هل هي نهاية العصر الامريكي في الشرق الاوسط؟
أعلنت الادارة الامريكية في السنين الاخيرة نيتها ان تتبنى سياسة ‘اعادة توازن’ نحو آسيا، وقد عبرت عن هذه السياسة في السنين الاخيرة طائفة من المبادرات العسكرية والاقتصادية والتجارية والدبلوماسية. وقد صادق الرئيس باراك اوباما ومثله موظفون كبار من الادارة منذ ذلك الحين ان الولايات المتحدة تريد ان تؤدي دورا قياديا في آسيا في السنوات القريبة.
إن التصريحات عن نقل مركز ثقل الاستراتيجية الامريكية الى شرق آسيا ليست بلا أساس، والحكمة من ورائها مفصلة حتى في الاستراتيجية الامنية للولايات المتحدة منذ كانون الثاني/يناير 2012.
إن استمرار التقدم الايراني نحو السلاح الذري، وضعف التأثير الامريكي في العراق، وصعوبة التأثير في الاحداث في سورية، وعدم الثقة بالولايات المتحدة من نظم الحكم الملكية في العالم العربي، وعلامة السؤال عن مستقبل علاقاتها بمصر، بل برودة العلاقات باسرائيل، تعتبر في نظر مراقبين صعوبة أخذت تزداد على الولايات المتحدة لتقديم أهداف سياستها في المنطقة، بل إنها عند مراقبين آخرين علامات على ان قوة من القوى العظمى هي في تراجع.
إن الدعوى الرئيسة في هذه المقالة هي ان الحاجة الى تخصيص موارد واهتمام بساحات اخرى بسبب ضرورات اقتصادية في الداخل والصعاب التي تلاقيها الولايات المتحدة في تحقيق سياستها في المنطقة، لا تشهد بالضرورة على ‘تركٍ’ للشرق الاوسط. بالعكس، ففي ضوء سلسلة شروط أساسية ومصالح امريكية مركزية، لكل واحدة منها تأثير في تقديرات الولايات المتحدة، وكل واحدة منها تتطلب متابعة دائمة واستعدادا امريكيا للتدخل وقت الحاجة، فان الولايات المتحدة يتوقع ان تستمر في أداء دور مركزي في أمن المنطقة.
توجيه النظر شرقا
قُبيل زيارة رئيس الولايات المتحدة الى استراليا في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 أعلن متحدثو الادارة الامريكية توجيه ‘المحور المركزي’ للاستراتيجية الامريكية من مراكزه السابقة نحو ‘تحديات القرن الواحد والعشرين’ في آسيا والمحيط الهادئ بحسب كلامهم. وقد بالغ وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا الذي قال ان نصيب الاسد من القوة البحرية الامريكية سيوضع في المحيط الهادئ الى نهاية العقد الحالي، بغرض معادلة قوة الصين الآخذة في الازدياد. وتطرقت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ايضا الى حاجة الولايات المتحدة الى تخصيص موارد اقتصادية ودبلوماسية واستراتيجية وغيرها في جنوب شرق آسيا، فقالت ان العقد القادم سيكون ‘عقدا آسيويا’.
بدأت الولايات المتحدة تحويل قوات وبناء قدرات وتنمية شراكات قديمة وبناء شراكات جديدة بغرض تهدئة روع حليفاتها وصديقاتها لتُظهر أنها لن تتخلى عنها لقوة الصين الصاعدة.
إن الخشية من ان يتحول الشرق الاوسط الى أقل أهمية للأمن القومي الامريكي مصدرها زيادة انتاج الطاقة المحلية في الولايات المتحدة وكندا، والاحتمال الكبير لأن تستطيع واشنطن ‘ان تفطم نفسها’ عن تعلقها بالنفط من الشرق الاوسط؛ وفي انخفاض تهديد القاعدة في ظاهر الامر؛ وفي زعم ان توجيه الانتباه والموارد الامريكية الى مواجهة تحدٍ أكبر في آسيا أفضل.
كان الشرق الاقصى وحوض المحيط الهادئ منذ زمان بعيد مناطق للولايات المتحدة مصالح متميزة فيها. والخطوات الامريكية الحالية، التصريحية والعملية التي يشتمل عليها ‘التحول شرقا’، هي رد على زيادة قوة الصين وتهديد جاراتها.. وتريد الولايات المتحدة من جهتها ان تُثبت أنها لن تتخلى عن مكانة القوة العظمى، وعن المصالح الاقتصادية في المنطقة التي تعاملها على نحو تقليدي على أنها ‘الساحة الأمامية’، وأنها لن تُمكّن الصين من جعلها مجال تأثير لها وحدها. ويمكن ان نزعم ان الصعاب التي تلقاها الولايات المتحدة في تحقيق سياستها في الشرق الاوسط ايضا تسهم في رغبتها بذل موارد في ساحات اخرى.
