الحرب المقبلة .. كلبنان الثانية مضروبة بـ 10

عاموس هرئيل

منذ كانت حرب لبنان الثانية حصلت الجبهة الداخلية الاسرائيلية على مكانة تختلف تماما في نظر الجهاز الأمني. فقد حسمت الصواريخ الـ 4200 التي سقطت داخل اسرائيل في ايام القتال الـ 34 الأمر نهائيا. وأصبح واضحا منذ ذلك الحين كما يعلم ذلك جيدا أطراف الصراع جميعا أن كل معركة كبرت أو صغرت ستكون مصحوبة باطلاق كبير لصواريخ وقذائف صاروخية على الجبهة الداخلية في الدولة.
وتغيرت منزلة قائد الجبهة الداخلية، المسؤول الرئيس عن علاجها، حسب ذلك. وما زال هذا منصبا يكمن فيه خطر مهني كبير (فقد اضطر قائد الجبهة الداخلية في حرب لبنان اسحاق غرشون للاستقالة على أثرها)، لكن مركزيته ما عاد يشك فيها. ولا يقترن به مقابل ذلك مجد كبير. ففي الجبهة الداخلية لا توزع أوسمة شجاعة. وفي حين يرسم قادة آخرون في خيالهم مداورات حاسمة في عمق ارض العدو، يجب على قائد الجبهة الداخلية ان يغرق نفسه في أدق التفاصيل مثل إمداد الاطفال بالحليب وترتيب الأسرة في المستشفيات الميدانية في حال الحرب. ولهذا يذكرنا حديث مع قائد الجبهة الحالي إيال آيزنبرغ قليلا باسم مسرحية حانوخ ليفين "أنتِ وأنا والحرب المقبلة".
ليس عند آيزنبرغ مثل أسلافه أوهام تتعلق بطبيعة المواجهة. وهو لا يريد ان يشغل نفسه بالتخويف كما قال في مقابلة صحفية مع صحيفة "هآرتس" وإن يكن الوضع "لن يكون سهلا في الحرب التالية. ولو استطعت أن ألون هذا بالألوان الصحيحة من اجل المواطن لكنه ليست لي نقطة مرجعية. سيكون ذلك شيئا مختلفا. فقد تخلى أعداؤنا عن توجه الحسم الذي كان يهديهم في حروب الماضي وتبنوا في السنوات الأخيرة توجه الاستنزاف. وأنت ترى مسارا مذهلا للتسلح بقذائف صاروخية وصواريخ كل الهدف منها اصابة الجبهة الداخلية في دولة اسرائيل. وهذا تغير دراماتي".
رغم ان حرب لبنان الثانية التي قاتل فيها آيزنبرغ قائدا لفرقة انتهت بنتائج مختلطة، ما زال حزب الله يرى ان اطلاق القذائف الصاروخية على الجبهة الداخلية الاسرائيلية نجاح نسبي. "هذه أخف نفقة بالنسبة اليه، فهذه وسائل قتالية بسيطة تحدث أثرا كبيرا نسبيا بكلفة ضئيلة. وهو يشتري استمارة تأمين بسعر منخفض. كان حزب الله قبل 2006 قادرا على اطلاق 500 رأس صاروخي على غوش دان. ولم يحدث ذلك لأن سلاح الجو الاسرائيلي دمر صواريخ فجر الايرانية في أول ليالي الحرب بعملية "وزن نوعي"، وقصفت صواريخ مدى أبعد وهي الزلزال في الأيام التي تلت ذلك. وهو قادر اليوم على ان يطلق على مركز البلاد من القذائف الصاروخية عشرة أضعاف ذلك – وستكون رؤوس الصواريخ أثقل وأدق ايضا".
ومعنى هذه المعطيات الجافة انه اذا نشبت حرب مع حزب الله فان "غوش دان ستقع تحت رشقات صاروخية كثيفة. ويملك حزب الله نحو خمسة آلاف رأس صاروخي تبلغ أوزانها بين 300 كغم الى 880 كغم. وأقدر ان تكون الأيام الاولى صعبة جدا. وأنا أستعد لسيناريو يطلق فيه على الجبهة الداخلية أكثر من ألف صاروخ وقذيفة صاروخية كل يوم قتال".
