أزمة كهرباء غزة: الطريق إلى المصالحة.. معتم!
هذه ليست المرة الأولى الذي يعيش فيه المواطنون في قطاع غزة تحت وطأة الانقطاع شبه الدائم للطاقة الكهربائية، إلاّ أنها المرة الأولى، حسب اعتقادي، التي تنشأ فيها هذه الكارثة في ضوء تطورات وأبعاد إقليمية ذات صلة بأزمة الكهرباء، والملاحظة الأولى بهذا الصدد، أن هذه الأزمة في قطاع غزة، توازت مع أزمة مشابهة في جمهورية مصر العربية، حيث أخذت طوابير الانتظار على محطات التزود بالوقود تطول وتطول في معظم محافظات الجمهورية، وتصدرت هذه الأزمة عناوين رئيسة في الصحافة المصرية وفي كافة وسائل الإعلام، امتداد الأزمة وتأثرها من القطاع إلى مصر وبالعكس، يعكس "ارتباطاً" من نوع ما، قد يكون جديداً، ويوحي بأن قطاع غزة من ضمن محافظات جمهورية مصر العربية، فأزمة الطاقة والوقود، امتدت إلى كل محافظات القطر المصري، بما فيها "محافظة قطاع غزة"!
ولكي يصبح لهذا الارتباط الوظيفي والسياسي معنى أكثر تأكيداً، فإن مجلس الشعب المصري، قد تناول في إحدى جلساته أزمة الطاقة في قطاع غزة، بالضبط كما تناول هذه الأزمة التي تعم المحافظات المصرية، وكما فشل مجلس الشعب في وضع حد لهذه الأزمة في مصر، فشل أيضاً، في إيجاد حل لها في قطاع غزة، إلاّ أنه مع ذلك، عبر بشكل أو بآخر، عن هذا الارتباط العضوي، من خلال الأزمات، بين قطاع غزة والقطر المصري.
وفي أثناء المباحثات المستفيضة حول إمداد قطاع غزة بالوقود من قبل القطر المصري، كانت هناك مسائل شائكة تعترض حل هذه الأزمة، حيناً، كانت المسألة المالية وتسديد قيمة الوقود وتكاليف نقله وثمنه، هي المسألة الأساسية، وفي أحيان أخرى، كان المنفذ أو المعبر لدخول المحروقات والوقود إلى القطاع من القطر المصري، هو سبب الخلاف، فبين معبر رفح، أو معبر كرم أبو سالم، مسافة قصيرة، إلاّ أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فبين المعبرين، مسافة سياسية واسعة للغاية، فدخول النفط من معبر رفح، يشكل بالنسبة للقطر المصري مسألة بالغة الحساسية، إذ إن ذلك يعني أن مصر تتحمل مسؤولية وتبعات الحياة في قطاع غزة الذي ما زال يرزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي من وجهة نظر القانون الدولي، وقد حاولت إسرائيل ولا تزال، التأكيد على تبعية القطاع لمصر، لإخلاء مسؤوليتها من احتلالها له، وقد أدركت جمهورية مصر العربية هذا الأمر، منذ وقت طويل، وهو ما كان يفسر كافة الإجراءات التي كان من شأنها تأكيد احتلال القطاع من قبل إسرائيل التي هي مسؤولة، أمام المجتمع الدولي، وفقاً للقانون الدولي، عن توفير كافة مقومات الحياة والأمن لمواطنيه باعتبارهم تحت الاحتلال، ومن هنا، أيضاً، يأتي الإصرار المصري، على عبور كافة المساعدات من أغذية وملابس ومواد بناء من قبل المؤسسات الدولية والخيرية العربية والأجنبية، عبر أراضيها ولكن عبر معبر كرم أبو سالم، على الحدود الفلسطينية ـ الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة، لتأكيد استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وما ينجم عن هذا التأكيد من تحميل إسرائيل كافة المسؤوليات الملقاة على عاتق الاحتلال.
وبالعودة إلى اتفاق المعابر عام 2005، يمكن ملاحظة عدم وجود مصر طرفاً مباشراً في ذلك الاتفاق، بينما توافرت أطراف ذات أبعاد سياسية مهمة، كالمراقبين الدوليين والجانب الإسرائيلي، إضافة إلى الجانب الفلسطيني، وذلك لتأكيد أن قطاع غزة ما زال يخضع للاحتلال الإسرائيلي، مثله مثل كافة مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية التي "توحدت" تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم الإجراءات الاحتلالية المختلفة بين المنطقتين أو الجناحين الفلسطيني في السلطة الوطنية الفلسطينية، إلاّ أن "القذف" بقطاع غزة للانضواء تحت المسؤولية المصرية، لا يعني فقط في ظل هذه الحال، إخلاء المسؤولية الإسرائيلية، كدولة احتلال، ولكن أيضاً، تكريس الانقسام الفلسطيني، بحيث تتعدد المسؤوليات بين جناحي الجزء المتاح من المشروع الوطني الفلسطيني، المسمى السلطة الوطنية الفلسطينية، وفصلهما فصلاً تعسفياً ومأزوماً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة أن البعض يعتبر أن قطاع غزة قد تم تحريره من ربقة الاحتلال الإسرائيلي!
وإذا كنا ارتضينا تحت وطأة الحاجة وانعدام الخيارات، دخول البضائع الإسرائيلية، على اختلاف أشكالها، بما فيها تلك التي من الضفة الغربية، أيضاً، عبر معبر أبو سالم، فلماذا نصر على عدم دخول الوقود المصري، أو الوقود المستورد من خلال مصر، عبر منفذ كرم أبو سالم، ولماذا تصدر بضائعنا من أزهار وخلافه، عبر هذا المعبر إلى العالم، في حين أننا نريد لبضائعنا المستوردة أو المصدرة، عبر القطر المصري، المرور عبر منفذ رفح!.
قد تكون المسألة المالية بما فيها الضرائب التي تجبى من خلال معبري رفح وكرم أبو سالم، هي أحد أهم أسباب الإصرار على دخول المحروقات عبر معبر رفح، إذ في حال دخولها عبر معبر كرم أبو سالم، فإن هذه الضرائب، يتم جبايتها وفقاً لاتفاقية باريس الملحقة باتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حين تعود الضرائب إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن عبر إسرائيل، بينما الحال تختلف في حال دخول الوقود عبر معبر رفح، أو تظل حكومة حماس هي التي تجبي الضرائب عن هذه التجارة، وفي هذه الحال، فإن العقبات السياسية، توظفها من الناحية العملية لصالح الجباية المالية.
نقول، هذه الأزمة ليست جديدة، لكنها مع ذلك، وضعت قطاع غزة في ظل واقع مختلف عما كان الأمر عليه خلال وبعد الأزمات السابقة المتكررة، فهذه المرة كانت تداعيات الأزمة، قد أشعلت الحرب السياسية، بين حركة "حماس" وكل الفرقاء دفعة واحدة، إسرائيل ومصر والسلطة الوطنية، وكأنما وهي تحاول الخروج من الحصار والعزلة، قد وضعت نفسها تحت سطوة حصار جديد، ومن مختلف الأطراف، مرة واحدة وبلا تردد، مع استمرار أزمة الوقود والمحروقات رغم الحلول الجزئية المؤقتة التي تزود غزة بالوقود لساعات، من دون أن تفتح نافذة أمل بإنهاء حالة الانقسام، إذا لم نقل تعميق هذه الأزمة واستمرارها لأجل لا يبدو قريباً!.