إن أول زيارة للرئيس اوباما (ومعه كل القيادة العليا من الادارة الامريكية) بعد انتخابه لولاية ثانية كانت لجنوب شرق آسيا، لتحقيق مضمون ‘التحول شرقا’ الذي أعلنه وللايماء الى أن الصلات الاقتصادية والامنية بهذه المنطقة شديدة الأهمية لمستقبل الولايات المتحدة. وقد تكون هذه الزيارة رمت ايضا الى الاشارة الى أن اهتمام الادارة وأكثر انشغالها سيخصصان في السنوات الاربع القريبة لهذه المنطقة.
بين ايران والربيع العربي
سيكون صرف النظر بعيدا عن الشرق الاوسط انحرافا عن السياسة الامريكية. ويمكن ان نزعم ان هذا التغيير بدأ في واقع الامر في الولاية الاولى لادارة اوباما، وعبر عنه في تقليل الجهود للدفع قدما بمسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية؛ وصعوبة وقف ايران عن امتلاك قدرة ذرية عسكرية؛ وفي العراق الذي أخذ يُثبت نفسه خارج مجال التأثير الامريكي؛ بل في البحث عن طريقة خروج سريع من افغانستان. واكتفت ادارة اوباما ايضا بـ’القيادة من الخلف’ في ليبيا وأحجمت حتى الآن عن الدفع بصورة فاعلة الى تنحية بشار الاسد في سورية، وقد يكون هذا هو الذي أفضى الى إطالة الحرب الأهلية هناك. ونتيجة هذه الاجراءات والتطورات هي ان حليفات الولايات المتحدة وعدواتها تستعد بل يتصرف بعضها وكأن الحديث هو عن الشرق الاوسط بعد الامريكي.
نصب الرئيس اوباما لنفسه هدفين رئيسين مع توليه منصبه، وهما جعل الولايات المتحدة ذات شعبية أكبر في الشرق الاوسط وسحب قواتها من هذه المنطقة من العراق أولا ومن افغانستان بعد ذلك. ووعد اوباما العالم الاسلامي في بداية ولايته الاولى بـ’بداية جديدة’، لكن المنطقة العربية في بداية ولايته الثانية (والعالم الاسلامي بعامة ايضا) بقيت مشحونة بمشاعر معادية لامريكا.
لم يكن الكثير من الجديد في سياسة الولايات المتحدة تحت حكم اوباما نحو الشرق الاوسط سوى ما كان يبدو في البدء تشددا في سياستها نحو حكومة اسرائيل، ولا سيما في قضية المستوطنات، ومحاولة خطابية في أساسها لمصالحة العالم الاسلامي. وانحصر التجديد إن وجد أصلا في محاولة انشاء اتصال بلاعبات ‘عاصيات’ ايضا كايران وسورية، والعمل قدما بوسائل متعددة الأطراف..
ما زالت الولايات المتحدة تدفع ضريبة كلامية لفكرة الدفع قدما بالديمقراطية في المنطقة التي ربما تكون الأقل ديمقراطية في العالم، لكنها حصرت عنايتها في سنوات ولاية الرئيس اوباما الاولى قبل كل شيء في محاولة اخراج قواتها من العراق اخراجا سهلا مع التخلي بقدر كبير عن التجربة الديمقراطية في هذه الدولة. وتزن الولايات المتحدة ايضا تسريع الجدول الزمني للانسحاب من افغانستان مع محاولة مضاءلة الاضرار بمصالحها، ومع الابتعاد عن محاولات تثبيت قابلية الحكم وتعزيز مؤسسات الدولة الافغانية في مواجهة تحدي طالبان. إن الاحداث في المنطقة العربية جعلت الولايات المتحدة تُعاود الالتزام (الذي أُهمل في أواخر ولاية الرئيس بوش الثانية) بالسعي الى الحرية السياسة وقدر أكبر من حقوق الانسان، بيد ان هذا الامر يبدو انه يُبعدها أكثر عن حليفاتها في المنطقة، ولا سيما الحكام الملكيين وفي المقدمة العربية السعودية الذين يخشون تغييرات عميقة في نظمهم الاجتماعية.