ويقول آيزنبرغ ان اسرائيل لا تبحث عن مواجهة عسكرية كهذه "ولن تكون هذه الحرب مجدية على الطرف الثاني ايضا. فاسرائيل تعرف كيف تحدث ضررا كبيرا بأعدائها أكبر بدرجات مئوية مضاعفة مما يستطيعون إحداثه لنا"، بواسطة سلاح أكثر تدميرا ودقة يملكه سلاح الجو الاسرائيلي. "وسيضطر العدو الى ان يختار هل يريد ان يرى انقاضا حينما يخرج من الملاجيء الحصينة بعد انتهاء الحرب. والمشكلة هي ان الطرفين في النهاية سيخرجان مجرحين من هذه الحادثة وإن كنا نستطيع اعادة بناء أنفسنا بسرعة أكبر".

نكث عهد
قبل نحو سنة ونصف السنة، في ذروة الجدل العام بشأن ضرورة الهجوم على ايران، زل لسان وزير الدفاع آنذاك ايهود باراك في مقابلة مع صوت الجيش الاسرائيلي بقوله: "لن يكون في أي سيناريو حتى 500 مصاب في الجبهة الداخلية" نتاج حرب صواريخ. وثبت ذلك الكلام في الذاكرة العامة بصفة تنبئ بعدد القتلى لكن باراك كان يقصد في واقع الأمر القتلى والجرحى واعتمد على تقديرات باحثين في العمليات العسكرية في جهاز الأمن.
ويعترف آيزنبرغ قائلا: "إننا نفحص هل نصدق هذا من جديد (بمعنى اعادة فحص الحسابات). وأخذ التهديد يتغير أمام أعيننا. في المعركة التالية قد يوجد في البدء وضع يقع فيه قتلى من المدنيين في الجبهة الداخلية عدد أكبر من الجنود القتلى في الجبهة الأمامية"، يتنبأ ولا يدقق تماما – وحدث هذا في واقع الأمر في الانتفاضة الثانية بسبب هجوم العمليات الانتحارية الفلسطينية في الجبهة الداخلية.
ويقول قائد الجبهة الداخلية ان هذا سيكون على نحو ما "نكثا لعهد الدولة مع المواطن الذي علم دائما انه في الجبهة الخلفية وسيجد نفسه فجأة في جبهة أمامية ثانية. لن نستطيع الثبات في الحرب بالوسائل العسكرية فقط. ولهذا يجب علينا ان نعالج كثيرا الصمود وقدرة المواطنين على الثبات زمنا طويلا، وأفضل ألا أشغل نفسي بالتخويف بل بالتدريب والتمرين اللذين يحدثان علما عند المواطنين ويبثان الأمن ويبنيان قدرة على مواجهة التحدي. في جنوب البلاد تعلموا مواجهة تهديد القذائف الصاروخية من غزة ولا أقول إنهم تعلموا العيش لا سمح الله فليس من السوي معايشة الصواريخ لكنهم يعلمون كيف يواجهون لحظات الأزمة. واذا نشبت حرب يمكن بمساعدة سلوك صحيح للمواطنين إنهاؤها مع أقل من مئات القتلى الذين يتحدثون عنهم في السيناريوهات. إن طاعة التوجيهات التي صدرت في الماضي في معارك سابقة أنقذت حياة كثيرين. واليوم، بعد اطلاق الصواريخ على تل ابيب زمن عملية عمود السحاب في تشرين الثاني الأخير أظن انه أصبح يوجد عند سكان المركز ادراك لمبلغ محسوسية التهديد".
منذ الخريف الأخير قل الاشتغال الاعلامي بامكانات الهجوم على ايران، لكن ازداد الخوف من ان يفضي تدهور الحرب الأهلية في سوريا في نهاية الأمر الى تصعيد بين اسرائيل وحزب الله. وأفضى قصف قافلة كانت تنقل صواريخ مضادة للطائرات متقدمة من سوريا الى حزب الله (لم تعترف اسرائيل رسميا بالمسؤولية عنه) الى زيادة الاشتغال بذلك. ويقول آيزنبرغ إن تقدير الجيش الاسرائيلي الاستخباري لا يرى حربا يبادر اليها جيش عربي، لا يراها احتمالا معقولا، "لكن كمية البخار المشتعل في المنطقة ازدادت جدا. وهناك احتمال عال لأن يحرق ثقاب ضال ما الشرق الأوسط. قد يوجد تعقد تكتيكي يفضي الى معركة شاملة. نحن قلقون جدا لكن هذا جزء من عملنا. ومن أجل هذا ايضا يدفع مواطنو اسرائيل ضرائب كثيرة. يجب ان يستمر المواطن بحياته كالمعتاد". اذا بدأت حرب وحينما تبدأ، "سيضطر كل مواطن للادراك انه تحول الى جندي في هذه المعركة – بسلوكه الشخصي وبصورة كلامه وباظهار المنعة والتصميم وقتا طويلا".
