أريئيل شارون: الاعتراف بحدود القوة

بقلم: جدعون ليفي
من المؤكد أنه كان أشجع سائس في إسرائيل وكان أقساهم أيضا. ومن المؤكد أنه كان أكثر ساسة إسرائيل إيمانا بالقوة؛ وكان أيضا من القليلين الذين عرفوا حدود القوة. حدث هذا في الحقيقة في أواخر حياته فقط لكنه حدث بصورة عظيمة ككل شيء عند ارئيل شارون.
إن كل حياته – العسكرية والسياسية (في الداخل والخارج) – قامت على شهوته للقوة التي لا كابح لها وعلى شجاعته. لكنه هو الأكثر جرأة عرف أن القوة العسكرية التي قامت عليها إسرائيل لا يمكن أن تضمن مستقبلها، فهي لا تستطيع أن تحيا على سيفها الى الأبد. وقد فهم شارون ذلك وإن يكن في تأخر كثير. وفهم أن تفوقها العسكري لن يبقى لها الى الأبد. وقد كان لإسرائيل قبله وبعده ساسة شجعان في ظاهر الأمر كاسحق رابين الذي تحيط به هالة 1967 والذي عانى "قرقرة بطنه" قبل أن يوقع على اتفاقات أوسلو؛ وشمعون بيريس الذي الشجاعة هي الصفة الرئيسة وإن لم تكن الوحيدة التي تعوزه ليصبح سائسا حقيقيا؛ وايهود باراك الأكثر ميلا لأوسمة الشرف في الجيش الإسرائيلي والذي لم يخطُ خطوة واحدة دون أن يفحص عنها في استطلاعات الرأي؛ وبنيامين نتنياهو بالطبع الذي الجُبن هو اسمه الثاني. لكنهم هم خاصة تمسكوا بالقوة العسكرية وكأنها كل شيء ولم يستطيعوا معرفة حدودها.
حينما ننظر الى الرجال في اليمين الإسرائيلي بعد شارون لا يمكن ألا نستخف بهم. لأن شارون يبدو بطلا متأخرا اذا قيس بصارخي اليمين الذين يتحدون العالم كله: الدانونيون الذين يهددون أميركا والاوري اريئاليون الذين يشتهون العقارات ويهددون بعدم الكف عن الغصب، ونتنياهو الذي يهدد بقصف إيران ويتدخل في الوقت نفسه بوقاحة في السياسة الأميركية وكأن إسرائيل هي القوة العظمى وأميركا مرعية لها، وافيغدور ليبرمان الذي كان الى أمس يبحث عن حليفات "بديلة" عنها، وما كان شارون الجريء ليتجرأ على ذلك لأنه أدرك أنه ليس لإسرائيل مستقبل من غير دعم الولايات المتحدة، كما أدرك بالضبط أن اعتمادها على سلاحها وجيشها لم يعد كافيا.
أدرك شارون وزير الحروب والمستوطنات واحتلال إسرائيل الذي لا يوجد شيء سواه – وهو من هذه الجهة وزير التاريخ تقريبا – أدرك في تأخر مصيري أنه لا يمكن إقامة دولة على ذلك وانه لا يمكن مواجهة العالم كله والاعتماد على "القبة الحديدية". وأنه لا يمكن الاستهانة بالولايات المتحدة وأن تكون معتمدا على جيوبها ودعمها.
ربما فهم في أواخر أيامه أيضا جرائمه في لبنان، لكني أشك في ذلك كثيرا. بيد أنه أدرك أن احتلالات إسرائيل أضعفتها. وأدرك ذلك فيما يتعلق بقطاع غزة الذي حاول قبل ذلك ببضع سنوات أن يقنعنا بأن الانسحاب منه سيجلب كارثة. إن شارون الذي لا يعرف التناسب تحول الى شارون التناسب. وكان احتضار موقفه السابق في عملية "السور الواقي" وهي آخر عمليات شارون الكلاسيكية وهي الضرب بلا رحمة بأكبر قدر ممكن؛ والقتل والتدمير والتخريب والاغتيال. وبعد ذلك جاء الوعي أنه حتى "السور الواقي" لن تحمي إسرائيل الى الأبد.
كان شارون مجرم حرب بحسب جميع المعايير الدولية الرائجة. فثمة جرائم حرب من قبية الى بيروت. ولم يغير شارون المتأخر ذوقه غير الأخلاقي لكنه أدرك بطريقته هو وهي طريقة القوة أن لذلك حدودا. وربما جعلته أميركا جورج بوش يصحو وربما عرف أكثر من آخرين ما يجري في الجيش الإسرائيلي الذي تحول الى جيش شرطة واحتلال في جزء عظيم من عملياته يطارد الأولاد الصغار. ومهما تكن بواعثه فإن صحوته كان يجب أن تعلم اليمين الإسرائيلي درسا لكن ذلك لم يحدث وهذا هو فشل شارون غير الوحيد لأن أشجع الجميع لم ينجح في أن يورث أخلافه خوفه بل بالعكس، فالذين خلفوه يسيرون في طريق شارون الأول ويتجاهلون تراث شارون الثاني تجاهلا تاما. ربما أعوزته بضع سنوات قيادة اخرى كي يُثبت صحوته التي ربما بلغت ذروتها الممكنة (والنفسية) في الانفصال. لكن بعد أن غاب شارون في رقدته عادت إسرائيل لترقد هي أيضا وعادت لتسير في طريق شارون السابق المؤمن بالقوة والقاسي والعسكري.