الـفـرصـة الأخـيـرة

بقلم: شالوم يروشلمي

مساء السبت سيصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى مقر الرئيس شمعون بيريز. سيقول نتنياهو للرئيس: «فشلت، لم أفلح في تشكيل الحكومة»، وسيطلب منه مهلة إضافية، 14 يوما. سيدخل الرجلان المكتب الفاخر للرئيس، وسيجلسان تحت الصورة المشهورة لدافيد بن غوريون وشمعون بيريز، وبعدها يخرجان للصحافيين. سيتلوان إعلانا قصيرا. بيريز سيقتبس القانون الأساس للحكومة وسيعلن أنه يمارس صلاحياته لمنح نتنياهو فرصة إضافية. سيرد نتنياهو بجدية بعد أن يهز رأسه: «شكرا لك، سيدي الرئيس».

وهذا لن يكون اللقاء الأول للرئيس هذا الأسبوع. بعد ظهر يوم الاثنين وصل نتنياهو لبيريز وتباحث معه طوال ساعتين ونصف ساعة في قضايا الساعة. لا أعرف ما جرى في هذه اللقاءات، التي تجري على أريكة الجلد البيضاء في مدخل الغرفة. هل بيريز يوبخ نتنياهو؟ هل نتنياهو يبوح بمكنوناته ويطلب النصح السياسي للخروج من المأزق؟ وهل بيريز يعرض عليه تشكيل حكومة بشروط قاسية أم الذهاب للانتخابات؟ وهل يتحدث إليه كأب لابنه؟ كما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

قال بيريز لبوتين في لقائهما الأخير الذي دام ست ساعات: «أنا في التسعين من عمري وأنت في الستين، اسمع كلامي». أصغى بوتين باهتمام شديد لأحد أكثر الرجال خبرة وحكمة في الحلبة الدولية، الذي رجاه تغيير نظرته، والاستثمار في مشاريع اقتصادية كبيرة وليس في صراعات دولية. فهل بوسع بيريز تغيير نظرة نتنياهو أيضا؟ وهل كرر في حواراته المقطع الذي يغنيه منذ أربع سنوات لرئيس الحكومة: «انهض واصنع التاريخ. لا وقت لدينا، هل تريدنا أن نخسر الفرصة؟» وهل سيصغي نتنياهو له، بقصد التغيير؟ الفرصة ضعيفة.

فقط قبل شهرين ذهبت تسيبي ليفني لبيريز حاملة استطلاعات رأي. ليفني، وليست وحدها، عرضت على بيريز ترؤس معسكر وسط يسار كبير، وتشكيل البديل الوحيد صاحب الفرصة ضد نتنياهو وليبرمان «ممن يهددون مستقبلنا». وبحسب الاستطلاعات، فإن هذا المعسكر، كان سينال 40 مقعدا تقريبا. بيريز رفض. ومنطقي الافتراض أنه روى لليفني عن إخلاصه للمناصب التي يتولاها أو للرجال الذي يسير معهم. وعندما كان بيريز نائبا لوزير الدفاع العام 1965 ترك كل شيء وذهب مع بن غوريون الذي شكل حزب رافي. وهو ليس مستعدا لترك الرئاسة قبل عام ونصف عام من نهاية الولاية.

بالمناسبة، ليفني غدت في جيب نتنياهو، وها هي تثني على رؤيته السياسية، وكانت أول من قفز إلى الحكومة التي يشكلها، بعد أن بحثت عن بديل له.

 

الخيبة من نتنياهو

 

ومع ذلك، بيريز كان سيفرح لاستبدال المناصب مع نتنياهو. ولو فعل ذلك لهرع لصنع السلام مع أبي مازن لأنه يرى أن التسوية السياسية تغطي على كل القضايا الأخرى، من ميزانية الدولة إلى المساواة في الأعباء. وبحسب بيريز، فإن استمرار الوضع الراهن في المناطق سيقود إلى مقاطعة الصادرات الإسرائيلية، وإلى خسارة المليارات من الدولارات، وحينها تستحيل محاربة الفجوات الاقتصادية أو تقديم المعونة للحريديم. كل شيء سيفقد معناه أمام هذا الطوفان الاقتصادي.

