صفقة إقليمية شاملة في الشرق الأوسط

بقلم: داني روتشيلد*

 

قبل الانتخابات، ركزت الساحة السياسية الاسرائيلية على الشؤون المدنية والاصلاحات الاقتصادية. ومع أن الخطاب الداخلي حيوي لضمان الحصانة الوطنية، إلا أن النقاش الاجتماعي لا يمكنه أن يحل محل جدول الاعمال الاقليمي والدولي واستراتيجية الأمن الاسرائيلية.

منذ اندلاع الهزة الاقليمية تحسن ميزان الأمن العام لإسرائيل، واحتمال الحرب التقليدية الشاملة بين دولتنا وجيرانها بات قريباً من الصفر. تلقى النظام في ايران ضربات استراتيجية ذات مغزى بسبب العقوبات الدولية ومع تفكك سورية، التي شكلت معقلا استراتيجيا لطهران. اضافة الى هذا، فإن تهديد اسرائيل والولايات المتحدة باستخدام القوة ضد التحول النووي لايران كان ذا مصداقية، لذا بات احتمال ان تمتلك ايران سلاحا نوويا وتصبح قوة عظمى نووية عسكرية منخفضاً.

رغم ذلك، فان الهزة في الشرق الاوسط، والتي تتداخل مع تغيير في ميزان القوى العالمي والمصالح العالمية، خلقت تحديات استراتيجية جديدة لإسرائيل. فالغرب يتعاطى مع الشرق الاوسط العربي كظاهرة يصعب احتواؤها، وبالتالي فان نهجه هو سلبي متداخل بأمل غامض. في هذا المحيط الاشكالي، فان مستقبل "المناطق" الفلسطينية يصبح حاسما اكثر من أي وقت مضى. وفي وضع تهزل فيه المصادر المالية للسلطة الفلسطينية، فإن استمرار الجمود سيؤدي إلى انتفاضة فلسطينية شعبية او أخذ القوة من جانب "حماس" وتحويل الأراضي الفلسطينية الى كيان معاد للغرب. بل ان الطريق المسدود من شأنه أن يؤدي الى تعاظم الدعم الدولي والفلسطيني لفكرة حل "الدولة الواحدة للشعبين"، والتي تقوض الكيان الصهيوني. ويجسد الدور الإسرائيلي في التنسيق الدولي في الموضوع السوري بأنه يمكن أن تكون قناة بديلة. وعلى الحكومة الاسرائيلية الجديدة أن تتبنى هذا النموذج حيال الفلسطينيين. وهم، من جهتهم، يحتاجون الى الدعم السياسي للقيادة السُنية كي يحطموا الجمود.

إن الاطراف التي أدت الى انهاء الازمة في أعماق حملة "عامود السحاب" تجسد بالملموس التغيير الموضعي الذي طرأ على المنظومة السنية في المنطقة، والتي توجد لها مصلحة أمنية في علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع اسرائيل. وتشير الخطوات الدبلوماسية بشأن الحملة في غزة الى التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة، مصر، تركيا، الاردن، ودول الخليج. وما بدا ككتلة تتشكل ليس مبنى مثاليا ومتراصا يؤدي الى "شرق اوسط جديد"، ولكن المصالح المشتركة قد تهيّئ التربة لصفقة شاملة واسعة تشارك فيها الولايات المتحدة.

ويضع هذا النهج المسيرة السلمية في سياق اقليمي أوسع، يمكن فيه لشركاء اقليميين أن يساهموا في أمن الشرق الاوسط ويتمتعوا بمحيط استراتيجي اكثر استقرارا. وتستدعي بلورة صفقة شاملة للشرق الاوسط زعامة وتفكيرا استراتيجيا وفهما شاملا للمنطقة.

وتسمح صفقة اقليمية شاملة لإسرائيل ليس فقط التقدم في المسيرة السلمية بل وايضا ان تؤدي دورا اقليميا بناء. على اسرائيل أن تكون مشاركة اكثر في تصميم مستقبل المنطقة والموقف من الازمة الاجتماعية – الاقتصادية في الشرق الاوسط، حتى وان كان ذلك بشكل هادئ. كما أن على اسرائيل أن تكون قلقة من الاهتمام المتناقص للولايات المتحدة بالمنطقة. فبينما يتجه الاهتمام الاستراتيجي للقوة العظمى الغربية الى ساحات جديدة، فان ائتلافا اقليميا يدفع السلام والامن الاقليميين الى الامام، يلوح كوسيلة لابقاء الدور الاميركي في ما يجري. وفضلا عن ذلك، فمن خلال تعميق الدور البناء لاسرائيل في المنطقة وما ورائها، فان بوسعها أن تثبت مكانتها كذخر استراتيجي للأميركيين. والتغييرات الاقليمية والعالمية ليست ملزمة بان تجعل اسرائيل قابلة للاصابة وضعيفة من ناحية استراتيجية؛ فمن شأن استمرار السلبية ان يعرض مستقبلها للخطر. تستحق دولة اسرائيل استراتيجية بوسعها إحداث تغيير.

 

*لواء احتياط ورئيس مؤتمر هرتسيليا.