حركة التضامن الدولية بحاجة إلى إدارة..!

بقلم: 

 

تبدو فلسطين مثل كلمة السر في الدخول إلى بوابة التعبير عن الحرية، ما بين الأحرار في العالم وفلسطين حبل سري لا ينقطع، وكأن مواصفات العدالة الدولية الإنسانية تظل ناقصة إذا لم ترتبط باسم الشعب الذي تلخص قضيته ونضاله العادل نموذج الظلم المسكوت عنه بتواطؤ كوني لعقود طويلة. في تونس ينعقد المنتدى الاجتماعي العالمي وهو تجمع ضخم يضم الثوريين والباحثين عن الحرية والكرامة من كل دول العالم، ينادون بصوت واحد ضد اعوجاج ميزان العدالة في العالم من احتلال وقمع الحريات وتغول الدول الكبيرة على شعوب وثروات الدول الفقيرة، أجيال مختلفة ومستويات مختلفة من الطالب حتى عضو البرلمان ولكل وفد دولة خيمته التي نصبها لعرض قضاياه على مسمع ومرأى الجميع، فلكل شعوب الأرض قضاياها التي تعبر عنها ولكن ما يبعث الأمل أن قضية فلسطين تبدو القاسم المشترك للجميع، وأن خيمة فلسطين تظهر كأنها مركز التجمع الممتد على مساحة واسعة، الجميع يحج إليها أثناء طوفان لا ينتهي وسط ازدحام الخيام والبشر. قررت هيئة المنتدى عقده هذا العام في تونس باعتبارها رائدة الثورات في العالم العربي ولتكريم شعب تونس الذي قدم نموذجاً من الثورة البعيدة عن الفوضى، ولإثبات أن هذه الدولة التي اهتزت قبل عامين فقط، تحظى بمستوى من الأمان والنظام الذي يمكن من استقبال ما نقلته الطائرات التي لم تتوقف عن الهبوط في مطار قرطاج على مدار أسبوع، ولأن هذه الدولة اختارت رئيساً كان حتى وقت قريب احد رموز الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، وفي هذه رمزية كبيرة كدلالة الانتقال الهائل من النقيض للنقيض، ولكن تونس ما زالت بحاجة إلى الكثير كما يقول ثوراها، فهم في أول الطريق أو أن لديهم إحساساً تعيشه بعض دول الجوار بأن هناك من استولى على الثورة وسحب البساط من تحت أقدامهم. الحقيقة الساطعة والعادية والمفاجئة والجديدة والقديمة التي كادت أن تنسى في سنوات الظلام الوطني والانقسام وأن فلسطين، ما زالت تستقطب العديد من المتعاطفين معها ما لم تبلغه أية قضية أخرى ولا يزال التضامن الدولي معها، كما العقود الماضية وربما اكثر مع دخول عصر الحريات والفرز الذي يزداد وضوحاً في العالم بين أنظمة تحكم أو تصل إلى الحكم فتعيد صياغة تحالفاتها مع قوى تدعم قمع الشعوب وتساند الاحتلال، هذا لافت تعبر عنه بعض دموع سيدات مصدرها القهر من استمرار احتلالها، ولكن اللافت أكثر هو غياب استثمار هذه العاطفة الجياشة وهذا التضامن الذي يبدو كحالة السانية موسمية مع عدم قدرة الفلسطينيين على تحويلها إلى أداة ضغط سياسية ضد النظام الدولي وضد الاحتلال. إدارة هذا التضامن هو استغلال لكل تلك الطاقة المخزونة في فلسطين المعلقة على جدران قلوب كل هؤلاء كما تشي ملامحهم وانطباعاتهم هو الغائب المطلوب جداً لتجييش حركة هائلة بإمكانها حقا إن تم تنظيمها بشكل أكبر أن تعزل دولة الاحتلال التي بدأ ينهار جدار التعاطف معها منذ سنوات فهي أكثر انكشافاً والعمل الآن أكثر