المصالحة كخيار إستراتيجي!!!

خطت عملية المصالحة الداخلية، خطوة الى الأمام، عندما تم التوافق على أسماء لجنة الانتخابات المركزية، وبقي أمامها خطى كثيرة، ومشوار طويل للوصول الى تخوم المصالحة العملية، وإنهاء الانشقاق الجيو-سياسي، الذي أضر بالقضية الفلسطينية، ومساراتها الكفاحية.

لا شك، بأن هنالك عملية مصالحة، اتفق عليها الجميع، وللجميع مصلحة حقيقية بها. لكن عملية المصالحة شيء والمصالحة شيء آخر.. قد تطول عملية المصالحة، وتتخذ أشكالاً شتى، دون ان تصل الى درجة المصالحة.

هنالك من التجارب ما يكفي لتأكيد ذلك، خاصة في إطار الحوار بين حركتي حماس وفتح.

لعله من نافلة القول، إن ما سيحسم عملية المصالحة، وينقلها الى اطار المصالحة الميدانية، هو شيء أساس ومركزي، إلا وهو الانتخابات التشريعية والرئاسية، وقبول الأطراف جميعاً بنتائجها.

هنالك اتفاق فلسطيني على الانتخابات وموعدها، إلاّ أن هنالك عوامل شتى، تتداخل فيما بينها، لجعل هذا الاتفاق ممكناً أو غير ممكن.

هنالك معطيات شبه يومية، تطفو على سطح الاحداث، وهي شديدة التأثير على مسار المصالحة، وعلى مسار الانتخابات.

لعل أبرز تلك المعطيات واشدها تأثيراً، هو موقف الحكومة الاسرائيلية. هذا الموقف إذا قرأناه بأناة ودقة، يشير، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنه يرفض الانتخابات، بل لديه الرغبة في تعطيلها لأمرين أساسيين.

الأمر الأول، يتعلق بالقدس، ورؤية الحكومة الاسرائيلية لوضعها القانوني والسياسي من وجهة نظرها. وبناء على ذلك تحول دون إجراء أية انتخابات فلسطينية في القدس عموماً. أما الأمر الثاني، يتعلق بارتياحها الكبير، من الانشقاق الجيو-سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فهي تستخدم هذا الانشقاق، ضد التوجه الفلسطيني الرامي الى بناء دولة مستقلة، وهي تدرك بأن ما هو قائم، يضعف الكيان السياسي الفلسطيني برمته وبالتالي فهي ترى في الانتخابات مخرجا للفلسطينيين بتجاوز حالة الانشقاق تلك. في هذا السياق، تميل أوساط أمنية وعسكرية اسرائيلية، الى تصعيد الموقف ضد قطاع غزة، كلما اقتربت الاطراف الفلسطينية من التقارب وفيما إذا حاولنا رؤية الأوضاع الداخلية الفلسطينية على حقيقة أمرها، لتمكنا من القول، إن شرائح، ليست قليلة الشأن، في الضفة كما في غزة، نشأت لديها مصالح حقيقية بالإبقاء على حالة الانشقاق القائمة.

نشأ في غزة، اقتصاد خاص، يمكن تسميته باقتصاد الأنفاق، ترعاه 'حماس' وأجهزتها الأمنية، وهو يدر ذهباً وفضة عليها، وإنهاء حالة الانشقاق، من شأنه إنهاء اقتصاد الاتفاق. بالمقابل، ارتاحت شرائح منوعة لما هو قائم الآن، في الضفة الغربية، وأقامت نشاطاتها الاقتصادية على هذا الاساس، بل باتت تنظر لقطاع غزة، كعبء ثقيل على المسار الفلسطيني-من وجهة نظرها.

فالمسألة، ليست سهلة إطلاقاً، وتجاوز حالة الانشقاق الداخلية، لا يحتاج الى نوايا صافية وصادقة فحسب بل بات مرهوناً بمتغيرات إقليمية قائمة، خاصة فيما يحدث في جمهورية مصر العربية، أو في اسرائيل وعلاقاتها مع الولايات المتحدة تحديداً.

في ظل الحالة العربية القائمة، من الطبيعي أن تنتظر الأطراف كافة ما سترسو الأمور عليه.

المستقبل مليء بمفاجآت شتى، وهذا ما يشمل الوضع الفلسطيني ومسار الانتخابات القادمة!!