التعددية وأزمة الحركة الطالبية

بقلم: 

تواجه الحركة الطالبية العربية في الجامعات الإسرائيلية أزمة سببها الرئيس اتساع التعددية الحزبية. فمنذ العام 2008 غابت لجان الطلاب العرب في جميع الجامعات، ولم يتم انتخاب لجان جديدة، إلا في جامعة حيفا التي انتخبت فيها لجنة، في العام 2010، واستمر عملها أقل من عام.

إن حال لجان الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة غير مسبوق. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، بعد نشوء الحركة الطالبية، كان يتم انتخاب لجان الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية: (الجامعة العبرية في القدس، جامعة تل أبيب، جامعة حيفا، جامعة بن غوريون في بئر السبع، جامعة بار إيلان ومعهد الهندسة التطبيقية «التخنيون»)، وكانت هذه اللجان تثير حراكا نشطا بين الطلاب الجامعيين العرب. وفي سنوات السبعين وبداية سنوات الثمانين كانت تنشط حركتان طلابيتان عربيتان، هما الحزب الشيوعي ولاحقا جبهة الطلاب العرب وحركة «أبناء البلد» الراديكالية. وكانت هاتان الحركتان تتناوبان في بعض الجامعات على رئاسة اللجان الطلابية، التي يتم انتخابها في كل عام وتستمر ولايتها لعام واحد. وفي بداية الثمانينيات، انضمت إلى هاتين الحركتين مجموعة تابعة للحركة التقدمية، التي حصلت على مقعدين في الكنيست في العام 1983، لكن هذه الحركة ـ الحزب اختفت في نهاية الثمانينيات.

بعد تأليف حزب التجمع الوطني الديموقراطي في العام 1995، بدأت تنشط في الجامعات حركة طلابية باسم التجمع الطلابي، وانضمت إليها القوى التي انضمت إلى حزب التجمع، وبينها الحركة التقدمية وحركة «أبناء البلد». وفي أثر ذلك، صارت هناك في الجامعات حركتان طلابيتان تمثلان الجبهة والتجمع. وفي هذه الأثناء، نشطت بين الطلاب العرب في الجامعات «حركة العمل الإسلامي»، وهي تابعة للحركة الإسلامية ـ الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح. وفي منتصف العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين قررت هذه الحركة المشاركة في انتخابات لجان الطلاب العرب تحت اسم حركة «اقرأ» الطلابية. والجدير بالإشارة هو أن لجان الطلاب العرب تكاد تمثل ثُلث الطلاب الجامعيين العرب في الداخل الفلسطيني. إذ يدرس في الجامعات الإسرائيلية قرابة عشرة آلاف طالب عربي، وعشرة آلاف آخرين يدرسون في الكليات، التي يحظر النشاط السياسي فيها، وهناك عشرة آلاف طالب يدرسون في الجامعات الأردنية، ويوجد نحو ألفي طالب يدرسون في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية.

 

تعددية حزبية وتراجع الأداء

 

 

قال فادي أبو يونس مركز جبهة الطلاب العرب، لـ«ملحق فلسطين»، إن «سبب عدم وجود لجان طلاب عرب في الجامعات، خلال السنوات الأخيرة، هو عدم تمكن أي من الحركات الطلابية الفاعلة على حسم الانتخابات. وهذا الوضع يستدعي إقامة ائتلافات، لكن الأجسام الموجودة في الوسط لا تقبل التحالف».

من جانبه، قال الناشط في التجمع الطلابي، ربيع عيد، إن «المرة الأخيرة التي جرت فيها انتخابات للجان الطلاب العرب في الجامعات كانت في العام 2007. وأفرزت النتائج ثلاثة تيارات أساسية هي: التيار القومي الديموقراطي وهو التجمع، التيار الإسلامي ممثلا بحركة اقرأ، والتيار الشيوعي أو العربي ـ اليهودي الممثل بالجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة. ولم يكن بإمكان أي حزب أن يشكل لجنة إلا إذا شكل ائتلافا. وقد نشأت هذه الحالة بعد دخول التيار الإسلامي إلى لجان الطلاب العرب. وما حدث هو أنه كانت هناك مشكلة دائمة في تشكيل ائتلاف بين التيارين الشيوعي والإسلامي. وتوجه كلا التيارين إلى التجمع وطرحا ائتلافا شاملا برئاسة التجمع. لكن هذا لا ينجح لأن قوة أحد التيارين كبيرة في بعض الجامعات وضعيفة في جامعات أخرى. ولذلك لم تجر بعد ذلك انتخابات في الجامعات، إلا في جامعة حيفا، في العام 2010. وقد تم تشكيل ائتلاف من القوى الثلاث، وبعد عام انتهت ولاية اللجنة ولم تجر انتخابات أخرى».

