إضراب المعلمين: حتى لا يكون دفع لحراك سياسي عبثي؟

سعداء جميعا بالعودة إلى المدارس غدا ولكن!
تحت الرماد نار فمن يطفؤها!؟
لم نكن سعداء باستجواب النيابة العامة صباح الأربعاء السابق أعضاء الأمانة العامة لاتحاد المعلمين، كما لم نكن سعداء باستعجال عدم الالتزام بحكم المحكمة الموقرة رغم اختلافنا وغضبا ولومنا لها، وتضايقنا من تصريحات السادة الوزراء الذين أدلوا برأيهم، كما أن لهجة التهديد في بيان الحكومة كان انفعاليا، والواجب أن تتحلى بالعقلانية في إدارة الأزمة، خصوصا أن طرف الخلاف هم المعلمون أصحاب الرسالة التي ما زال يتغنى بها وبهم.
هل يجري تحت السطح دفع لحراك سياسي ما؟
وهل يندرج إضراب المعلمين، وإضراب لنقابة الوظيفة العمومية ربما سيأتي، ونقابات أخرى بمن فيها نقابة معلمي وكالة الغوث ضمن هذا الحراك المفترض والمتوقع؟ أم أن المسألة مسألة مالية فقط؟ وإذا كان هناك من حراك، فمن المحرّك؟ وما الهدف.
 
تزداد مشروعية التساؤل من منطلق أن علاوة المهنة الخاصة بإداريي وزارة التربية ومديرياتها لا تشكل المبلغ الذي سيكون القشة التي ستقطع ظهر بعير الحكومة! فهم في الضفة والقطاع لا يتجاوزون ال4800 موظف، علما أن جزءا مهما منهم ينطبق عليه شرط الزيادة كونه معلما سابقا أو معلمة.
 
لقد كانت مسؤولية اتحاد المعلمين كبيرة، حين جعل من أسباب تعليق الإضراب" تفويتا للفرصة التي يريدها البعض لركوب موجة مطالب المعلمين لتحقيق مآرب أو مكتسبات شخصية أو حزبية"؛ فهل ستحذو الحكومة حذوه بالتعامل الإيجابي، فلا نراها تحتاج برئيسها دولة الرئيس البريفسور رامي الحمد الله إلى إثبات علمي بأن العملية التربوية كل متكامل، ولا يمكن الفصل بين الزملاء والزميلات في المدارس وبين نظرائهم في مديريات التربية وفي مركز الوزارة؟!
 
ولعلي هنا أكرر مقولة الزميل حسن عبد الكريم في مقاله المعنون "لماذا لا تستجيب الحكومة الفلسطينية لمطالب معلميها؟": "فإذا كانت الحجة المالية هي الذريعة دوماً، فلماذا إذن أغدقنا على غير المعلمين وتم إنصافهم مع أن المعلمين أحق الناس بذلك؟"
 
إن من أهم دلائل الإضراب هو الشلل الاقتصادي، فما أن تدخل البلدات والمدن بل والقرى، حتى ترى الحياة الاجتماعية هادئة شبه متوقفة، ظهر ذلك في حركة الناس والمركبات.
بعض الحكمة والمحبة..فقط بعضها يكفي..
 
نعود لحالة الحراك السياسي؛ فنحن نعيش معا، ونعرف نوايانا، فلن يرضى مثلا جيش المعلمين البالغ تعداده 50 ألف معلم، وهم من علموا الملتحقين بالشرطة وأجهزة الأمن، بأن تتم إهانتهم وقمعهم وتهديدهم بالاستبدال، وخصم أيام الإضراب..؟ ولا أظن أن المجتمع رغم اهتمامه بتعليم الطلبة يتقبل فكرة التهديد والوعيد، نقول ذلك، ونحن جميعا ندرك جيدا أن مسببات الحراك السياسي السابق لم تزل، ولم تختف باستقالة رئيس الوزراء السابق د. سلام فيّاض.
 
حالة المفاوضات، وحالة اختلاط الأوراق السياسية، وظهور تحالفات جديدة في المنطقة، تعني أننا نعيش حالة سياسية ساخنة، فهل هناك تسخين للمجتمع الفلسطيني داخليا، انسجاما مع استحقاقات جديدة قادمة، في ظل متغير استعداد إسرائيل لمنح السلطة الوطنية السيطرة على 20 ألف دونم في مناطق C بهدف استثمارها في جوانب اقتصادية...والذي يظهر كتغير إيجابي، لكن لربما يحمل بعدا آخر، يعني –رغم ما وصف بإنه جاء استجابة أمريكية- بتقرير إسرائيل الأمور في الضفة الغربية من جانب واحد..!
بمعنى أن حكومة السيد الرئيس هي من ستقرر موعد الحراك السياسي، والذي يمكن أن يقود لفوضى سياسية داخلية، في ظل وجود فئات ترجو أصلا أن يتفاقم الوضع الإداري المالي؟
فمن سيكون المسؤول إذن؟
الجواب: الحكومة!
فهل المبلغ المالي المطلوب لإداريي التربية والتعليم يستحق هذا العناء؟ هل يستحق إدخالنا في نفق نحن في غنى عنه في ظل جمود العملية السياسية؟ ومن المسؤول وصاحب المصلحة بأن نصبح في ظرف غير قادرين على حكم أنفسنا، تأكيدا على نظرية عدم جاهزيتنا لدولة مستقلة؟ من؟
نكرر: لماذا تترك دوما هذه الإشكاليات كنار تحت الرماد ما إن تخبو حتى يأتي من ينفخ فيها؟ ولماذا لا تحل الحكومة المشكلة من جذورها؟
سؤال رقم واحد: هل كانت تعلم محكمة العدل العليا بردود فعل اتحاد المعلمين إزاء حكمها؟
سؤال رقم  اثنان: ما هي مرجعية اتحاد المعلمين؟
سؤال رقم ثلاثة: هل تتشاور الحكومة مع الرئيس في حل الأزمات؟
 
