وعود اقتصادية خطيرة

بقلم: دانيال دورون

نحن نغضب وبحق حينما يخل ساسة بوعود للناخب. لكن من حسن حظنا في مرات كثيرة أنهم غير قادرين على الوفاء بما يقولون.

اليكم مثلا عددا من تصريحات اعضاء الكنيست الجدد: فقد قال ايتسيك شمولي من حزب العمل انه سيعمل على زيادة الدعم المالي لطلاب الجامعات الذين كان يمثلهم الى الآونة الاخيرة. ولم يأخذ في حسابه ان استعمال هذا الدعم الاقتصادي سيسبب لطلاب الجامعات ضررا ثقيلا في المستقبل. فحينما يعمل الطلاب ويدفعون ضرائب سيضطرون الى الانفاق على دعم أجيال طلاب الجامعات التالين الذين سيكونون أكثر كثيرا. وسيدفعون بالفائدة المضاعفة عما "أحرزه" شمولي من أجلهم.
إن زعم شمولي انه لا يدفع قدما بمصلحة طلابية فئوية بل يبحث عن "العدل الاجتماعي" (الذي لا يستطيع أحد ان يعرفه) ساعده على بناء حياة سياسية. لكن أي "عدل اجتماعي" يسمع حينما يضطر أبناء الفقراء الذين يحتاجون الى مساعدة على تحصيل الرزق بدل الدراسة في الجامعة، الى أن يمولوا بضرائبهم الدفع قدما بحياة طلاب الجامعات الذين يكون أكثرهم من عائلات حالها جيد؟ ولماذا نأخذ الغد في الحسبان حينما يمكن ان نحصل اليوم على شيء ما "بالمجان" مثل "تربية بالمجان" – وهي الخدعة الكبيرة التي تضطر آباءا الى ان يمولوا بضرائب مرتفعة تربية فاشلة وان ينفقوا بعد ذلك مالا جما على "استكمالات" لاصلاح الضرر الذي أحدثته التربية "المجانية"؟.
وماذا عن طلب "المساواة في العبء" الذي لا معنى له على ألسنة أكثر اعضاء الكنيست الجدد؟ هل يوجد حقا تساوي في العبء حتى بين المجندين؟ وهل يتحمل جندي في الكرياه نفس العبء مثل جندي مقاتل، وهل يمكن ان توجد مساواة حقيقية بين من ولد في سفيون ومن نشأ في سدروت؟ وهل يمكن أصلا احراز "مساواة" في شأن ما حينما يكون البشر وقدراتهم وحاجاتهم مختلفين كثيرا؟ انه لا يمكن حتى وللأسف تحقيق التساوي في الفرص والتساوي المطلوب جدا أمام القانون.
إن اعضاء الكنيست الجدد مصابون مثل أكثر الاسرائيليين بوهم ان الحكومة قادرة على ادارة جهاز اقتصادي وعلى الافضال على الشعب برغم ان حكومات اسرائيل مسؤولة عن حقيقة ان الجهاز الاقتصادي المحلي صاحب أفضل ثروة بشرية في العالم والذي أنفق عليه أكثر من 300 مليار دولار، هو جهاز اقتصادي غير قادر على ان يدفع الى عماله ذوي الخبرات سوى أجرة بائسة لا تمكن من انهاء الشهر.
بل يؤمن حتى عضو الكنيست اريئيل مرغليت، وهو صاحب مشاريع ناجح في الماضي، بأن الحكومة قادرة على ان تحرك "خطة استثمارات ونمو وعمل"، ويتجاهل المحاولات المكررة الفاشلة لتطوير النقب والجليل بنفقات ضخمة دفن أكثرها. وحينما تحاول الحكومات تطوير اماكن بتحويل كثيف للمال يقسم آخر الامر بحسب حاجات سياسية على "ذوي الارتباط" والمصانع الفاشلة. وتميز المصانع الناجحة تمييزا سيئا ويحل التحطيم محل التطوير.
وعلى العموم هل يستطيع موظفو الحكومة والاكاديميون مهما يكونوا "ذوي خبرة" ان يبادروا الى اعمال ويديروها؟ وهل يحمي القطاع العام في الحقيقة المصلحة العامة (التي يصعب تعريفها لأن للمجموعات المختلفة مصالح مختلفة ولهذا توجد سياسة ايضا)؟ لكن اعضاء الكنيست الجدد مثل ميخال روزين من ميرتس يؤيدون "وقف الخصخصة" (التي لم تتم في هذه البلاد قط؛ ومسار بيع الاملاك بقروش الذي عزز التركيزية في الجهاز الاقتصادي في مقابل هدف الخصخصة الذي هو تفريق الملكية وتشجيع المنافسة). ولا تنبع معارضتها للخصخصة من فشل الخصخصة التي لم توجد بل من ايديولوجية اشتراكية تؤمن بأن الحكومة تهتم بالمصلحة العامة، أما المصلحة الخاصة فهي "مستغلة" (هذا صحيح في اسرائيل لأنه لا يوجد فيها قطاع خاص تنافسي). وإن تغليب السياسة على الاقتصاد لا يحدث إلا بيروقراطية واحتكارات تسيء حال العمال.
إن كل "الجدد" تقريبا وحتى عضو كنيست قديرة مثل اييلت شكيد من البيت اليهودي يسجدون للبقرة المقدسة وهي الحفاظ على النفقات المضخمة على التربية والرفاه. وهم يتجاهلون حقيقة ان وزارة التربية وبيروقراطيتها المضخمة الباهظة الكلفة تفشل التربية فقط. أولا يعلمون ان توسيع جهاز الرفاه المبذر الذي يذهب الجزء الأكبر من نفقاته الى بيروقراطية متشعبة لا الى مساعدة الفقراء يوجب جباية ضرائب مرتفعة تعوق النمو وتقلل الحافز الى العمل والأجور وتوسع دائرة العمال الذين يحتاجون الى مساعدة؟.
يا اعضاء الكنيست الأجلاء أنظروا من فضلكم الى الدمار الذي أحدثه تجاهل تقديرات اقتصادية في دول كثيرة وتفضلوا بأخذها في الحسبان. فالنوايا الخيرة وحدها من غير تمسك بالواقع لا تسبب سوى التهاوي الاقتصادي فقط وبخاصة حينما تضرب الازمة الاقتصادية العالمية المتوقعة اسرائيل.

اسرائيل اليوم