تهويد الأعياد
تحاول سلطات الاحتلال في فلسطين تكرار تجربتها مع الطائفة الدرزية مع العرب المسيحيين، فهي في المرتين تسعى إلى طمس وإذابة الهوية القومية لهؤلاء . ورغم أنها اتاحت للدروز التجنيد في الجيش إلا أن ما أنتجته هذه الطائفة العربية المعروفة بأبناء "بني معروف" من شعراء ومثقفين وناشطين خيب الرهان، وتجسد شعار الدروز بما قاله الشاعر سميح القاسم وهو دمي على كفي، وشرف السواقي أنها تفني النهر العميق، والدروز رافد وليسوا مجرد ساقية يلتئم مع النهر الكبير والخالد في مصبه العربي .
استثمر نتنياهو كعادته مناسبة دينية هي رأس السنة الميلادية ليهنئ المسيحيين بكلمة معدة بعناية استغرقت كما يقول الكاتب "روغال الفيز" ثلاث دقائق، لم يذكر فيها كلمة عرب مرة واحدة ولو من قبيل زلة اللسان في عصر تكاثرت فيه مثل هذه الزلات بدءاً من جورج بوش الابن ورامسفيلد، فالأول استخدم عبارة الحروب الصليبية والثاني وصف أوروبا بأنها "القارة العجوز" لا بمعنى الحكيمة بل الشائخة التي أفقدها التاريخ عنفوانها وصلاحيتها الحضارية .
إن ما يحول دون ذكر كلمة عرب في أي خطاب لنتنياهو هو ذلك الوهم الذي يفترس عقله ومجمل كيانه وهو أن الدولة يهودية لهذا فهي كما يرى مصفاة من الشوائب العرقية والعرب هم الشائبة الأكبر .
لعبة العزف على الوتر المسيحي لنزع المسيحيين من سياقهم القومي، مارسها من قبل غزاة ومستعمرون وكان اللورد كرومر أول من تلقى الرد، حين تبادل الشيوخ المسلمون والقساوسة المسيحيون المنابر وتعانق الصليب مع الهلال، وتكرر المشهد مراراً رغم أن ثورة 1919 كانت هي النموذج الأفصح والأوضح، ولم تغادر الذاكرة الوطنية حتى الآن .
وأول ما يفقد نتنياهو المصداقية في هذه المناسبة أو غيرها هو ما تعرضت له الكنائس في فلسطين من انتهاك واستباحة، وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى توأمان قدر تعلق مصيرهما معاً بالاحتلال، وحبذا لو صمت "بيبي" في هذه المناسبة وبحث عن ذريعة من طراز تلك المتعلقة بالتقشف والتي حالت دون مشاركته في تشييع مانديلا الذي وصفه عن بعد وعلى استحياء بأنه القدوة لكنه لم يقل هو قدوة من؟
قدوة الأسير الفلسطيني الذي اهدى حريته لوطنه أم قدوة ملايين المخلوعين من جذورهم ويعيشون في المنافي على امتداد هذا الكوكب؟
لقد بدأ الاستشراق نظرياً وإيديولوجياً يمهد للفتنة الطائفية في الوطن العربي، ثم جاء الجنرال والحكام العسكريون ليحولوا الوصفة النظرية إلى واقع سياسي واجتماعي ميداني .
وما حصده من الدروز سوف يحصده من التوأم المسيحي الذي يتعرض للسطو والاستيطان وتستباح كنائسه .
ولعله أمر يتجاوز المصادفة أن ينطق شعراء مثل توفيق زياد ابن الناصرة ورئيس بلديتها قبل رحيله وسميح القاسم الدرزي الذي مازار بلداً عربياً إلا وانحنى على تراب المطار ليقبله باسم هؤلاء .
المحاولات تتكرر . . لكن الإخفاق أيضاً بانتظارها .