سهولة وصحيح أن الفلسطينيين نجحوا في السنوات الأخيرة في الضغط على إسرائيل الذي بلغ ذروته في الأمم المتحدة في تشرين الثاني الماضي بتجنيد أغلبية 138 دولة لصالح الاعتراف والتعاطي مع فلسطين كدولة مراقب، ولكن إسرائيل أدارت ظهرها وكأن شيئا لم يكن وهذا يعني أهمية استدعاء كل أوراق الضغط وإعادة تفعليها وعلى رأسها تجنيد شعوب العالم الجاهزة للعمل، فالحديث الفلسطيني عن ضرورة العمل على تحشيد حركة التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية لا ينقطع، ولكن السؤال كيف يمكن تحويل ذلك إلى برنامج عمل وخطة تتم مراجعة حجم ما أنجز منها؟ وهذا هو المطلوب، فلماذا لا تشكل منظمة التحرير الفلسطينية دائرة لهذا الشكل من العمل وهو ليس بجديد عليها؟ دائرة تتفرغ لإدارة هذا الملف الهائل والمثمر جداً والذي تعلو أصوات في اسرائيل تحذر من العزلة والتسونامي السياسي الذي يمكن تحويله إلى تسونامي شعبي عالمي. ولا شك أن الانقسام البائس هو الضربة الأكبر للمشروع الوطني في العقود الأخيرة، وهو الجواب الذي يتهرب الفلسطيني من سؤاله محاولاً الإبقاء على قدسية قضية يرى طهرانيتها بعيون المتعاطفين معها، فقد فعل الانقسام فعله في التأثير على روح الفلسطينيين وبعض العرب الذين يعيدون فرز أنفسهم باصطفافات جديدة وتبديل مواقعهم وفقاً لاهتزازات الإقليم ولكن المراقب لحجم التفاعل معها حين يبادر الفلسطيني يدرك أن المسؤولية الفلسطينية كبيرة في الحفاظ على حركة الانشداد الدائمة دون ترك متسع للارتخاء حتى لا يشعر الاحتلال بغياب الضغط فهو يخشى العزلة ويدلنا على ذلك فكيف يمكن أن يشتد حبلها اكثر على عنقه وصولاً لإعدامه ورحليه وهذا هو البرنامج الممكن وحين يكون هذا الممكن قائماً ولا يتم استغلاله فالسؤال كبير على مستوى إدارة القضية برمتها فالإدارة تعني استثمار الواقع وهناك واقع يدعو للأمل ويشكل تربه خصبة للعمل منتظراً معاول عليها أن تضرب الأرض بقوة حد التعرق ودون ذلك ستستمر اسرائيل في احتلالها واستيطانها ومصادرة الأراضي وعزل القدس واعتقال الأسرى وهي القضايا التي كانت معروضة على مدار أسبوع من الحوارات والنقاشات والصور والأغاني والأنشطة المختلفة في المنتدى الاجتماعي العالمي. لفلسطين وقع السحر هنا في تونس وبين ضيوفها يشعر الفرد بفخر كاد ينساه الفرد في الوطن بسبب ما فعل الفلسطينيون بأنفسهم، فالحقيقة أننا نخجل من الانقسام واقتسام وتشظي الوطن ونحن في منتصف الطريق فلم تقام الدولة ولم نعد نقاتل ولكننا نتقاتل بحجم ما امتلأت عقولنا من رغبات ومصالح صارت أكبر من الوطن، فعلقنا في منتصف الطريق ونبحث عن خشبة خلاصنا خارجنا ولم يتعلم الفلسطينيون بعد من تجربتهم الطويلة أن كل عوامل الخارج هي عوامل مساعدة وليست أساسية، فالأساس هم فقط ولا يزال ينتظرون.. إعادة بناء النظام السياسي هي مهمة عاجلة وأولوية قصوى هذه هي رسالة العالم لنا تصالحوا حتى نذهب معكم للنصر، ليست بهذا الوضوح ولكنها الحقيقة التي نتهرب من حل لغزها مع سبق الإصرار والترصد.

المصدر: 
الأيام