في انتظار أوباما

بقلم: 

 

في مسرحية بيكيت "في انتظار غودو" لم يأت غودو رغم الانتظار.

لكن الرئيس أوباما سوف يأتي ولن يترك الناس في الانتظار، وهو سيأتي وفي موعده المحدد. اللهم إلا إذا صدقت نبوءة صحيفة إسرائيلية انه سيلغي زيارته الى إسرائيل اذا لم ينجح نتنياهو في تشكيل حكومته قبل موعد الزيارة. وهي نبوءة غالبا لن تتحقق وغالبا سينجح نتنياهو في توليف حكومته ولو عصر على نفسه ليمونة ليقبل بتمثيل قوى فيها لا يريدها واستبعاد قوى يرتاح لها ويرغب بوجودها .

وحتى اذا ما تحققت النبوءة فان الزيارة ستتم ولكن بتعديل واحد على أهميته وأساسيته، إلغاء إسرائيل من برنامج زيارته. والتعديل، اذا ما حصل، يحمل معه سؤاله: الم يكن لاوباما نفسه دور في تحقق النبوءة وفي حال العنت الذي يعيشه نتنياهو في تشكيل حكومته بسبب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي لم تأت كما كان يخطط، وما يقال عن دور لأوباما وإدارته في حصول تلك النتائج.

 

لماذا ينتظر الناس زيارة أوباما وماذا تنتظر منها؟

لا يقول الحقيقة من أطراف المنطقة من يدعي انه لا يهتم بالزيارة ولا يبالي بما تحمله او بما ينتج عنها. الحقيقة أن الكل مهتم : البعض يجهز أوراقه ومطالبه واقتراحاته، والبعض اجل قرارات وخططا معينة لما بعد الزيارة ومفاعيلها ونتائجها، والبعض يبادر إلى أعمال معينة بهدف لفت نظر أوباما او تحضيره للتعامل معها ....

والى حد ما، فهذا الأمر طبيعي ومتوقع، فالزيارة حدث استثنائي وليس كزيارة اي مسؤول او رئيس، فالزائر هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية القوة الأولى في العالم، والتي لا يزال نفوذها هو الأقوى في كل العالم وشؤونه وشجونه، والتي قبل وفوق ذلك تمتلك النفوذ الأكثر فعلا وتأثيرا في منطقتنا العربية وكافة أمورها الأساسية والاستراتيجية .

أما ما تنتظره الأطراف من زيارة أوباما فكلها تبقى في دائرة الاحتمالات والتوقعات وربما الأماني. فلا شيء ذا مصداقية تكشف عن أهداف الزيارة والنتائج التي يمكن ان تصدر عنها ولم يتم طرح أية مشاريع وأوراق محددة حتى ولو بصيغتها الأولية ومن اجل النقاش حولها. والرائج حول الزيارة ان الرئيس في هذه الجولة سيكتفي بالاستماع الى الأطراف.

لكن لا بد ان يكون للزيارة نتائج، بغض النظر عن طبيعتها وعن أهميتها وعن مدى تقاربها او ابتعادها عن طموحات هذا الطرف أو ذاك. فرئيس الولايات المتحدة لا يقوم بجولته من اجل التقاط الصور مع زعماء المنطقة ولا هو يقوم بحملة علاقات عامة، وهو قد ارسل وزير خارجيته في جولة واسعة على المنطقة قبل وصوله اليها بأيام قليلة ليمهد للزيارة العتيدة.

وحتى لو اقتصرت زيارة الرئيس على الاستماع كما هو رائج فان ذلك لا ينفي إمكانية ان تحقق نتائج حتى ولو أتت متأخرة يتم بلورتها وإنضاجها بعد عودته.

لكن المغالاة في الرهان على زيارة الرئيس الأميركي وما يمكن ان يتمخض عنها من نتائج، يغفل او يبهت كثيرا من رؤية ان الرئيس الأميركي جزء من نظام سياسي ملزم بالتقيد بقواعده وان هناك مؤسسات دستورية لا بد له من الرجوع إليها، وأن هناك إضافة الى ذلك قوى ضغط داخلية لها من القوة ما يمكنها من عرقلة خطط الرئيس وان تفشلها أيضا.

إن المغالاة الموصوفة تعكس في احد جوانبها الهامة حالة الضعف والتردي والتبعية التي تعيشها معظم أنظمة المنطقة، والتي تصل بها الى درجة الاتكال شبه الكلي على الولايات المتحدة ورئيسها.

وتتعامى عن الحقيقة المؤكدة أن الرئيس الأميركي لو كان في قدرته ان يفرض اتفاقات وحلولا فانه لن يفعل الا ما يتناسب مع سياسات بلاده ويخدم مصالحها الحيوية حتى لو تناقضت تماما مع مصالح وآمال أولئك المغالين .

ان الزيارة تأتي في وقت يتصاعد فيه نضال الشعب الفلسطيني بشكل طبيعي وتلقائي وبدون تخطيط له ان يستبق او يتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي. بل ان هذا التصعيد جاء نتيجة حتمية ومباشرة لتعاظم قمع الكيان الصهيوني المحتل وزيادة قهره واضطهاده وتوسع استيطانه وتواصل تجاهله لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة وصولاً إلى تعامله مع الأسرى القابعين في معتقلاته بمنتهى الوحشية والقمع وبما يتناقض تماما مع كل المواثيق والأعراف الدولية.

كما أنها تأتي، بعد أن اثبت الشعب الفلسطيني وقيادته بالملموس انه عصي على التهديد والضغط وانه قادر على المضي فيما يعتقد انه لمصلحة قضيته الوطنية الى النهاية حتى لو كان ذلك ضد الإرادة الأميركية وبالتصادم معها، كما حصل في الأمم المتحدة.

اذن، نحن لسنا في وضع نحتاج فيه مع الرئيس أوباما إلى جديد غير معروف في الشرح والمطالب فواقع الحال يغني عن السؤال، ولسنا في وارد التنازل عن مطالبنا المعروفة، ولا نحن قابلون للضغط ولا للمساومة.

كل ما علينا ان نتمسك بمواقفنا، ربما نطورها اكثر، وان نصد أي ضغط أو تهديد، وان ننتبه جيدا لأي مناورة، وألا تغرينا اي رشوة.

موقنين ان الحق لنا، ومراهنين على أن الأوضاع العالمية تتطور لصالحنا.

ومستفيدين من أن عدونا ليس في احسن حالاته وان علاقته بالزائر الكبير فيها الكثير من الضغائن والاختلافات حتى لو توارت خلف الابتسامات والكلمات المراوغة.

 

 

 

المصدر: 
الأيام