" الخديعة الكبرى "

بقلم: 

 

قبل أقل من عام وفي النصف الثاني من شهر آذار الماضي ، قام رئيس جمهورية أمريكا باراك أوباما ، بزيارة للمناطق المحتلة وبعد عام تقريباً وفي نيسان 2014 ستنتهي المدة الزمنية التي حددها وزير خارجيته جون كيري للمفاوضات الثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول كافة الموضوعات النهائية . وتعريف النهائية مستقى اساساً من إعلان المبادئ والمعروف جيداً باتفاق أوسلو ، علماً أنه كان يجب أن تنتهي مدته الزمنية في عام 1999 ، ولا زال مستمراً حتى الآن وربما لفترة زمنية أخرى . فاتفاق القاهرة الذي سمّي أوسلو 2 لم يلغ اتفاق اوسلوا واتفاق باريس الاقتصادي كذلك . فلا زلنا نعمل وفق هذه الاتفاقات الثلاثة وكأنها القدر الذي لا يرد سياسياً.

وفي المحادثات الأخيرة انحازت إدارة أوباما في دورتها الثانية بما فيها وزير خارجيته جون كيري لتلبية المصالح الإسرائيلية العليا ، ولمطالب حكومة اليمين الإسرائيلي العنصري . فالإدارات الأمريكية المتعاقبة تنحاز باستمرار للمصالح الإسرائيلية العليا كونها تمثل التحالف الأساس لها ولمصالحها في المنطقة ، حتى لو تعارضت المواقف الأمريكية مع الشرعية الدولية، وبالنسبة لإسرائيل فهي دولة قائمة بقوة الاحتلال ومتعارضة دائماً وفي كل ممارساتها مع الشرعية الدولية.

لقد حدد جون كيري بأن المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية برعاية أمريكا سوف تنتهي بحدود 6-9 أشهر . وأنتدب عن أمريكا مارتن أندريك ومؤخراً ديفيد ماكوفسكي كممثليه عن الإدارة بما فيها الخارجية الأمريكية لهذه المفاوضات وهما مع الصهيونية ضد حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني . وبرغم رفض غالبية الفصائل السياسية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني لهذه المفاوضات والأسس والمرجعيات الذي قامت عليها. حتى أن عضو اللجنة المركزية والوفد المفاوض د . محمد اشتيه استقال منذ 2013.11.5 أي بعد أربعة أشهر من بدء المفاوضات . وحدد أربعة أسباب لاستقالته وفق محاضرته في بيت جالا مؤخراً في حين أن صائب عريقات مسؤول الوفد المفاوض الفلسطيني بشرنا بأنه سيتم بعد نيسان 2014 سنة للتفاوض على اعلان المبادئ كما يجري الان الحديث الأمريكي ، وهذا هو موقف نتنياهو المتخلص بما يلي:

1- الاتفاق على إعلان مبادئ في نهاية آذار بداية نيسان أي بعد 9 أشهر ومن ثم عن عام كامل إذا استجابت سلطات الاحتلال لتطبيق هذا الإعلان. علماً أن إعلان المبادئ هذا يكمن فيه كل شيء واضح ومحدد اسرائيلياً ، بينما كل شيء فلسطيني غير واضح وغير محدد . الأمر الذي دفع الرئيس عباس بأن يرسل للرئيس أوباما رسالة غير رسمية [ non paper ] لتحديد الموقف مما طرحه نتنياهو وفق ما جاء به كيري . جيد أن يرسل الرئيس عباس رسالته هذه ، ولكن الأفضل أن تكون رسالة رسمية لأن نتنياهو وكيري واوباما من المفترض أنهم يتعاملون معنا رسمياً .

2- القدس : لقد وافق الطرف الفلسطيني على أنها عاصمة لدولتين هما [ فلسطين وإسرائيل ] وان تكون لها بلدية مفتوحة وتشكل من بلدية للقدس الشرقية وبلدية من القدس الغربية، ولكن الوفد الإسرائيلي حتى الآن يرفض هذا ولسان حالها يقول أن القدس الموحدة هي عاصمة اسرائيل. الأنكى من هذا أن الوفد الفلسطيني وقع بالورطة الإسرائيلية فهي ترفض رؤيتنا ومشروعنا بذريعة أن تبحث بموضوع القدس الشرقية وليس القدس الغربية، وبالتالي من غير الصحيح أن يتدخل الطرف الفلسطيني بشؤون القدس الغربية ، ولآن سلطات الاحتلال تبحث شأن القدس الشرقية فالتفاوض يتم عليها لا غيرها.