رغم مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، إلا أنني أتوقع كمواطن أن يكون لسيادة الرئيس حضور، خصوصا أن لإضراب المعلمين أبعاد تتجاوز بند المطالب المالية. كما أتوقع أن تكون منظمة التحرير وحركة فتح حاضرتين في قرارات اتحاد المعلمين، كذلك الحال كنت أرغب بأن يكون الرئيس قد اطلع على ردود فعل الحكومة تجاه قرار الاتحاد بالإضراب، وعدم الاستجابة لقرار المحكمة الموقرة.
الإجابة، هناك من يسعى لتوظيف حالة التشظي في الإدارة والحكم، ونرجو ألا يسمح صناع القرار أن يتم ذلك عبر القرارات الحكومية والنقابية وردود الأفعال تجاهها.
سيادة الرئيس، هو رئيس السلطات جميعا، وهو الذي نثق بحكمته وعقلانيته وبمحبته لشعبه للمعلمين وغيرهم، فهو الناظم الذي تنتظم المنظومة به، وإن مشاورته والاستماع إليه أمر في غاية الأهمية، خصوصا أن يحترم السلطات الثلاث، ويحترم اتحاد المعلمين، ولن يقبل أن يكون المطلب المالي لإداريي التربية والتعليم هو ما يقود إلى أزمة مجتمع وسلطة ووضع سياسي نحن لسنا متحكمين فيه تماما..
نرجو من الحكومة ألا تشغل الرئيس القائد المثقل بهموم أصعب قضية سياسية في ظل ظروف دولية نعلمها، وأن تبادر إلى الحل، بأن تعدّ ما يلزم لسيادة الرئيس "إلى إصدار مراسيم رئاسية تتعلق بنقاط الاتفاق ووضع كل التفصيلات الواردة في مطالبنا في البيانات السابقة"..
بعد طول انحباس للمطر، نزل ولكن بكميات قليلة...
وهكذا سيكون طوال الأسبوع..لكننا نعيش على الأمل..
أمل بوجود ماء نظيف نشربه..وأمل بموسم زراعي جيد..وباقتصاد معافى..
أمل بوحدة وانسجام وسلام داخلي..
أمل بوجود اقتسام عادل للموارد، يبعدنا عن الفتنة وعن أي حراك لا يكون في مصلحتنا..
بعض الحكمة والمحبة والعقلانية كفيل بأن يضعنا على بداية السلم للصعود..
 
في ظل وجود حقيقي لاحترام المعلم والقاضي والحاكم، سنجد الكرامة للجميع مبدأ مطبق باحترام بين الجميع وللجميع..هذا ما نطمح إليه بعيدا عن التهديد والوعيد..
لذلك نقدر ما ورد في بيان الاتحاد "احتراما منا لقرار القضاء الذي نجله ونعتز به ووفاء لقيادتنا السياسية وعلى رأسها فخامة الرئيس أبو مازن حفظه الله وتقديرا لكل الوساطات الخيرة الغيورة على أبناء شعبنا العظيم و الأخوة في مفوضية المنظمات الشعبية ومجالس أولياء أمور الطلاب" وعلينا الآن جميعا أن نبني على هذا الموقف، وألا نعود للوراء..
إن أسباب الإضراب معروفة، وليس صحيحا ما ذكره الأخ الفاضل الوزير وليد عساف في تصريحات عبر صفحته على الفيسبوك ب"ان أسباب إضراب الاتحاد برئاسة "أحمد سحويل" تعود لخوفهم من تشكيل نقابة موظفي التربية"؛ فحتى لو تم تشكيل مثل هذه النقابة فلن تنته المشكلة، لأن قضية الإداريين ببساطة صارت جوهر المشكلة والمطلب الرئيس الآن!
-       هل بقي وقت لحل المشكلة؟
-       نعم.
-       والحلّ؟
-       لا بد مما ليس منه بدّ..إما ال10% علاوة مهنة، أو ال 10% العلاوة السابقة للتربية والتعليم...
-       ........؟
-       إن صفت النوايا..
-       لعلها تصفو..
-       لعلها..!
-       فهل يجري تحت السطح دفع لحراك سياسي ما؟
-       الحكومة هي من تقرر ذلك والأمل معقود عليها أن تحافظ على الاستقرار في المجتمع..وإن مشهد الطلبة وهم يغدون للمدارس هو المشهد الأكثر حيوية وحياة لشعبنا..
-       ؟
-       وهذا المشهد يستحق إبداع مجلس الوزراء في تأمين هذه النسبة الصغيرة أسوة بالمهن الأخرى، رغم أن علاوة المهنة للمعلمين هي الأقل!
-       وإلا؟
-       وإلا لم الحكومة حكومة؟ أليس بمشروعية تحملها المسؤوليات..!
-       لعلها تقوم بذلك..الآن..
-       حتى نجد مساحة لتقييم الوضع التربوي..تقييم أنفسنا كمعلمين وإداريين ومسؤولين باتجاه أداء أفضل، خصوصا في ظل تحسّن الظروف المالية، حتى ولو كانت محدودة..

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.