطلاب، بل حتى الأساتذة. قرار قد تكون تداعياته أخطر من سابقاتها، باعتباره يؤسس لجيل جديد معزول عن الجنس الآخر، ومهيأ لتقبل كل الأفكار المسبقة عن ما يجهله.

 

الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أعادت الحركة إحياء شرطتها لـ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لملاحقة أصحاب القصات "الغريبة" أو من يضعون مثبتاً للشعر، أو من يعمدون إلى طريقة لبس لا تناسب ما تفكر به "حماس". الحركة تسعى إلى خلق مجتمع على قياسها، ويشبهها. محاولتها في السابق فشلت، وأدت إلى أحداث لا تزال الحركة تدفع ثمنها حتى اليوم. فالأزمة مع مصر ناجمة عن عناصر جهادية خارجة عن إطار السيطرة. وحتى الهدنة مع إسرائيل، التي تحرص "حماس" على الإبقاء عليها، مهددة بفعل جماعات سلفية تطلق بين الحين والآخر زخات من الصواريخ.

 

مع ذلك، لا تزال "حماس" مصرّة على تطبيق أجندتها الاجتماعية، ربما هذه المرة مستندة إلى "تفرّغها للحكم". فبعد اتفاق التهدئة مع إسرائيل، الذي تبدو "حماس" مقتنعة بأنه طويل الأمد، وبعد ما يشبه الغطاء الشرعي الذي نالته عربياً، والروح التي تلقفتها من الحكم "الإخواني" الجديد، ها هي الحركة تعود إلى نهج أسلمة المجتمع، الذي سيشكّل الحاضن الأولي لموجة أوسع من التطرّف.

 

 

المصدر: 
موقع المدن