الحنين لجواز سفر أوروبي

جوزا سفر

أمير حتسروني

بدأت حياتي مع جواز سفر واحد اسرائيلي بلون أزرق. ومنذئذ اضيف الى ميزاني جوازا سفر اثنان آخران بلون أحمر قاتم، روماني وبولندي. ولا تزال اليد ممدودة. سلسلة التقارير في القناة 10 عن الفزع لجوازات السفر الاجنبية تكشف ما نعرفه جميعا: قيمة جواز السفر الاسرائيلي الازرق منخفضة جدا.

والدليل الطوابير الطويلة من الاسرائيليين الذين يقفون أمام بوابات القنصليات الاوروبية، يحملون في أيديهم وثائق مصفرة تعود الى 70 80 سنة تشيرالى صلة طفيفة باوروبا ما قبل الحرب العالمية على أمل نيل بطاقة دخول الى العالم الغربي، تتيح لهم الاحتفال في برلين، العمل في لندن، والتنزه في نيويورك.
بالمقابل، في القسم القنصلي من السفارات الاسرائيلية في اوروبا، يسود القفر. مئات الاف الاسرائيليين استغلوا في السنوات الاخيرة حقوق الاباء كي يصبحوا اوروبيين، ولكن الاف قليلة فقط من الاوروبيين استخدموا جذورهم اليهودية كي يحظوا بجواز سفر اسرائيلي.
والسبب في هذا الفارق بسيط اوروبا أكثر جذبا. فهي أغنى (الناتج القومي الخام للفرد في دول مثل ألمانيا او هولندا أعلى منه في اسرائيل بـ 30 في المئة على الاقل)، أكثر راحة (فكروا بقطار في اسرائيل مقابل قطار سويسري). تضمن تقاعدا أكثر يقينا وشروطا اجتماعية محسنة بضمان الحكومة، وبالاساس آمنة أكثر.
في كل مرة تسكن فيها الجبهة في غزة أو في لبنان أتلقى اتصالات هاتفية من اصدقاء يطلبون فحص امكانية الانتقال الى السكن عندي في البيت الى أن يمر الغضب إذ أني اسكن بعيدا نسبيا عن الحدود وعندي ملجأ خاصا.
في كل مرة أعطيهم ذات الجواب: البيت مغلق، لان صاحبه سافر الى الخارج. أمني الشخصي يقف فوق المصلحة الوطنية، ودوري في القوة المقاتلة أنهيته عندما تسرحت من الخدمة الالزامية في الجيش الاسرائيلي ليس كي أعود مرة اخرى الى البزة العسكرية الحقيقية أو الافتراضية.
يشير التاريخ الاسرائيلي الى دورات من خمس سنوات هدوء بالمتوسط بين الاشتعال والاشتعال حيث أن الاشتعالات تتحول مؤخرا من حروب سريعة بقوى عالية الى عمليات عضال متواصلة تتداخل بنار صاروخية ومقذوفات. يمكن التعايش مع هذا مثلما يتعايش المرء مع مرض عضال؛ السؤال اذا كان ممكنا العيش على نحو افضل في مكان آخر. من يسكن في اسرائيل لاعتبارات ايديولوجية سيواصل على ما يبدو السكن هنا بكل ثمن. ومن جهة اخرى، فان الكثيرين الذين مثلي يوجدون هنا أساسا لان هذا هو الخيار الاكثر راحة صحيح حتى هذه اللحظة لن يبقوا اذا ما وعندما تفتح خيارات اخرى افضل بكثير. استطلاع اجري مؤخرا أظهر أن اكثر من 80 في المئة من الاسرائيليين لا يرون في اقتناء جواز سفر اجنبي عملا مناهضا للصهيونية. يمكن الجدال اذا كان مثل هذا الرأي بحد ذاته لا يزال صهيونيا، ولكن هذا لا داعي له إذ ان الصهيونية أصبحت حكاية عديمة المعنى، حين تحاول أن تحتوي في داخلها ميرتس والبيت اليهودي في آن واحد بل وربما حتى ميخائيل بن آري.
أما الحرب القادمة، التي ستقع بهذا الشكل أو ذاك في المستقبل غير البعيد، إذ أن الفجوة التي بين العناد الاسرائيلي للحفاظ على المستوطنات والاحتفاظ بالمناطق وبين التطلع الفلسطيني لتحقيق حق العودة غير قابلة للجسر، فدعها تجري بدوني. مفهوم من تلقاء ذاته أني لست مستعدا لان اضحي بحياتي من أجل قبر راحيل. ولكني حتى لست مستعدا لان اصاب بجراح طفيفة بصاروخ في تل أبيب. مسموح لي أن اعيش بسكينة، حتى لو لم تكن هذه السكينة تنسجم وتجسد الرؤيا الصهيونية.
بشكل عام، حان الوقت لان نفهم باننا نعيش في عالم عالمي، لم تعد فيه قيمة للرمز. ولاء المواطن للدولة ليس أقوى من علاقة لاعب كرة القدم المهني بفريقه. كلاهما سيغادران ما أن يحصلا عن عرض افضل من الفريق المنافس. وعليه، فينبغي ان نفكر كيف نجعل الحياة في اسرائيل أسهل وألطف وليس أكثر صهيونية وقيما.

معاريف