شارون وحدود القوّة

بقلم: 

أعتقد أن أهم الدروس التي يمكننا نحن العرب استخلاصها من رحلة حياة شارون المليئة بالعدوان وأطماع التوسع الصهيونية من ناحية وبالتحول السياسي نحو التسويات السياسية من ناحية ثانية هو أن الرخاوة العربية تنتج تطرفاً صهيونياً وأن الصلابة العربية تنتج اعتدالاً صهيونياً.

لقد نشأ شارون على عقيدة كراهية العرب وكانت أمه تغذيه في هذا الاتجاه وفي صباه استخدم قوته البدنية في التصدي للشبان العرب الذين كانوا يهاجمون المستعمرات الصهيونية قبل قيام إسرائيل، وبالتالي انضم إلى عصابات الهاجاناه العسكرية وشق طريقه في الجيش الإسرائيلي بعد عام 1948 بتأسيس وحدة إرهابية سميت الوحدة 101 قامت بأعمال إرهابية ضد المدنيين في الدول العربية. نشأة شارون تقول إنه كان تجسيداً لشخصية العبري الجديد التي حاولت الصهيونية إنتاجها على أرض فلسطين لتحل محل شخصية يهودي الجيتو الذليل في أوروبا. أرادوا تحويل هذه الصورة السلبية الجبانة إلى صورة شاب عدواني لديه القدرة على البطش بالعرب واقتحام أراضيهم والاستيلاء عليها. ظهر شارون ليحقق للصهيونية الصورة النموذجية المطلوبة، بل وتجاوزها عندما اشتهر بالقيام بعمليات عسكرية على مسؤوليته الخاصة دون الحصول على إذن من قياداته. ورغم عصيانه للأوامر فقد كان محلاً لتسامح قادته لأنه كان يجسد النموذج الصهيوني المطلوب.

إذن قبل 1948 دافع عن المستعمرات وبعد 1967 اندفع في تأييد استعمار الأرض التي سقطت تحت الاحتلال في سيناء والضفة وغزّة والجولان واشتهر باعتباره أحد آباء الاستيطان. كان كل هذا يتحقق في حياته تحت شعار أن العرب جبناء تجب مواجهتهم بالقوّة وأن ما لا يتحقق معهم بالقوة يتحقق بمزيد من القوّة. فما الذي جعل شارون يتحول بعد ذلك إلى طريق جديد أدرك فيه أن للقوّة حدوداً وأن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتحقق بالقوة وحدها؟ في وجهة نظري أن هذا التحول حدث له في حرب أكتوبر 1973. ذلك أنه يقر في مذكراته الشخصية وفي شهادته كضابط ميداني أمام لجنة اجرانات التي شكلت للتحقيق في أسباب الهزيمة الإسرائيلية أن إسرائيل ذاقت لأوّل مرّة طعم الهزيمة وأن جنودها كانوا منهارين في سيناء وأن الفزع كان يسيطر عليهم. عندما تقرأ تفاصيل تجربته في حرب 1973 تضع أصابعك على مفتاح التحول عنده نحو إدراك أن العرب ليسوا كتلة من الجبناء الذين اعتادوا الفرار في ميادين المواجهة.

لهذا كان شارون نفسه الذي قام بعملية الثغرة وعبور قناة السويس ليوازن عبور القوات المصرية إلى سيناء هو نفسه الذي تولى بقواته عملية مناقضة تماماً. فلقد كلفه بيجين زعيم «ليكود» المتطرف بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر بإجلاء المستوطنين من مستعمرة ياسيت في سيناء بعد أن رفضوا أوامر الحكومة. أعتقد أن تجربة السلام مع مصر علمته مع تجربة حرب أكتوبر 1973 أن الاستخدام المفرط للقوّة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية مدمرة.

لقد فقد شارون تأييد كثيرين من حزبه «ليكود» عندما أقدم على فك الارتباط بغزة وتفكيك المستعمرات اليهودية فيها وأهانه نتنياهو وآخرون لدرجة أن قطعوا الكهرباء عن الميكروفون وهو يتحدث في «ليكود». ذلك أنهم مازالو يعيشون في وهم أن القوّة تحقق المطلوب بشكل مطلق. لكن الرسالة التي يلح عليها بعض الكتاب الإسرائيليين تعني أن على نتنياهو أن يدرك الدرس إن أراد أن يسجل له الإسرائيليون مكانة خاصة.

والمهم أن يكون الدرس واضحاً لنا نحن العرب.

المصدر: 
الاتحاد