وأشار أبو يونس إلى أسباب عدم إمكانية تشكيل ائتلافات، وبينها «انعدام الثقة بين الأحزاب الفاعلة في الساحة الطلابية. وكل حزب يريد الذهاب إلى الانتخابات في التوقيت المريح له». لكن عيد رأى أن أحد أسباب هذا التراجع في الحركة الطلابية هو أن انتخابات لجان الطلاب العرب «تحولت إلى انتخابات بين الأحزاب القطرية. وكنا نرى في يوم الانتخابات وصول عدد كبير من نشطاء هذه الأحزاب، من خارج الجامعة، ويمارسون ضغوطا على الطلبة من أجل التصويت لحزب معين. وبذلك أصبح تشكيل لجان الطلاب قرارا بأيدي الأحزاب القطرية وليس بأيدي الحركات الطلابية». كذلك دعا عيد إلى تغيير دستور لجان الطلاب العرب «الذي وضعه ممثلو الحزب الشيوعي في السبعينيات».

 

نشاط فئوي وتأثير أقل

 

 

أكد الناشطان أبو يونس وعيد على أن غياب لجان الطلاب في الجامعات يؤثر سلبا على نفسية الطلبة العرب. لكنهما أشارا إلى أن الحركة الطلابية ما زالت نشطة في الجامعات، إلا أن هذه غالبا ما تكون أنشطة فئوية، بمعنى أن كل واحدة من الحركات تنظم أنشطة لوحدها، وقلما يتم تنظيم أنشطة وحدوية.

وقال أبو يونس إن جبهة الطلاب العرب نظمت أنشطة منفردة، بمشاركة طلبة يهود يساريين وتقدميين، مثل إحياء ذكرى النكبة و«يوم الطالب البديل»، وهو بديل عن يوم الطالب الذي تنظمه لجنة الطلاب العامة، اليهودية، في الجامعات، ومعارض فنية وما إلى ذلك، بمشاركة مئات الطلبة. كذلك نظم التجمع، وإن كان ذلك بمشاركة اقل، العديد من الأنشطة.

وأكد الناشطان على أنه تم تنظيم نشاط وحدوي متعدد الوجوه مثل تظاهرات ضد العدوان على غزة في العام الماضي وفي نهاية العام 2008. وعلى الرغم من الأزمة التي تواجهها الحركة الطلابية بشكل عام، إلا أنها كانت السباقة في المجتمع العربي إلى التظاهر ضد العدوان.

يشار إلى أنه عندما نظمت الحركات الطلابية تظاهرات ضد العدوان على غزة، في شهر تشرين الثاني الماضي، استدعت إدارة الجامعة الشرطة، التي حشدت قوة كبيرة لقمع التظاهرة في الحرم الجامعي. وللمقارنة، فإنه عندما استدعت جامعة حيفا الشرطة لقمع تظاهرة ضد اجتياح لبنان في العام 1982، أقامت لجان الطلاب العرب الدنيا ولم تقعدها، لأن دخول الشرطة إلى حرم جامعي هو من المحظورات. ونظمت لجان الطلاب حينذاك أنشطة تضامنية وندوات في العديد من المدن والقرى العربية. لكن بعد استدعاء الجامعة للشرطة العام الماضي، فإنها طالبت الحركات الطلابية بدفع تعويض مالي على دخول الشرطة بمبلغ 12 ألف شيكل! وقد دفع التجمع الطلابي و«اقرأ» المبلغ، فيما رفضت جبهة الطلاب أن تدفع أي قرش.

 

لا حل في الأفق

 

 

مع أن الطلبة الجامعيين العرب في الجامعات هم قطاع كبير ونوعي، إلا أنه غير ممثل، في السنوات الأخيرة، في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية التي تعتبر الهيئة التمثيلية الأعلى للأقلية العربية. من جهة، يمكن الادعاء بأن الحركة الطلابية ليست موحدة، ولذلك ليست ممثلة في «المتابعة». لكن من الجهة الأخرى، يمكن إلقاء اللوم على «المتابعة» وقيادتها لأنها لم تفعل شيئا من أجل لمّ شمل الحركة الطلابية وتشكيل إطار وحدوي يحافظ على التعددية الحزبية ـ الفكرية، وإهمالها لهذا القطاع النوعي. ففي العام 1976، كان للطلبة الجامعيين دور كبير وهام في إعلان لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، خلال اجتماعهم الشهير، عن الإضراب الشامل في يوم الأرض الأول.

إلا أنه وفقا للناشطين، لا يلوح في الأفق حل لأزمة الحركة الطلابية. وقال عيد إن «الساحة الطلابية لا تشهد الآن أي تحرك جدي من أجل تشكيل لجان طلاب عرب. لكني آمل أن هذا سيحصل في المستقبل».

وأكد أبو يونس أنه لا يرى «في المرحلة الحالية أن ثمة إمكانية للقيام بشيء في هذا الاتجاه. وفي نهاية الأمر، لجان الطلاب هي أدوات تخدم وتساعد، ونجحت في ذلك في الماضي. ليت هذه الأداة موجودة الآن. لكني أرى أنه في المرحلة المقبلة ستكون هناك محاولة لبناء أرضية تمهد لإعادة تشكيل هذه الأدوات مجددا».

 

* كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في مدينة الناصرة.

 

المصدر: 
السفير