أوسلو لم يمت

بقلم: يورام دوري
"اوسلو مات منذ سنوات عديدة، لكنهم نسوا فقط التبليغ عن ذلك للشعوب وللزعامات"، كتب ابراهام بورغ في مقاله ("اوسلو مات، ماذا بعد؟"، "هآرتس" 25/3)، ولا يوجد خطأ أكبر من هذا. اوسلو لم يمت. اوسلو حي وسيواصل الحياة لأن "اوسلو" ليس فقط اتفاقا، بل اعترافا بالواقع، حتى لو كان هذا واقعا أليما.
اوسلو هاعتراف بحقيقة ديمغرافية وسياسية غير لطيفة، صعوبة ايجاد حلها لا تقل عن صعوبة العيش معها. لكن اوسلو هو الاستمرار الطبيعي للمشروع الصهيوني، للحفاظ على سيادة يهودية ووجود اسرائيل كدولة ديمقراطية.
في عيد الفصح بالذات من المهم التذكر ان اتفاقات اوسلو كانت ايضا خيارا أخلاقيا: اسحق رابين الراحل وشمعون بيريس توجها الى هذا المسار لأنهما لم يريا في الشعب اليهودي شعب أسياد. اسرائيل غير الأخلاقية، كما فكرا، ليست دولة قومية جديرة بالشعب اليهودي. كل بديل لاتفاق اوسلو يعرض للخطر كون اسرائيل وطنا قوميا للشعب اليهودي أو وجودنا كدولة ديمقراطية أو حتى كليهما.
20 سنة مرت منذ توقيع الاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومنذئذ اقيمت السلطة الفلسطينية، كان هذا في أواخر الانتفاضة الشعبية الاولى لسكان المناطق ضد الاحتلال الاسرائيلي. الانتفاضة هي التي صفت مفهوم "الاحتلال الديلوكس"، الذي اكتسب له مكانة لدى الكثيرين من أصحاب القرار.
في خطوة بدأت في اوسلو اعترف لأول مرة بوجود الشعب الفلسطيني الذي نفي وجوده على مدى السنين. لم يكن سهلا الاعتراف بوجود شعب يتقاسم معنا ذات قطعة البلاد، له تطلعات قومية وعزة وطنية. هذا واقع معناه تقسيم البلاد واستيعاب الحاجة للتنازل عن أجزاء من الوطن. رابين وياسر عرفات اعترفا بهذا الواقع، الذي لم يتغير منذئذ. الاعتراف به هو أساس لكل تسوية مستقبلية ولا يوجد بديل له.
في اوسلو ايضا اقيمت السلطة الفلسطينية، التي نقلت اليها المسؤولية عن الحياة اليومية عن ملايين الفلسطينيين. المسؤولية عن جهاز التعليم للتلاميذ الفلسطينيين، عن حماية القانون والنظام، وعن أجهزة الصحة والرفاه لسكان الضفة وقطاع غزة التي لم تعد مسؤولية ضباط الجيش الاسرائيلي. ولهذا السبب وفرت على ميزانية الدولة أكثر من 40 مليار دولار في السنوات الأخيرة. يمكن فقط التخيل ماذا كان سيحصل لو أضيف 5 – 6 مليار شيقل هذه السنة للعجز العميق في الميزانية، الذي ستؤلم تغطيته كل واحد منا.
السلطة الفلسطينية حية وتتنفس. قد لا يكون هناك نموذج لحكم ناجع، لكن لا شك أنها رفعت عن مواطني الدولة عبئا هائلا. هذا الواقع هو الآخر لم يتغير في العقدين الماضيين، والاعتراف به هو شرط لكل تسوية.
كما أن اتفاقات اوسلو كانت خيارا أخلاقيا، في أساسه الفهم بان استمرار الاحتلال يسحب من الصهيونية ومن شعبنا تميزه وسر انتصاراته. من هذه الناحية ايضا اوسلو حي ويرفس. "اوسلو" هو حسم استراتيجي دراماتيكي، أهميته لا تقدر. نعم، في التكتيك أخطأ قادة الطرفين. احيانا حاولوا تجاهل الواقع، في اوسلو اعترفوا به.
اقتراحات بورغ هي، بالنسبة لي، تبني حل الدولة الواحدة للشعبين. دولة متعددة القوميات، مثلها احترق في العقدين الأخيرين في يوغسلافيا والبوسنة. ومنع هذا عن تشيكوسلوفاكيا لأنهم تبنوا حل الدولتين للشعبين.
ملاحظة اخرى: قبول وتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 بالنسبة للاجئين حرفيا، كما يقترح بورغ، معناه انتحار وطني. من أجل فهم هذا يجب فقط قراءة كل القرار، وليس عنوانه فقط.
بروح عيد الفصح يمكن اجمال هذا على النحو التالي:
- لو أن اوسلو فقط اعترف بوجود الشعب الفلسطيني – لاكتفينا.
- لو أن اوسلو فقط وضع الأساس لحل الدولتين القوميتين للشعبين – لاكتفينا.
- لو أن اوسلو فقط ادى الى اقامة السلطة الفلسطينية التي أزالت عن اسرائيل المسؤولية عن الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين - لاكتفينا.
- لو أن اوسلو فقط وفر على مواطني اسرائيل مليارات الشواقل – لاكتفينا.
- لو أن اوسلو فقط ذكرنا بأننا لم نخرج من بيت العبيد كي نكون أسيادا – لاكتفينا.
- لو أن اوسلو فقط يحاول الحفاظ على طابعنا الأخلاقي – لاكتفينا.
40 سنة في الصحراء مرت على بني اسرائيل كي يتخلصوا من الآراء المسبقة ويكونوا جاهزين لدخول البلاد. كلي أمل في أن يستغرق تحقيق السلام في المنطقة فترة زمنية أقصر. رغم المصاعب لا حاجة الى السجود للعجل الذهبي الذي يقترحه بورغ.