اتفاق المصالحة: تجميل أم فرصة للتغيير؟

بقلم: ‘كوبي ميخائيل واودي ديكل
يشبه اتفاق المصالحة الفلسطينية الداخلية بين فتح وحماس في جوهره اتفاقات سابقة بين المنظمتين (مكة 2007، القاهرة 2011 واعلان الدوحة 2012) وهو يتضمن تشكيل حكومة اجماع وطني من التكنوقراطيين برئاسة الرئيس عباس واجراء انتخابات للبرلمان ولرئاسة السلطة الفلسطينية.
وتقرر في التفاهمات تأجيل البحث في المسألة الامنية العامة لمستقبل الذراع العسكري لحماس وقدراتها. وسيعالج الموضوع في اطار لجنة أمنية تتشكل فقط بعد تشكيل حكومة الوحدة. والمعنى هو استمرار الوضع القائم، اي ادارة’ منفصلة للضفة الغربية وغزة. ولا يشير الاتفاق الى مواعيد ملزمة لاستكمال المشاورات لتشكيل حكومة الوحدة وليس فيه موعد واضح لاجراء الانتخابات حتى بعد استكمال تشكيل الحكومة.
يلزم تحليل اتفاق المصالحة الفلسطيني بالنظر الى ما ليس فيه، بقدر لا يقل عن محاولة الفهم لما فيه. فرغم قلة بنود الاتفاق، الذي يتناول موضوعين فقط، ورغم الاهمية الشديدة للمواضيع الغائبة عن الاتفاق، والتي من شأنها أن تعرقل فرص تطبيقه، من المهم التطرق للمعاني النابعة عن مجرد تنفيذه في هذا الوقت.
‘وصل الطرفان الى الاتفاق كنتيجة ضعف داخلي، كل طرف بسبب التضعضع المستمر لقاعدة الشرعية والتأييد الجماهيري له. وبهذا الفهم، فان السياسة الداخلية للجهتين الفلسطينيتين هي التي أملت الخطوة. حماس تعيش في وضع من الدرك الاسفل بسبب المواجهة مع الحكم المصري الحالي، بعد عزل سيدها الاخوان المسلمين عن الحكم.
وإضافة الى ذلك، فان فقدان التأييد الجماهري لحماس ينبع من الازمة الاقتصادية المستمرة في قطاع غزة بسبب اغلاق الانفاق والحصار الشديد المفروض على القطاع من جانب مصر. عباس هو الاخر يفهم بانه فقد تأييد الجمهور الفلسطيني في ضوء انعدام الجدوى من طريقه السياسي. ومشكلة الشرعية لدى عباس هي أولاً وقبل كل شيء في اوساط جمهوره الداخلي، وبالاساس شباب فتح الذين ملوه وملوا القيادة حوله. والى جانب ذلك يحرك عباس الاحساس بانه قد يخلف إرث الانقسام في المعسكر الفلسطيني.
اذا كان دافع الاتفاق بالفعل داخلي ويرمي الى توسيع أساس الشرعية لعباس، فمطلوب الاستيضاح عن أي شرعية بالضبط يجري الحديث وما هي الآثار على السياسة الخارجية.
فهل بالفعل يدور الحديث عن شرعية توسع مجال مناورته السياسية حيال اسرائيل؟ وهل بصفتها هذه تمنحه مرونة لحلول وسط هامة من ناحيته؟ ان المحاولة لتعليق جهود عباس وعرضه كجهود أو انعدام بديل لغرض توسيع أساس الشرعية من الداخل، معناه التأييد، حتى وان لم يكن بوعي، لتشجيع التحريض وتطوير فكرة الكفاح والمقاومة. فخطاب الكراهية في الجمهور الفلسطيني يؤدي الى تضييق وتقليص مجال المناورة السياسية لعباس، ويكون عبئا على رقبته، مهما كان برغماتيا.
‘يخيل أن مركزي القوة في الطرف الفلسطيني يفهمان امكانية انهيار الاتفاقات بسبب الفوارق الهائلة بينهما والتناقض الفكري العميق الذي بين الايديولوجيا الدينية، الاسلامية لحماس وبين الايديولوجيا الوطنية لفتح.
فالاتفاق لا يغير جوهر حماس كمنظمة ارهابية وليس فيه ما يجعل السلطة الفلسطينية، م.ت.ف أو عباس يمثلون المرجعية والسلطة للفلسطينيين في قطاع غزة ايضا. المرحلة الانتقالية الحالية حتى تنفيذ الاتفاق هي الفترة الاصعب من ناحية حماس، التي تمنح عباس شرعية متجددة. وبالمقابل، فان فتح وعباس يجران الارجل ويؤخران تشكيل الحكومة في ظل محاولة اجتذاب حماس قدر الامكان الى الوضع الانتقالي الحالي.
‘تشكل حكومة التكنوقراط جهازا يستهدف السماح للطرفين بالسكن ظاهرا في رزمة واحدة دون أن يضطر اي من الطرفين الى التنازل عن ايديولوجيته التأسيسية.
ومن شأن الالية المقترحة أن تتبين كاشكالية وخطيرة لمجرد امكانية ما فيها من التحول الى لبنان. حماس، مثل حزب الله في لبنان، يمكنها أن تكون جزءا من آلية سياسية وشريكا في الحكومة، في ظل الحفاظ على قدراتها العسكرية (وزعماء حماس في غزة شددوا على ذلك منذ الان!) وعلى حرية العمل العسكري بشكل يخدم مصالحها الاستراتيجية الهامة. من المهم التشديد على أن كل موافقة دولية على مثل هذه الصيغة، في ظل الاعتماد على الاماني بشأن احتمال اعتدال حماس في اليوم التالي، تنطوي على بذور الاضطراب لواقع لا يطاق بالنسبة لاسرائيل. فمحاولة تمييز الحالة الفلسطينية على الحالات الاخرى في المنطقة، هي نوع من الامنية والتجاهل لعمق الايديولوجيا الدينية التي في المذهب الفكري لحماس.
