من القدس إلى جبل الشيخ ...الأرض بتتكلم عربي

قف .. لم نصل بعد إلى جبل الشيخ المحتل، حاجز إسرائيلي أمامنا يعيق طريق رحلتنا إلى هناك،لا يكتفي الجنود المتراخين في مكاتبهم المغلقة على الحاجز ببطاقات هويتنا الفلسطينية ليسمحوا لنا بالمرور نحو الشمال، حاجز قلنديا الذي يشكل واحدا من عدة حواجز مطعمة في الجدار الفاصل الذي يعزل ما تبقى من الضفة الفلسطينية عن مدينة القدس والأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، لا يسمح لأحد بالنفاذ إلى الجانب الأخر إلا إذا كان يحمل الهوية الزرقاء أو بطاقة أكثر"أسرلة" منها، لكن هذه المرة مع كل المشاركين في الرحلة الجامعية تصاريح من "الإدارة المدنية" كفيلة باجتياز الحاجز"خاوة"!

بعد مضي ساعتين من وقت الرحلة في أقفاص الحاجز وممراته والتفتيش والتدقيق والتمحيص والتعرض للإشعاعات "المسرطنة" ، أصبحنا على الجانب الأخر من الحاجز، نعم صرنا في القدس، وتيقنت أنه بإمكاني أن أقول أننا في طريقنا من القدس إلى طبريا وجبل الشيخ، الجبل الشامخ في شمال الجولان السوري المحتل والمنسي، والذي لا يؤنسه في احتلاله سوى من تبقى من أهله الصامدين، بدأنا مسيرنا في الأراضي المحتلة متجاوزين القدس باتجاه الشمال عبورا بالسهل الساحلي، ومع أن اللافتات الإرشادية والتعريفية على حواف الطرق لم تكن لترشدنا على مسيرنا لأنها تتكلم العبرية، إلا أن الأرض وما تبقى عليها التي كانت تسابق حافلتنا ظلت رغم ما عبثوا فيها تتكلم العربية وأكثر، ولم يكن سائق الحافلة العربي من القدس يقرأ لنا أسماء المستوطنات المستحدثة على هذه الافتات، بل كان يبوح ويتلو ما تنطق به الأرض بأسماء قرانا المدمرة ومدننا الشهيدة.

مع منتصف الظهيرة وصلنا بلدة مجدل شمس المحتلة، البلدة التي ما زالت تنطق بعروبتها،ومعظم اللافتات المطبوعة على متاجرها ممهورة باللغة العربية، مازالت مجدل شمس الدرزية تتكلم العربية، من بعيد شاهدنا الحدود مع سوريا، واكتشفت أن الجدار القريب من بيتنا في قلنديا أكثر قوة ومنعة من السياج الذي يفصل الجولان عن سورية، سياج بسيط يقال انه مخطوط بألغام قديمة تشكل الحدود مع النظام السوري الممانع والمقاوم والذي سوف يزيل اسرائيل عن الوجود!، قال لي شيخ درزي هناك : نحن هنا سنبقى سوريين إلى الأبد وإسرائيل لم ولن تنجح في حجبنا عن عروبتنا وليسقط نظام بشار الأسد..

على مدخل المحطة السفلية قاعدة لجيش الاحتلال، بلباس جنودها ولون مركباتها "الجيشي" تلوث بياض الجبل العنيد، اشترينا تذاكر وصعدنا في "التلفريك"، و مع برودة الجو وخلال العشرين دقيقة التي قطعناها حتى الوصول إلى المحطة العليا، تسللت إلى مخيلتي مناظر الدم السوري المسفوك قاطعة الحدود من الشطر الشرقي الخاضع لحكم الأسد، الأسد على شعبه، النعامة في وجه محتليه، يا ترى لو قدر لأرواح ألاف الشهداء السوريين الذين جادوا فيها على أرض الجولان المحتل أن تحيا وتعود، هل سيناصرون الأسد ويهتدون بمقولة مؤامرة خارجية !؟

هبطت حافلتنا عصرا نحو الهضبة الجميلة ومن ثم الى طبريا، جيش بالآلاف الأبقار "الجولانية" ترعى في معسكراتها على طول الطريق، وقطعان بالمئات من الجيش الاسرائيلي وبالأخص من كتيبة "جولاني" تتدرب بالذخيرة الحية في حظائرها على القتل، طبريا الفلسطينية حالها أسوا بكثير من حال مجدل شمس السورية، فنادق إسرائيلية متناثرة حول البحيرة ، وقوارب وسفن تحمل الأعلام الإسرائيلية، وطمس لكل ما هو عربي فيها .

خلال جولتنا في المدينة معظم المنازل لليهود، وقليل جدا للعرب، ومنازل العرب هدمت وبني على أطلالها مبان على النمط الغربي، الأدهى والأمر أنه على طول الشاطئ الجميل، "بسطات" "إسرائيلية" تبيع السياح قطعا تذكارية كلها تحمل هوية "الإسرائيلية" ولا يوجد ما يوحي بأن المدينة عربية فلسطينية، نعم استطاعت اسرائيل التضييق أكثر على أهلنا في الأراضي المحتلة في العقد الأخير، لا سيما بعد انشغال إخوتهم في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة بالانقسام، وفي طريق العودة مساءا وعند وصولي إلى حاجز قلنديا قررت أن أخالف فتوى الشيخ القرضاوي، وأدعو الرئيس عباس والأخ مشعل والرفيقة خالدة والمناضل شلح والدكتور مصطفى والقيادي ابو ليلى لزيارة قرانا ومدننا المحتلة عام 1948لعلهم يستيقظون ويتعظون ..