رغم المتابعة الجارية التي تقوم بها الأجهزة الاستخبارية في الغرب والمنطقة، ومنها أذرع اسرائيل الأمنية، لمصير مخزون السلاح الكيميائي لنظام الأسد في سوريا فان آيزنبرغ "لا يرى حربا كيميائية مدبرة علينا. هل يمكن ان يصل سلاح كيميائي ما الى أيد غير صحيحة ويستعمل؟ هذا مؤكد. وهل يوجد احتمال ما لهجوم "ارهابي" غير تقليدي في المستقبل؟ نعم بلا شك. لن يهزم هذا دولة اسرائيل فنحن نعلم كيف نعالج هذا النوع من الأحداث ونحن مستعدون له".
رغم ازدياد خطر استعمال السلاح الكيميائي، امتنعت الحكومة عن قرار إفراد نفقة اخرى لشراء أقنعة واقية (زود أقل من 60 في المئة من الجمهور اليوم بأقنعة ملائمة). ورغم ان قيادة الجبهة الداخلية أوصت بذلك في الماضي، يعلم آيزنبرغ ان احتمالات تحقيق توصيته ضعيفة. "اذا سألتني أين أضع أول شيقل اضافي لي"، يقول، "فانني أختار الانذار". وصيغت في قيادة الجبهة الداخلية خطة تضمن انذارا أكثر تركيزا باطلاق الصواريخ الى مستوى صافرة تسمع في نطاق بضعة كيلومترات مربعة فقط وتمكن من حياة طبيعية نسبيا في مناطق اخرى زمن اطلاق الصواريخ. والعائق كالعادة مالي فكلفة الخطة التي تقوم في أكثرها على تحسين برنامج في نظام الحواسيب الموجود تقف على 388 مليون شيقل. وآيزنبرغ على يقين من ان هذا العمل قد يأتي بفائدة اقتصادية ويرد كلفته في سنين قليلة. "فكر فقط في الجدوى على الاقتصاد اذا استطعت منع وقوع المصانع في شلل".

التسريب ممكن
كانت عملية عمود السحاب آخر جولة قتال أطلقت فيها قذائف صاروخية على الجبهة الداخلية، فقد أطلقت نحو 1500 قذيفة صاروخية من غزة في ثمانية ايام؛ وقتل ستة اسرائيليين منهم جنديان واربعة مدنيين نتاج اطلاق الصواريخ. وتلقت المدن الكبيرة في الجنوب – بئر السبع وعسقلان وأسدود وسدروت – جزءا كبيرا من اطلاق الصواريخ. واعترضت بطاريات القبة الحديدية بنجاح نحو 85 في المئة من القذائف الصاروخية التي كانت تشكل خطرا. ويحذر آيزنبرغ من استنتاج استنتاجات بشأن طبيعة مواجهة أوسع. "كانت تلك عملية صغيرة في مواجهة عدو ذي قدرة هجومية محدودة، رغم ان معدل القذائف الصاروخية اليومي التي أطلقت من غزة كان أكثر كثيرا من المعدل في الرصاص المصبوب أو من معدل اطلاق الصواريخ من لبنان في 2006".
ومكنت جولة القتال قيادة الجبهة الداخلية من ان تفحص لأول مرة في نطاق كامل عن تصورها العملياتي. ويقول قائد الجبهة الداخلية ان السلطات المحلية أدت عملها بصورة جيدة. "أظهر رؤساء السلطات مسؤولية وصلابة. وأصبح للمستوى السياسي مجال مداورة واسع. ولم يستعمل أي ضغط على رئيس الوزراء لأنهاء المعركة في وقت أسرع مما كان ضروريا. وحينما أنظر الى بلدية بئر السبع مثلا فانها تستحق الثناء عليها. فبعد 20 دقيقة من سقوط صاروخ وصل الى المكان قائد الواقعة من قبل البلدية التي أصلح ناسها الأضرار وأعادوا النظام الى ما كان عليه. ويدرك رؤساء السلطات ان المنعة الوطنية لا يمليها قرار حكومة بل تبدأ بالمواطن ثم بالقيادة المحلية".
