إعادة الوصل مع تجربة الانتفاضة الأولى

بقلم: 

مخطئ من يعتقد أن تجربة الانتفاضة الأولى الكبرى في فلسطين هي للاستخدام لتحقيق مجد ذاتي ....
الخطأ والخطيئة الأكبر أن رواد الانتفاضة الأولى لم يتمكنوا من المراكمة على تجربتها وجعلها مرجعية أساسية في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية في دولة فلسطين، ولم يتمكنوا أن يكونوا عنصر تأثير وضغط على صناعة القرار التفاوضي والسياسي ونمط الاقتصاد الذي نريد.
الخطأ والخطيئة الأكبر أن رواد الانتفاضة الأولى لم يتمكنوا أن يكونوا صمام الأمان لطموح الجماهير الشعبية العريضة التي تفاعلت مع تلك الانتفاضة والمحقق لطموحاتهم في الحرية والاستقلال والنهضة الاقتصادية وتطوير نموذج التكافل الاجتماعي بشكل ممؤسس.
لم يتمكن رواد الإعلام الجماهيري في الانتفاضة الأولى أن ينقلوا ذات التجربة وانعكاساتها على الإعلام اليوم حيث كان إعلاماً تعبوياً ملامساً لاحتياجات وأولويات الجماهير رغم غياب الشبكة العنكبوتية وغياب التلفزيون والإذاعة الفلسطينية وغياب الفضائيات، بل بات بعضهم عنواناً لاعلام العلاقات العامة وإعلام التطبيل والتزمير وإعلام التبرير لكل خطوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
لم تكتمل تجربة الانتفاضة الأولى من خلال نقلها إلى حياتنا اليومية اليوم من خلال الاعتماد على الاقتصاد المنزلي وترشيد الاستهلاك والزراعة ودعم المنتجات الفلسطينية وحقوق العمال الفلسطينيين والحد الأدنى للأجور وانخراط القطاع الخاص في معمعان العمل الجماهيري والتكافل الاجتماعي.
لم تكتمل تجربة بلورة الدور المميز للمرآة الفلسطينية التي كانت رائدة من رواد الانتفاضة الأولى وكانت شريكة المسيرة النضالية والاقتصاد المنزلي والإعلام الجماهيري، بعد أن أُطرت المرآة في أُطر نسوية شكلتها فصائل العمل الوطني الفلسطيني وانخرطت عبرها في مسيرة النضال الوطني ولم تكن مادة للاستخدام والتميز والذبح والقتل.
اليوم تقف هيئات الحكم المحلي للتفكير بتمعن حول آليات تأسيس لجان الأحياء لتشكل رديفا لعمل البلديات ودعما لها ونقطة وصل معها، بينما انطلقت لجان الأحياء في الانتفاضة الأولى بمبادرة من الأحياء ذاتها لتنظيم حياتها وشؤونها والتعاطي مع قضاياها المركزية، وكان الأب والأم والعجوز والشاب والفتيان منخرطين بتلك اللجان، واليوم لم يبادر احد لرفد البلدية بهذه التجربة دون شروط مسبقة.
من الواضح أن الأُطر الجماهيرية التي باتت قائمة بشروط مختلفة لم تعد تحاكي تجربة الانتفاضة الأولى ولم تعد قيادتها على وصل مع تجربة الانتفاضة الأولى، بل باتت تحاكي تجربة مؤسسات دولة فلسطين التي تتطلب الترخيص من وزارة الداخلية وتتابعها وزارة الاختصاص، وبالتالي بات مطلوبا منها الإفراط في المأسسة على حساب الجماهيرية والقبول الشعبي، وهنا نُفيت تجربة الانتفاضة الأولى حيث كانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين مثلا دون شبكة عنكبوتية ودون فضائيات ودون إعلام رسمي فلسطيني منارةً وعلامة فارقة من قلب القدس ومن قلب إعلام صوت من لا صوت لهم حقيقة، وكان الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عنواناً ومركزاً للتجاذب الفصائلي وذا بعد جماهيري واسع رغم أن وزارة العمل مثلا لم تعكس هذه التجربة بقدر عكسها لتجربة الاتحاد العام لعمال فلسطين العائد مع القيادة الفلسطينية إلى ارض الوطن.
اليوم في ضوء قطع حبل الوصل مع تجربة الانتفاضة الأولى ....
اليوم مع قطع حبل الوصل مع تجربة العمل التطوعي الجماهيري منذ نهاية السبعينات حتى أوائل التسعينات والتحول نحو نموذج التفرغ والمكافآت والمخصصات والنثريات ....
اليوم مع قطع حبل الوصل مع نموذج القائد الجماهيري الذي صعد من رحم المعاناة بسجل حافل بالتضحيات والعطاء الذي لا ينقطع والمبادأة ....
اليوم مع قطع حبل الوصل مع المؤسسات الجماهيرية والمعبرة عن طموحات القطاعات التي تمثلها وتعيشها بعيدا وتحولها اليوم إلى أندية مغلقة لفئة دون غيرها ....
نقف ...
وكأننا نعيد اختراع العجلة ... وكأننا نبدأ من نقطة الصفر وما دون ... نبدأ وكأننا لا نحسن صنعا في العمل التطوعي والعمل الجماهيري والعمل الابداعي ...
نقف ....
لنظن أن تمويلا من هنا وهناك يجب أن يغير أولوياتنا لنحاكي أولويات المانح وليس أولويات القطاع الذي نمثله، فيما استطاع أمير القدس فيصل الحسيني مثلا أن يطلق مجلس الإسكان الفلسطيني من القدس ليشمل الوطن كافة ويحقق قصة نجاح لأنه حاكى احتياجات وأولويات الشعب الفلسطيني وليس أولويات المانحين.
خاتمة القول كيف نستطيع أن نحاكي تجربة الوصل مع تجربة الانتفاضة الأولى ليس بهدف تشكيل ناد مغلق على عدد يعتقد أن هذه التجربة حكر عليه دون غيره، بل لنعزز تجربة اليوم باتجاه الحرية والاستقلال.

aya2abd@yahoo.com
www.pcp.ps

 

المصدر: 
الأيام