الاختبار لا يزال مفتوحاً

إذا كان من المبكر، وغير المنطقي اعتبار ما جرى يوم الثلاثين من آذار، وهو يصادف الذكرى السادسة والثلاثين ليوم الأرض، واليوم الذي اختارته الهيئة الدولية لنصرة القدس، ليكون يوم مسيرتها نحو القدس، إذا كان من المبكر اعتبار ما جرى، اختباراً حقيقياً، ونهائياً، لعلاقة الربيع العربي، والشتاء الإسلامي بالقضية الفلسطينية، فإن هذا الاختبار الأولي قد جاءت نتائجه دون التوقعات.

المشهد الفلسطيني في هذه الذكرى، كان من حيث الشكل موحداً وحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني إزاء تمسكه بأرضه وبحقه في العودة إليها، وإزاء تمسكه بالقدس عاصمة لدولته الموعودة، ولاستعداده لبذل التضحيات دفاعاً عنها.

المواجهات التي وقعت على معبر قلنديا، وفي القدس، وبيت لحم ومحيطها وداخل الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وسقط خلالها مئات الجرحى، تؤكد مثل هذه الحقيقة، وتؤكد أيضاً مدى أهمية وتأثير أسلوب المقاومة الشعبية، في تحدي سياسات وإجراءات الاحتلال.

الاشتباك المباشر مع الاحتلال، لم يكن ممكناً أو حتى مفيداً، فلقد حرصت حركة حماس، وقبلت بذلك الفصائل الأخرى، على منع الجماهير من الاقتراب الشديد، من الحدود الشمالية، ناحية معبر بيت حانون، ذلك أن الاحتلال، ينتظر كل الوقت ذرائع توفر له السبب لارتكاب عدوان عسكري واسع ضد القطاع تحضر له إسرائيل ليلاً نهاراً.

ومع أن هذا المشهد الموحد هو الذي طغى على سطح الأحداث وعبر وسائل الإعلام، تلك الوسائل التي عكست ارتياحها لوجود خطباء من حركتي فتح وحماس يتحدثون جنباً إلى جنب للجماهير، إلاّ أن هذا المشهد لا يكفي لإدخال السرور في صدور المسؤولين السياسيين، أو لدى الجمهور الفلسطيني. المشهد شابه بعض السلبيات التي ظهرت عبر وسائل الإعلام، حيث تبادل الطرفان، "فتح" و"حماس"، اتهامات بشأن الموقف من النشاط الشعبي في هذا اليوم، غير أن ما هو أهم من ذلك، يتصل بمحدودية المشاركة الشعبية، قياساً بمدى رمزية المناسبة، وأهميتها. حجم المشاركة الشعبية يعكس سلبية قطاعات واسعة من الجماهير الفلسطينية التي يسجل غيابها موقفاً سلبياً من الفصائل، ومن استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي لم يوفر مناسبة وطنية مهمة كهذه، إلاّ ويعبّر عن وجوده بطريقة أو بأخرى.

الاحتلال الذي تحضر لمجابهة مثل هذا التحرك الشعبي، واستخدم القوة المفرطة في مجابهة الجماهير، تحسباً لاندلاع انتفاضة شعبية، هذا الاحتلال، كان يتوقع، تصعيداً كبيراً في الوضع، ولذلك ومع منتصف النهار، كان وزير الداخلية يعبّر عن ارتياحه واطمئنانه للوضع الأمني، ولقدرة الأجهزة الإسرائيلية على ضبط الوضع.

في هذا الإطار، يمكن ملاحظة السلوك الإسرائيلي المتطرف على المستويين الشعبي والرسمي الفلسطيني، فعلى المستوى الرسمي اتهم نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، الرئيس محمود عباس، بممارسة الإرهاب العباسي، ما يدل على غضب الاحتلال من لجوء الفلسطينيين لأسلوب المقاومة الشعبية، وعلى المستوى الشعبي، استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، وإصابة أعداد كبيرة من الجرحى.

من المؤكد أن المجابهة كانت ستكون أوسع مشاركة وأقوى، وأشد تأثيراً على الاحتلال، لو أن العامل الذاتي الفلسطيني كان على نحو مختلف، أي لو أنه كان موحداً وقوياً على خلاف ما هو عليه من حال الانقسام والتشرذم والضعف. ظاهر النشاط الشعبي والرسمي الفلسطيني كان جيداً، لكن المناسبتين، يوم الأرض ويوم القدس، كانتا تستحقان ما هو أفضل من ذلك بكثير.