ويقول آيزنبرغ انه في بدء العملية "كانت عندنا معضلة كبيرة، فقد علمنا أنهم يستطيعون اطلاق الصواريخ على غوش دان. فهل نعلن وضعا خاصا في الجبهة الداخلية في شريط يبلغ 80 كم أو 40 عن غزة؟ من الواضح لي ان منعة اسرائيل الوطنية مرتبطة ايضا بالقدرة على حفظ التسلسل الأدائي والامتناع عن اضرار مبالغ فيه بالجهاز الاقتصادي.
"
بتوصية منا أعلن وزير الدفاع باراك وضعا خاصا في الاربعين كيلومترا القريبة من القطاع فقط، وفي الاربعين كيلومترا التالية هيأنا السكان لامكانية اطلاق صواريخ. وحينما أطلقت قذائف صاروخية لم يتفاجأ المواطنون في غوش دان. كان اطلاق الصواريخ على غوش دان محاولة لبث الرعب. لكن حماس اطلعت على جبهة داخلية مختلفة، فقد تصرف المواطنون بصورة رائعة وبين سلوكهم ان المجتمع الاسرائيلي ليس مبنيا من خيوط عنكبوت. وعبرت عن المنعة خاصة المقاهي المفتوحة في غوش دان".
اجتذبت أكثر الانتباه زمن العملية منظومات اعتراض القذائف الصاروخية. "رأى المواطنون ان المواجهة أقل كثافة مما كانت بالفعل بسبب نجاح منظومة القبة الحديدية. لكن يجب ان نتذكر ان البطاريات تدافع عن مناطق محددة فقط لا سيما المدن الكبيرة. وحسب فرضنا الأساسي ما زلنا نعمل مع عدم حماية فعالة. وتعطى توجيهات دفاع المواطن عن نفسه وكأنه لا توجد منظومات كهذه. ونحن لا نتحدث عن نجاح بدرجة 100 في المئة لأنه يمكن ان تتسرب آخر الأمر قذائف صاروخية. ولهذا أقول للمواطن الى جانب استعمال منظومة الاعتراض: أدخل المجال المحمي لأنه يمكن ان تصيبك الشظايا ايضا".
كانت البطاريات العملياتية الخمس من منظومة القبة الحديدية كافية بصعوبة لمنح أكثر السكان في جنوب البلاد وغوش دان وقت عمود السحاب حماية من الصواريخ. ولن يكون هذا كافيا في مواجهة مع حزب الله الذي يملك من القذائف الصاروخية أكثر بكثير مما تملك الفصائل الفلسطينية في غزة. ويتجادلون في جهاز الأمن منذ سنوات بمكان نشر البطاريات وقت الحرب. ويعرض آيزنبرغ لأول مرة موقف قيادة الجبهة الداخلية في هذه الحالة: "أوصي بالدفاع عن التسلسل الأدائي للدولة وعن القدرة على الابقاء على جهد هجومي للجيش الاسرائيلي زمنا طويلا حتى يتم النصر في الحرب. ويعني هذا الدفاع عن محطات توليد الطاقة وقواعد سلاح الجو قبل المدن الكبيرة. ونستطيع في المستقبل ان نفعل هذا وذاك معا. لكن الصحيح الآن مع مقدار قوات البطاريات وصواريخ الاعتراض التي نملكها أننا سنحتاج الى استعمال ترتيب أولويات للموارد. وسنضطر لاتخاذ قرار صعب وصحيح وواضح. ونستطيع بعد ذلك ان نمنح أكثر سكان الدولة في المناطق المهددة الحماية، لكن هذا سيحدث مع وجود 10 بطاريات اعتراض زائدة ولسنا كذلك الى الآن".
تقرر في جهاز الأمن شراء 10 بطاريات بمساعدة أميركية، لكنه ستمر سنتان في أحسن وضع الى ان تنشر 10 بطاريات عملياتية.

هآرتس