تجليات فلسطينية أخرى
الشعب الفلسطيني قادر في كل حين على ابتداع وابتكار الوسائل الممكنة حيناً وغير المتوقعـة حينــاً آخر للقــيام بمــسؤولية الكفــاح الوطنــي التحــرري. واذا كان هــذا الشــعب قد أبهر الأعداء وأدهش الأصدقاء في انتفاضتين هما انتفاضة الحجر في اواخر العام 1987 والأقصى في أواخر ايلــول العام 2000 فإنه في ظل الظروف الراهنة ابتدع أسلــوباً جــديداً للتعبير عن حقوقه والنضال من اجل استرجاعها من العدو الصهيوني.
وهذه المرة لا يتوقف النضال من اجل فلسطين على شعب فلسطين بل ان المحاولة الجديدة النضالية تعيد القضية الفلسطينية الى موقعها الاصيل قضية مركزية للامة العربية.
نستطيع قراءة ما أعلن على صفحات التواصل الاجتماعي أولاً، وعلى ارض الواقع ثانياً من الاعلان عن قيام تنظيم قومي هو تحت اسم«ائتلاف شباب الانتفاضة الثالثة». الجديد في الإبداع هو عدم اقتصار الحركة على فلسطين المحتلة ولا على الفلسطينيين جميعاً في الداخل والشتات، بل انها تمتد الى الاقطار العربية من المغرب الى لبنان ومن فلسطين الى الخليج العربي.
قد يقال أنها فكرة تتسم بالطوباوية في ظل الظروف العربية والدولية والفلسطينية الراهنة. ولكن من يقول أن اعادة الصورة الى طبيعتها نوع من العبث بعد ان قلبت واعتاد الناس على رؤيتها مقلوبة؟
ليس من الغريب ان تنبثق حركة شبابية عربية في الوقت الراهن تكون عابرة للحدود وعابرة للتنظيمات الراهنة وعابرة للفصائل الفلسطينية بعد ان وصل الواقع الفلسطيني الى الكارثة، ليس بسبب الانقسام، بل بسبب السياسات التي تخلت عن اهداف الشعب الفلسطيني، عبر سلسلة التنازلات، وفي ضوء قيام العدو المحتل يومياً بتهويد الارض وأسرلتها، وأسرلة وتهويد القدس، وقلب الوقائع التاريخية والجغرافية في فلسطين.
الشباب الذين بادروا الى الإعلان عن تنظيم عابر الحدود، وعابر التنظيمات، انما اعادوا الى القضية وجهــها الحقــيقي، حين أعلنوا أن مبادئهم واهدافهم هي الثوابت الوطنية الفلسطينية المعروفة والتي يتم تجاهلها تدريجياً من قبل السلطات والمسؤولين الرسميين الفلسطينــيين قــبل ســواهم من الحكام العرب، الذين ذهبوا خلف أمــيركا وتمسكــوا بالمــطالبة بأقلّ من 13 في المئة من أرض فلسطين التاريخية. وراحوا يتحدثون عن القدس الشرقية متجاهلين ان القدس كلها عربية وان الاحتلال الصهيوني بدأ باحتلال أكثر من 85 في المئة منها في العام 1948 وأنهى احتلالها بالكامل في حزيران سنة 67.
ائتلاف شباب الاتفاضة الثالثة يقول انه يناضل من اجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني من النهر الى البحر وانه يريد حق العودة ورفع الحصار المجرم المفروض على أهلنا قي قطاع غزة. كما ان الشباب يطالبون بالإفراج الفوري عن الاسرى العرب كافة. ويشهرون مناهضتهم لكل من يعمل على تفريق وتمزيق امة العرب والشعب الفلسطيني. وهم في الوقت عينه يطمئنون الأنظمة العربية بأن نضالهم سياسي وسلمي، ولهم بالتالي الحق بمطالبة لجان حقوق الانسان في العالم كله بالوقوف الى جانبهم ومحاسبة من يعرقل مسارهم السلمي في الاقطار العربية المعنية كافة.
ليس غريباً بعد هذا أن يقابل من يعنيهم الأمر في الضفة الغربية والقطاع انبثاق هذا التجلي الفلسطيني بالشك والريبة، بل والاتهام، بأن الشباب يريدون اثارة الفوضى الخلاقة (كذا).