إن سياسة الولايات المتحدة في مسألة ‘الربيع العربي’ جعلت زعماء البلدان العربية يصبحون أكثر شكا مما كانوا في الماضي في الدعم السياسي الامريكي الذي سيُمنح لهم، اذا نشأ تهديد داخلي لحكمهم. وهذا الشك سيجعل من الصعب عليهم ان يلائموا أنفسهم في المستقبل بسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وسيضطرهم الى التفكير مرتين قبل ان يكونوا مستعدين للمخاطرة من اجلها، في مواجهة ايران أولا. إن فوز باراك اوباما بفترة ولاية ثانية أثار ردودا باردة في العالم العربي، الى جانب أمل ان يحدث تغيير مهم في سياسته الخارجية، اثناء هذه الفترة، ولا سيما توقع ان تترك الولايات المتحدة موقفها السلبي وتتخذ موقفا فعالا حثيثا لمواجهة نظام الاسد في سورية ولمواجهة ايران.
إن موجة الثورات في العالم العربي سرعت مسار تهاوي التأثير الامريكي في المنطقة، لأنها أفضت الى سقوط حكام كانوا حلفاء للولايات المتحدة، لكنها سببت ايضا زعزعة لعلاقاتها بالنظم التي بقيت قائمة على حالها. ولا يضمن صعود النظم الجديدة ايضا ‘شهر عسل’ في علاقاتها بالولايات المتحدة، فرغم وقوف الرئيس اوباما مثلا من وراء الجموع التي خرجت للتظاهر في مصر على الرئيس مبارك (ولم يفعل ذلك قبل سنتين في ايران) فان علاقات الولايات المتحدة بالرئيس الجديد مرسي ليست طيبة بصورة خاصة. إن الولايات المتحدة باركت في الحقيقة الانتخابات الديمقراطية في مصر، لكنها جاءت الى الحكم بحركة ورئيس ليس من الواضح مبلغ التزامهما بقيم الديمقراطية. وإن الولايات المتحدة ووسيلتها الرئيسة للتأثير في مصر بقيت المساعدة المالية (1.7 مليار دولار كل سنة) لا تراها عدوا لكنها لا تراها حليفة ايضا كما قال الرئيس اوباما.
لا شك في أن أعداء الولايات المتحدة واصدقاءها في الشرق الاوسط سيفسرون تغيير مركزها الاستراتيجي نحو الشرق بأنه تراجع آخر عن مراكز تأثيرها في الشرق الاوسط، وبصورة محددة بأنه ضعف خيارها العسكري في مواجهة ايران وتعبير عن عدم تأييدها للنظم الموالية للغرب التي بقيت على حالها. والولايات المتحدة منتبهة لهذه المشاعر ولهذا تبادر الى خطوات تصريحية وعملية معا كي تُخفف من قلق حليفاتها. وهي تعزز من اجل ذلك وجودها العسكري في الخليج وتوقع على صفقات ضخمة مع دول الخليج العربية وترسل موظفين رفيعي المستويات الى المنطقة مع ابرازها هذه الخطوات.
مركزية الشرق الاوسط
تعبر رغبة الولايات المتحدة في التخلي عن جزء من التزاماتها الدولية، عن ميل الى التمايز تضرب جذوره في التاريخ الامريكي. وقد ارتفعت في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة اصوات تزعم انه يجب عليها ان تحصر جهودها في علاج امراضها الداخلية، حتى على حساب مصالحها الدولية، وان تتقاسم العبء الامني مع حليفاتها وألا تشارك إلا في حروب ‘لا مناص منها’.
ما زالت توجد مسافة بعيدة بين تأكيد أكبر مما كان في الماضي لميدان المحيط الهادئ وبين ‘انفصال’ عن الشرق الاوسط. فليس الحديث عن ‘لعبة حاصلها صفر’ لأن الولايات المتحدة تستطيع ان تُظهر مشاركة في هذين الميدانين المركزيين على التوازي. والى ذلك بقي للولايات المتحدة عدة مصالح مركزية في أنحاء الشرق الاوسط لكل واحدة منها تأثير في التقديرات الامريكية وكل واحدة منها تتطلب متابعة دائمة واستعدادا امريكيا للتدخل وقت الحاجة. واليكم تفصيلها.