3- فيما يتعلق باللاجئين وحق العودة وفق القرار ألأممي 194 لا يحث بعودتهم الى ديارهم التي هجروا منها وفق هذا القرار . يمكن البحث بعودة جزء منهم الى أراضي السلطة الوطنية والجزء الاكبر إسكانه هنا وهناك في الدول التي تقبل بهم ولحل مشكلتهم فيها . والعودة ممكن أن تتم بلم شمل العائلات مع أن غالبية الآباء والأمهات قد ماتوا وبموافقة الاحتلال الإسرائيلي.

4- الاستيطان: وجهة النظر الإسرائيلية لا تفكيك للاستيطان والجدار ...الخ وكل المستوطنات باقية مكانها وتكبر وتسمن باستمرار ، ومؤخراً جرى حديث الوفد الإسرائيلي للمفاوضات الثنائية برعاية أمريكا عن المساحات المطلوبة من أجل التوسع الاستيطاني ومن أجل ربط المستوطنات مع بعضها . مثلاً مستوطنات ( بسيغوت + عوفرا + بيت ايل ) يمكن ربطها وما بينها من مساحات جغرافية مع بعضها البعض .

5- الأغوار ؛ نقاط الحدود الشرقية : الإصرار على أن تكون منطقة الأغوار والحدود الشرقية بيد جيش الاحتلال الإسرائيلي اساساً . وبأن يكون معبر الكرامة مثلاً برقابة إسرائيلية على من يدخل او يخرج من الفلسطينيين وضيوفهم . كما كان أيام أتفاق أوسلو.

6- نقاط المراقبة على الجبال : عدة نقاط للمراقبة على الجبال لصالح الجيش الإسرائيلي من جنوب الضفة حتى شمالها وكلها تحتاج الى مواصلات وطرق اتصال ...الخ .

7- الأنكى من كل هذا أنهم لا يريدون أن يكون للفلسطيني مطار وخاصة بالضفة ، ولسان حالهم أن اذهبوا الى الأردن لإقامة هذا المطار ، في الشونة او الكرامة ...مثلاً حتى يتسنى لهم مراقبة كل فلسطيني يسافر ، وربط الأردن مع فلسطين وبإطار شبكة إسرائيلية واحدة ، وبحيث تمر جميع وثائق السفر عبر الجانب الإسرائيلي . ويرفضون إقامة مطار فلسطيني في قلنديا كما كان قائماً قبل عام 1967.

هذا ما حمله كيري وتبناه سياسياً وعملياً من نتنياهو ، ووافقنا على أن يجلس مدير مخابراتنا مع جون ألن لمناقشته في الخطة الأمريكية الأمنية التي حملها كيري من نتنياهو. الأمر الذي دفع الرئيس عباس للاحتجاج عليها برسالته المشهورة الى ن أوباما . بصفته الرئيس الأمريكي . وحتى الآن لا نعرف ماذا سيحمل الحاوي جون كيري من نتنياهو في جولته القادمة ؟!.

اننا نعيش مرحلة سياسية صعبة ومعقدة ، فالدول العربية منشغلة بمشاكلها الذاتية برغم استجابة وزراء الخارجية للاجتماع الأخير بناء لطلب الرئيس عباس ، ونحن مُنقسمين على أنفسنا بين غزة والضفة ، وحول الموقف السياسي من المفاوضات الجارية ، في حين أن التناقض الأساس هو مع الاحتلال . ومن يريد مواجهته عليه أن يتوحد اولاً. والرهان على أمريكا أكان رئيسها ابيض أم أسود وعلى وزير خارجيتها رهان خاطئ بالأساس ، فأمريكا مهما كان رئيسها او وزير خارجيتها هي مع المصالح العليا الإسرائيلية لأن اسرائيل قوية مصلحة عليا أمريكية في السابق والحاضر وربما في المستقبل كذلك.

ولمجابهة كل ما يحيق بنا علينا العمل موحدين معاً في اتجاهين وكحركة تحرر وطني : (1) العمل ميدانياً بالمقاومة بكل أشكالها وأساليبها ، وقد أعطتنا الشرعية الدولية هذا الحق ما دام الاحتلال لأرضنا قائماً. (2) العمل السياسي في كافة المجالات الدولية بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية ، المعروفة بمحكمة روما وفق مصالح وحقوق شعبنا الفلسطيني.

نحن اولاً وأخيراً قيادة للشعب الفلسطيني ومسؤوليتها ، الأساس تكمن في توفير حقوقه الوطنية اولاً.

انها الخديعة الكبرى التي تقوم على أن للاحتلال الحق باحتلاله للأرض والشعب ولإقامة ما يريده من أمر واقع يخدم احتلاله . وعلى الفلسطينيين ومعهم الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أجمع ضرب رأسهم بالحائط إذا أرادوا . ونحن نقول ان لا سلام ولا احترام لبني البشر دون العيش بحرية وعلى الجميع ان يعمل من أجل هذا بدءاً من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة وبتقرير المصير والدولة السيدة المستقلة وعاصمتها القد .

 

*عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية