هكذا يمكن تحقيق إنجازات..
تقدم قضية الشيخ الأسير خضر عدنان، بمختلف أبعادها، نموذجاً يستحق التوقف واستخراج الدروس الأساسية، التي تؤشر بهذا القدر أو ذاك إلى مدى هشاشة الذرائع التي يسوقها الاحتلال والسياسات التي يمارسها بحق الفلسطينيين، وأيضاً إلى أهمية الارتقاء فلسطينياً بكيفية التعاطي مع ملف الأسرى بما يتجاوز سيل الخطابات والتصريحات، والتضامن المعنوي والأخلاقي، وإطلاق الوعود. وحيداً بدأ الشيخ معركته قبل أن تحظى بتضامن فعلي وحقيقي من قبل زملائه الأسرى، لإرغام الاحتلال على الرضوخ، لرفضه استمرار الاعتقال الإداري، والإصرار على الإفراج عنه، لسبب عجز إدارة السجون عن تقديم أسباب كافية تبرر استمرار اعتقاله، وتمديد فترات احتجازه حتى اضطرت سلطات الاحتلال للإذعان، واتخاذ قرار بالإفراج عنه.
قضية خضر عدنان، حظيت باهتمام فلسطيني واسع ودؤوب من داخل السجون، ومن خارجها، ولعب الإعلام دوراً أساسياً في عرض هذا الملف، ولإظهار عدالة المطالب التي أصرّ عليها الشيخ خضر أمام الرأي العام العربي والعالمي. لم يستخدم الشيخ خضر سوى ما يتوفر لديه من أسلحة لمقاومة الجلاد الظالم، فلقد وظف أمعاءه الخاوية، وإرادته الصلبة وإيمانه بعدالة قضيته، وبقدرته على تحقيق الانتصار على جلاديه.
بعد الشيخ خضر عدنان، خاضت الأسيرة المحررة هناء شلبي، معركتها مستخدمة الأسلحة ذاتها، ونجحت كما نجح الشيخ خضر في أن ترغم الجلاد على الإفراج عنها ولو بشروط مجحفة، فهي قد انتصرت رغم إبعادها عن أهلها وذويها، إلى قطاع غزة، حيث ستكون مرة أخرى قادرة على إلحاق هزيمة أخرى بجلاديها طالما ستكون قادرة على التواصل مع عائلتها، وطالما تحظى بكل الحب والاحتضان والرعاية والحماية والدعم.
السجون الإسرائيلية تضج بأمثال خضر وشلبي، ممن يجري اعتقالهم وتعذيبهم وإخضاعهم لظروف اعتقالية صعبة ووحشية، ويتعرضون لانتهاكات قانونية بدون أسباب موجبة، الأمر الذي يشق أمام الأسرى طريقاً أصبح مجرباً، سيفرض على الاحتلال إعادة النظر بإجراءاته وسلوكه غير القانوني.
القضية أصبحت قضية رأي عام فلسطيني ودولي، بما يشكل حافزاً للعديد من المناضلين داخل السجون الإسرائيلية، غير أن قضية السجن والسجان، لم تعد قضية فردية. وهي لم تكن كذلك على مدار العقود السابقة، ما يجعل الفلسطينيين أمام ملف يستحق التناول بطريقة مختلفة. الاحتلال ليس عنواناً واحداً، فهو لا يتوقف على احتلال الأرض، ومصادرة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولذلك فإنه يتجسد في مجموعة كبيرة من الملفات، والتفاصيل، والممارسات التي كلها تنتهك أبسط القوانين والمواثيق الدولية. لا يجوز أن يستمر الفلسطينيون في خوض معاركهم بالجملة، طالما أن الاحتلال يحرز المزيد من النجاح لمشاريعه وأطماعه التوسعية، فبالإضافة إلى المعارك العامة السياسية والكفاحية، من الضروري الانتقال إلى الملفات الأساسية التي يعبّر الاحتلال عن نفسه من خلالها.
الآن ينعقد في جنيف المؤتمر الدولي حول موضوع الأسرى الفلسطينيين، وهو تطور بارز في مجال تناول الفلسطينيين لقضاياهم ونموذج متقدم في كيفية خوض الصراع على المستوى الدولي، لحشر وعزل الاحتلال، وفضح سياساته، ولإحراز المزيد من التضامن الدولي الواعي مع الشعب الفلسطيني. هنا ينبغي على الفلسطينيين أن يوحدوا خطابهم وأن يوحدوا فعلهم مع الرأي العام العالمي، ونحو متابعة هذا الملف، ومأسسته، بحيث تبقى قضية الأسرى الفلسطينيين وممارسات الاحتلال وجرائمه مطروحة أمام الرأي العام.
قبل ذلك، وقبل خمس سنوات تقريباً، تقدم الفلسطينيون الى محكمة لاهاي بشكوى حول جدار الفصل العنصري، وأحرزوا انتصاراً بعد أن صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على توصيات محكمة لاهاي. نعم لم تذعن إسرائيل لتوصية محكمة لاهاي، ومصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن الأمر ليس عبثياً، إذ لا يمكن تحقيق الانتصار دفعة واحدة على الاحتلال، وما يصدر من قرارات عن مؤسسات دولية، يراكم لدى الفلسطينيين المزيد من التفهم والدعم والتضامن الدولي الواعي مع قضيتهم.
وقبل بضعة أيام، كان الفلسطينيون قد حققوا إنجازاً آخر على مستوى المجلس العالمي لحقوق الإنسان، حين وافق المجلس بأغلبية ستة وثلاثين صوتاً من أصل ثمانية وأربعين، على قرار بتشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن تداعيات النشاطات الاستيطانية على الفلسطينيين.
لا يجوز التقليل من أهمية موافقة دولتين أوروبيتين هما النمسا وبلجيكا، على قرار مجلس حقوق الإنسان، وحتى إنه لا يجوز التقليل من أهمية امتناع عدد من الدول الأوروبية على التصويت، ففي ذلك إشارة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعودا قادرتين على تضليل الدول الأخرى، واستمالتها أو إرغامها على التواطؤ مع السياسات الإسرائيلية.
في اليونسكو، حقق الفلسطينيون انتصاراً واضحاً، وكان ذلك مؤشراً إيجابياً، يعكس توازنات القوى لصالح الفلسطينيين في مؤسسات الأمم المتحدة. القصد من التذكير بهذه المحطات هو التأكيد على أهمية توسيع مجالات الصراع مع الاحتلال إلى أوسع وأبعد مدى ممكن، والتركيز بالدرجة الأساسية على المجتمع الدولي، ونحو توسيع وتعميق حركة التضامن. الموضوع الفلسطيني طافح بالملفات التي تستحق المتابعة، ويمكن أن يحقق الفلسطينيون فيها المزيد من النجاحات على المستوى الدولي، والتي تدفع إسرائيل أكثر فأكثر نحو العزلة والإدانة. عودة إلى ملف الأسرى، فإن دورهم يتجاوز الأبعاد الذاتية إلى البعد الوطني، فهم كانوا قبل اعتقالهم، ويواصلون بعد ذلك دورهم القيادي الفاعل على المستوى الوطني، الذي نتوقع تصاعده، بسبب تعطل المصالحة الفلسطينية.