سوق الطاقة
تتغير خريطة الطاقة العالمية، بسبب زيادة استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة باستعمال تقنيات متقدمة. وقد يفضي هذا التغيير الى الاقلال من تعلقها بنفط الشرق الاوسط. وقد زاد انتاج النفط الامريكي في السنوات الاربع الاخيرة
بـ25 في المئة. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة (آي.إي.ايه) ان تسبق الولايات المتحدة روسيا والعربية السعودية وتصبح أكبر منتجة للنفط في العالم. لكن فكرة ان تكون الولايات المتحدة في يوم ما مستقلة تماما عن التعلق بنفط الشرق الاوسط ما زالت بعيدة عن التحقق. إن الولايات المتحدة تنتج الآن 60 في المئة من استهلاكها للنفط بنفسها ويتوقع ان تزود في نهاية العقد القادم كل ما تحتاج اليه من جهة الطاقة لكنها ستبقى آنذاك ايضا متعلقة بالاقتصاد العالمي. وقد يتضرر هذا ويضر بها ايضا اذا لم تستمر مصادر النفط في الشرق الاوسط في تزويد دول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند والصين بمطلوبها. ونقول من اجل التجسيد انه يوجد في الخليج الفارسي وحده 54.4 في المئة من اجمالي احتياطي النفط العالمي الثابت و40.5 في المئة من اجمالي كل احتياط الغاز العالمي الثابت. وعلى ذلك حتى لو لم تكن الولايات المتحدة متعلقة بالطاقة من الخليج للاستهلاك الذاتي، فانها ستبقى متعلقة باستقرار سوق الطاقة العالمية، وستضطر الى الاستمرار في الحفاظ على وصول حر للنفط من الخليج الفارسي. وإن أهمية موقف الولايات المتحدة وقوتها في هذه القضية قد ثبت حينما قررت في مطلع 2012، خلافا لموقفها من الشأن الذري الايراني، أن التشويش على حرية الملاحة في مضيق هرمز ‘خط احمر’ من وجهة نظرها. وللولايات المتحدة ايضا علاقات متميزة بدول الخليج وتاريخ نشاط في هذا الميدان يتأثر بعوامل اخرى عدا الحاجة الى الطاقة والحاجة الى الوصول الى اقتصاد الخليج ويقتضي ذلك وجودا امريكيا في المنطقة.
الانتشار الذري
حينما بدأ الرئيس اوباما ولايته كان أحد الأهداف المركزية التي وضعها لنفسه ان يدفع الى الأمام بفكرة نزع السلاح الدولي. لكن يبدو بالفعل انه يبتعد عن هذا الهدف فايران تريد ان تصبح من القوى الذرية وباكستان قوة من القوى الذرية غير مستقرة قد تنقل تقنية ذرية الى دول اخرى في المنطقة، بل قد تفقد السيطرة على مخزونها الذري. والى ذلك فان السلاح الذري في ايران قد يفضي الى توسيع الانتشار الذري في المنطقة، بحيث قد تبدأ دول اخرى العمل في مسار ذري عسكري. كانت الولايات المتحدة وما زالت أكبر قوة خارجية في المنطقة وهي الوحيدة القادرة على تأمين السلاح الذري الباكستاني ومعادلة قوة ايران ومحاولة منع توسيع الانتشار الذري. فقد بقيت صلتها بالشرق الاوسط عامة في سياق عدم انتشار السلاح الذري ضرورية اذا.
مسيرة السلام
عيّن الرئيس اوباما في ولايته الاولى مبعوثه الى الشرق الاوسط جورج ميتشل بعد أدائه اليمين الدستورية الرئاسية بـ48 ساعة فقط وذلك كي يؤكد التزام الادارة الجديدة بمسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية. وعرّف اوباما هذا الشأن بأنه ‘أولوية أمنية قومية’ بالنسبة لامريكا. ومع ذلك فان جهود الولايات المتحدة للدفع قدما بمسيرة السلام في السنوات الاربع الاخيرة لم تؤت أُكلها.. وإن زعم ان التقدم نحو تسوية سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين ستُسهل تحقيق السياسة الامريكية في العالم العربي عامة وفي مواجهة ايران خاصة، ما زال قوي الفعل في الولايات المتحدة.