اذا ما وعندما يتقدم واقع اتفاق المصالحة، من شأن اسرائيل أن تجد نفسها أمام مشكلة مركبة حيال قطاع غزة. فكيف بالضبط ستعمل اسرائيل حيال عباس، الذي بقوة الاتفاق يصبح مسؤولا ايضا عن قطاع غزة، في حالة اطلاق صواريخ من القطاع؟ هل ستضطر الى تلطيف ردود فعلها في مواجهة ادعاءات الاسرة الدولية بان رد فعل حاد من شأنه أن يمس بالسلطة الفلسطينية ووحدتها الهشة؟ كيف ستتمكن اسرائيل من أن تدير مع عباس مفاوضات سياسية الى جانب مباحثات حول الارهاب ووجود بنى تحتية ارهابية في قطاع غزة بل ويحتمل في الضفة الغربية ايضا؟ فضلا عن ذلك، كيف يحل الفشل المنطقي القائم في اشراك منظمة ارهابية، تعارض اتفاقات اوسلو في حكومة كيان اقيم بقوة تلك الاتفاقات؟
‘يعتزم عباس على ما يبدو ان يعرض حكومة تكنوقراط تقبل شروط الرباعية الثلاثة نبذ الارهاب والعنف، الاعتراف بالاتفاقات السابقة والاعتراف باسرائيل، اضافة الى الموافقة على المفاوضات السياسية مع اسرائيل بشروط. وذلك دون تحدي حماس. بهذه الطريقة، يتوقع عباس اثراء صندوق أدواته كممثل لعموم الشعب الفلسطيني، الامر الذي يمنح وزنا ومفعولا آخر لتوجهه الى الساحة الدولية لتحقيق اعتراف واسع بدولة فلسطينية ووضع التحدي أمام اسرائيل.
‘رغم أن من المعقول الافتراض بان المصالحة لن تصمد، كون حماس لن تتخلى عن حكمها في القطاع ولن تحل قوتها العسكرية ورؤيا عباس ‘سلطة واحدة وسلاح واحد’ لن تتحقق، فان على اسرائيل أن تكون قاطعة في مطلبها بان على حماس أن تقبل شروط الرباعية. كل تلوي متذاكي او غض نظر ينطوي على بذور الاضطراب ويؤدي الى التآكل في تعريف الاسرة الدولية لحماس كمنظمة ارهابية. الامر الذي من شأنه أن يضع اسرائيل في واقع تتهم فيه بعرقلة خطوة المصالحة الفلسطينية، حتى في وضع تضطر فيه الى العمل في غزة في أعقاب ارهاب صاروخي.
‘
نهج آخر لتحريك المسيرة السياسية
‘في حالة قيام حكومة اجماع تكنوقراطية، فان احد الخيارات التي تقف امامها اسرائيل هي الانتقال من خطاب المقاومة الى المصالحة ومحاولة اعادة تحريك المسيرة السياسية، ولكن مع تغيير جوهري في صيغة المسيرة. والمقصود هو الانتقال من البحث في المسائل الدائمة، والتي لا يمكن للفجوات ان تجسر في المستقبل القريب، الى البناء التدريجي بواقع الدولتين، في ظل مساعدة الفلسطينيين على بناء كيان سياسي مسؤول مستقر وفاعل. في مثل هذه الحالة يمكن لاسرائيل أن تطالب بمسؤولية السلطة الفلسطينية وبالاساس عباس عن قطاع غزة وتقترح جعل القطاع المدماك الاول في مسيرة متدرجة لبناء الدولة الفلسطينية.
‘اذا ما عملت الحكومة بقيادة عباس بمنطق دولة، وأثبتت أنها قادرة وراغبة في بناء الاساس المناسب لكيان فاعل، فان على اسرائيل أن تطرح طلبا في أن تركز الحكومة في المرحلة الاولى على اعادة بناء قطاع غزة وتنميته وفي ظل ذلك سيطرة السلطة على المعابر الى القطاع. اذا ما أبدت الحكومة الفلسطينية الرغبة والقدرة، والى جانب ذلك عملت بتصميم على القضاء على شبكات الارهاب والشبكات العسكرية غير الدولية في قطاع غزة، فستقوم المرحلة الثانية بمساعدة الاسرة الدولية، اسرائيل والعالم العربي للمساعدة في سياقات البناء بما في ذلك ميناء بحري (مع الترتيبات الامنية الضرورية). وفي المرحلة الثالثة، بعد التقدم المثبت، توجه مساعي التنمية الى الضفة الغربية، في المناطق ج، لغرض بناء واقامة بنى تحتية اقتصادية بل واقامة مجالات مدينية جديدة، يعاد فيها تأهيل اللاجئين من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية حيث الظروف صعبة على نحو خاص.
‘الخلاصة، بقدر ما يبدو السيناريو خياليا، يجدر بحكومة اسرائيل ألا تعارض مبدأ المصالحة، بل ان تطرح مقابله نهج آخر لتحريك المسيرة السياسية في ظل الاشتراط بان تقبل حماس شروط الرباعية الثلاثة وان تكون حكومة السلطة صاحبة الاحتكار على القوة وعلى الارض الاقليمية الخاضعة لسيطرتها.
نظرة عليا