والآن سواء أكان الأمر يتعلق بمشاركة الجماهير الفلسطينية في الخارج، أي جموع اللاجئين في بلدان الشتات في دول الطوق، أو فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية العربية والإسلامية، فإن الأمر ينطوي على بعض الملاحظات المهمة والتي لا يمكن إغفالها ونحن نتحدث عن الربيع العربي والشتاء الإسلامي وعلاقة ذلك بالقضية الفلسطينية.

كانت إسرائيل تتحسب من إمكانية تكرار التجربة التي وقعت في ذكرى النكبة وفي ذكرى حرب حزيران 1967، في العام الماضي، حيث احتشدت جموع من اللاجئين الفلسطينيين بالقرب من الحدود في لبنان وفي سورية، ووقع اشتباك غير متكافئ، والأهم أن بعض الأفراد تمكنوا من اجتياز الحدود إلى داخل فلسطين 1948.

في هذه المرّة الجماهير الفلسطينية في دول الطوق، ومعها جموع المشاركين من العرب، والمسلمين، والمتضامنين الأجانب، أو المتضامنين العرب والمسلمين في دول أجنبيةن ومعهم الأحزاب السياسية العربية، والفصائل الفلسطينية، كلها خضعت لقواعد، فرضتها حسابات مختلفة.

المسيرة العالمية نحو القدس، اتخذت طابع المسير الأخلاقي، العاطفي، الإنساني والسياسي، ولم تتجاوز ذلك إلى المسير الحقيقي، وهي بذلك وكأنها تؤكد تطلع العرب والمسلمين نحو القدس، ولكن دون أن تعطي لهذا التطلع بعداً عملياً. هذا جيد، في إطار الوعد القادم، الذي يدفعنا للاعتقاد بأن هذه الجماهير التي تجاوزت النظام السياسي العربي عبر رسالة مختلفة، تحسب إسرائيل لآفاق تطورها ألف حساب، هذا الوعد يدفعنا للاعتقاد بأن الربيع العربي يفتح أمام القضية الفلسطينية وأمام الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي آفاقاً جديدة، لم تتعرف إلى مثلها إسرائيل من قبل.

من المؤكد أن إسرائيل استبقت يوم الأرض، وموعد المسيرة العالمية نحو القدس، باتصالات، مباشرة أو عبر وسطاء، مع دول الطوق تحذرها من مغبة السماح للجماهير من أن تمارس نشاطاتها بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.

في جنوب لبنان اكتفت القوى والفصائل والجماهير، بتنظيم مهرجان خطابي، في قلعة الشقيف، البعيدة نسبياً عن الحدود اللبنانية الفلسطينية، وفي الأردن لم تتمكن الجماهير والأحزاب السياسية والفصائل الفلسطينية من الاقتراب، ونظمت هي الأخرى مهرجانات خطابية، لم تطفئ حرارتها، حرارة الصدور العامرة بالحماس، وبالاستعداد للتضحية.

الأمر لم يختلف في مصر، حيث اكتفت الأحزاب السياسية صاحبة المليونيات الشهيرة، بتنظيم نشاط خطابي في ميدان التحرير، وبذلك تكون هذه الأحزاب، سواء في مصر أو الأردن، قد التزمت بضوابط السياسة الرسمية التي تقوم على احترام اتفاقيات السلام. في سورية ولبنان كان من الواضح أن السياسة الرسمية، وتخضع لها رغبات الأحزاب والفصائل، لم تكن ترى ضرورة ولا مصلحة في أن توجه الجماهير لإسرائيل رسالة مختلفة تنطوي على إمكانية وقوع اشتباك. ثمة إذاً تقدم في حجم المشاركة الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية قياساً بما وقع في مناسبتي النكبة وهزيمة حزيران في العام الماضي، وفي الوقت ذاته تراجع في البعد الكفاحي لا يخص الجماهير بل يخص القوى السياسية، والأنظمة، الأمر الذي يعني أن اختبار الربيع العربي لا يزال مفتوحاً..