دولة اسرائيل
تُعرّف علاقات الولايات المتحدة باسرائيل على نحو تقليدي بمصطلحات الواجب الاخلاقي، والقيم الحضارية والسياسية المشتركة والمصالح الاستراتيجية المشتركة. ورغم ذلك يوجد توجه ذو تأثير سلبي في العلاقات متصل بالمس بصورة القوة الاسرائيلية. فليس فقط ان اسرائيل لم تعد تُرى كنزا عند كثيرين في الولايات المتحدة، بل إن مراقبين مختلفين يعرضونها في السنوات الاخيرة على أنها عبء عليها. ورغم ذلك بقيت اسرائيل شريكة مهمة للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الارهابية والتهديدات العسكرية المتصاعدة، ويتشارك جيشا الدولتين في المعلومات الاستخبارية والنظريات القتالية، وبقيت اسرائيل حليفة مخلصة مستقرة تُسهم في الصناعة والامن الامريكيين بواسطة جهود تطوير مشتركة ايضا.
تهديد الارهاب
يُرى تهديد الارهاب للولايات المتحدة فيها أقل مما كان قبل 11 سنة. إن الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط لن ينهي الارهاب الجهادي المعادي لامريكا؛ بالعكس يبدو ان قوى اسلامية متطرفة تريد ان تدخل ‘الفراغ’ الذي نشأ بعد سقوط نظم الحكم العربية القديمة. وأصبحت ذراع القاعدة في اليمن تُعرف عند الولايات المتحدة بأنها أخطر ذراع بين أذرع المنظمة. والى ذلك يُثبت الهجوم على السفارة الامريكية في بنغازي في ليبيا الذي قُتل فيه سفير الولايات المتحدة في هذه الدولة، مبلغ زيادة الفترة الانتقالية بعد الثورة لتهديد القاعدة ومنه تهديدها في المغرب، زيادة على زيادة قوة أذرعها في العراق وفي سورية.
مبيعات السلاح
ما زالت الولايات المتحدة تحاول ان تقوي حليفاتها في المنطقة. وأبرز تعبير عن هذه السياسة تقريب هذه الدول من الوصول الى نظم سلاح امريكية متطورة ترمي الى مساعدتها على مواجهة تهديد ايران. إن بيع منظومات سلاح ووسائل قتالية من انتاج الولايات المتحدة طريقة لزيادة تأثيرها وهو تقدير جوهري عندها ولا سيما في ضوء الوضع الاشكالي للاقتصاد الامريكي. إن مقدار مبيعات السلاح الامريكي في السنوات الاخيرة لم يسبق له مثيل وهي مخصصة في أساسها لدول الخليج. فقد بلغت صفقات الولايات المتحدة في السنوات 2008 2011 مع العربية السعودية واتحاد الامارات 70 مليار دولار، بل ان الولايات المتحدة تخطط لتزويد بعض دول الخليج بطائرات حربية متقدمة كثيرة، مثل إف 15 إس.إي، ومنظومات دفاع جوي محكمة مثل تي.اتش.إي.إي.دي بل بسلاح موجه دقيق. لكن استعداد دول الخليج لأن تواجه ايران بصورة فعالة يتعلق بثقتها بالتزام الادارة الامريكية ان تخرج للدفاع عنها وهو التزام سيؤثر في التقدير الامريكي قبل الهجوم على ايران.
الخلاصة
إن الشرق الاوسط جبهة مركزية في مواجهة الاخطار المتوقعة للولايات المتحدة والتوجهات التي تلوح تباشيرها فيه قد تزيد في أهميته باعتباره ميدان أحداث حاسمة بالنسبة للأمن القومي الامريكي. والشيء غير الواضح هو مبلغ كون الاستراتيجية التي استعملتها الولايات المتحدة في السنوات الاربع الاخيرة والتي تتشكل اليوم، ناجعة لمواجهة هذه التحديات. وسواء أكان بعض التوجهات التي وصفت آنفا تنبع من مذهب الرئيس اوباما السياسي أو تتصل بالوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، أم كان الحديث عن رد على خيبة أمل الولايات المتحدة من الدفع قدما بسياستها في الشرق الاوسط، فان الادارة الامريكية توحي الى المنطقة أنها ليست في مقدمة اهتماماتها كما كانت في الماضي. وإن حقيقة ان التغيير المرتقب لترتيب الأولويات الامريكي سيمتد عشر سنوات تخفف شيئا ما من وخزه، لكن رغم ذلك ينبغي ألا نتجاهل ان الحديث عن تغيير حاد قد تكون له آثار في الأمد البعيد على اسرائيل ايضا التي تُعد الولايات المتحدة دعامة رئيسة لها.
‘ تقدير استراتيجي ـ المجلد 15 ـ العدد 4 ـ2013