خلاف «لبيد» و«بينت»
مع تصاعد موجة التفاؤل لدى وزير الخارجية الأميركي جون كيري بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية انفجر خلاف علني حاد أيضاً في إسرائيل. ذلك أن يائير لبيد زعيم حزب «يش عاتيد» (هناك مستقبل) أبدى حماسه لتحقيق اتفاق وطالب في تصريحات علنية من نتنياهو بأن يترجم موافقته المبدئية على حل الدولتين إلى شجاعة تاريخية لدفع الثمن المطلوب للسلام.. وإدراكاً من «لبيد» أن الاتفاق سيغضب الأحزاب اليمينية المشاركة في الحكومة وفي مقدمتها حزب «البيت اليهودي» الذي يقوده نفتالي بينيت زعيم الاستيطان، فقد أضاف أن على نتنياهو أن يتقدم حتى لو أدى هذا إلى تكوين حكومة ائتلافية جديدة. وكانت هذه الإشارة التي تعني الاستعداد لإدخال أحزاب اليسار والوسط مثل حزبي «العمل» و«ميرتس» للحكومة في حالة انسحاب الأحزاب اليمينية هي المفجر للخلاف. فقد أظهر «بينيت» رد فعل غاضباً وساخراً تجاه «لبيد» وصرح لصحيفة يديعوت أحرونوت وهو في أستراليا بأن واجب «لبيد» وزير المالية هو أن يعمل على تخفيض الأسعار وغلاء المعيشة وأسعار المساكن وليس أن يخفض المستوطنات. وأضاف «بينيت» في سخرية، لست أدري من أين جاء هذا الهوس بفكرة السلام، ولعل أمراً قد حدث دون أن أنتبه إليه، فربما قرر جميع الفلسطينيين أن يعيشوا معنا في سلام. ولم يتوقف «بينيت» عند هذا الحد بل شن أيضاً هجوماً على جميع الوزراء الإسرائيليين المشغولين بحضور منتدى «سابان» في واشنطن ساخراً منهم بقوله إن الانشغال بتخفيض أسعار المساكن أفضل كثيراً من أي منتديات في العالم.
وهذا الخلاف العلني يحمل المراقبين على التساؤل: هل حقاً استطاع كيري أن يبلور خطوط اتفاق أمني سياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أطلق حماس «لبيد» وغضب «بينيت»؟ إن التقارير التي تتضمن تسريبات عن هذا الاتفاق متواترة في الصحف الإسرائيلية، وهي تشير إلى أن كيري بلور اتفاقاً أمنياً مرحلياً يستمر لمدة خمسة عشر عاماً يضمن التواجد العسكري للقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية على سبيل الفترة الاختبارية التي إما أن تنتهي باستمرار وجود القوات الإسرائيلية الحالية في الأغوار، أو إيجاد بديل آخر طبقاً لمعايير الأمن الإسرائيلي ممثل في وجود قوات دولية. إن المصادر الفلسطينية تؤكد أن هذا هو جوهر العرض الأمني الذي قدمه كيري لعباس، والذي بلوره الجنرال الأميركي «آلن» المستشار الخاص من أجل الشرق الأوسط والمقيم في إسرائيل منذ عام لهذا الغرض. كما تفيد بأن الفلسطينيين رفضوا الوجود العسكري الإسرائيلي لمدة 15 سنة ولكنهم وافقوا من حيث المبدأ على تحديد فترة زمنية لا تزيد على خمس سنوات لإتمام عملية سحب القوات الإسرائيلية.
أما من الناحية السياسية فإن الطرح الأميركي يبقي الأوضاع الحالية في معظمها على ما هي عليه لحين انتهاء الاتفاق المرحلي طويل المدى بمعنى استمرار المستوطنات وبقاء القدس الشرقية تحت الاحتلال. والسؤالان المهمان هنا أحدهما نتساءل فيه: هل يبلور هذا الطرح صورة المستقبل بالنسبة لحدود وأمن الدولة الفلسطينية من الآن، أم يترك هذا الأمر لمفاوضات الوضع النهائي في نهاية السنوات الخمس عشرة، إن تجربة أوسلو المرحلية قد جمّدت الأوضاع حتى اليوم ولم توصلنا إلى اتفاق نهائي فمن يضمن ألا تتكرر التجربة؟
أما السؤال الثاني فهو: إذا كانت الأوضاع الحالية باقية خلال المرحلة الانتقالية الجديدة فما الذي يقلق «بينيت» زعيم الاستيطان المنادي بضم كل المنطقة المقامة عليها المستوطنات إلى إسرائيل. وهل هناك أمر آخر لصالح الفلسطينيين يعلمه ولم يتسرب بعد؟ سننتظر ونرى.