في مطلع كانون الثاني التقى بيريز مع سفراء أجانب. وقد انتقد أمامهم بشدة الجمود السياسي الذي يفرضه رئيس الحكومة. وطالب بالتوصل لاتفاق مع أبي مازن، وإلا فسنخسر الشريك الفلسطيني الوحيد الباقي لدينا. ومن شبه المؤكد أن شعوره هذا تعزز إثر أحداث الأسبوع الأخير في المناطق. بعد أبي مازن ستأتي حماس. الجمهور الفلسطيني اليائس سيقع في أحضانها. في هذه الظروف من يستطيع أن يفهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي يشتم أبا مازن من على المنابر. ما الذي نريده؟ أن يزول أبو مازن؟

في محيط الرئيس قناعة حتى اليوم بأن نتنياهو ضيع فرصة ذهبية للذهاب إلى الانتخابات الأخيرة مع اتفاق كان بوسع بيريز تقديمه له على طبق من العاج. فقد أجرى بيريز سلسلة طويلة من المباحثات مع أبي مازن خلال العام 2010 بعلم نتنياهو. وهو مقتنع بأنه كان بوسعه التوصل معه سرا لاتفاق جدير. في حالة كهذه كان نتنياهو سيرعى الاتفاق، ويذهب بهذه الرزمة إلى الانتخابات، وينال الكثير جدا من الأصوات، حتى من دون الاتحاد مع ليبرمان.

هذا لم يحدث. قبل اللقاء الحاسم لبيريز مع أبي مازن، في آب 2011، ألغى نتنياهو كل شيء. بعد شهر ظهر أبو مازن في الأمم المتحدة، معلنا إقامة دولة فلسطينية.

 

رئيس حكومة الليكود

 

ربما أن نتنياهو لا يعلم، لكنه بعد 14 يوما، قد يكون رئيس حكومة قولا، وليس عملا. وسيضطر نتنياهو كما يبدو لضم يائير لبيد ونفتالي بينت. وفي الواقع العددي هذا سيغدو أقلية. لنتنياهو اليوم 31 مقعدا ناقصا 11 لإسرائيل بيتنا. ولبينت ولبيد 31 مقعدا معا، ومع موفاز يكونون 33 مقعدا. وسيكون لبيد وبينت رئيس الحكومة الحقيقي. نتنياهو بالكاد سيكون رئيس حكومة الليكود. وفي الصورة التي ستلتقط في ديوان الرئيس يوم أداء الحكومة اليمين القانونية سيقف لبيد وبينت على جانبي نتنياهو. وهو سيفرح لأن يطيح برأسيهما معا.

ونتنياهو جلب لنفسه هذا. فاتحاده مع ليبرمان كان يمكن أن يكون ممتازا، لو أنه حقق تقديرات آرثور فينكلشتاين. لكن الليكود تحطم، ونتنياهو لا يملك مبادرة سياسية. ومع المجموعة لديه لا يستطيع التوجه نحو أية مفاوضات سياسية. فليبرمان ورفاقه يشتمون أبا مازن، ولذلك لا يمكنهم مسايرته نحو أي خطوة مثيرة. وفي الليكود أخذ داني دانون، ياريف ليفين وتسيبي حوتبولي مكان دان ميريدور، ميكي إيتان وكرميل شامه. بينت يتحدث عن «أبو من يعرف»، وكذلك لبيد ليس نصيرا كبيرا للسلام. لم أسمع أبدا عن لقاء عقده مع أي زعيم عربي أو فلسطيني.

في 20 آذار يصل إلى هنا الرئيس الأميركي باراك أوباما. وليس هناك أي تعاطف من أوباما تجاه نتنياهو، كما أن حكومته اليمينية الجديدة لن تحسن المزاج الرئاسي. أوباما لن يأتي بمشروع سياسي. وكل ما يريده هو مهادنة الجمهوريين، وزيارته الودية لإسرائيل ستمنحه اعتمادا كبيرا في الكونغرس. ولا ينسى الرئيس ورجال البيت الأبيض أيضا أن نتنياهو انحاز في الانتخابات الأميركية. وسمعت شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى التقت مؤخرا مع رجال أوباما كلاما عن رون دريمر، المستشار السياسي لنتنياهو. قالوا بابتسامة: «إذا توجه إلينا فسنعطيه رقم هاتف ميت رومني».

وعلى جدول الأعمال يقف الموضوع الإيراني. أمس الأول عاد نتنياهو ليهدد إيران بعقوبات عسكرية. ونتنياهو يعلم بأنه بعد باراك لا يمكنه قصف المفاعلات في إيران منفردا. فقد حاول في الماضي ولم يفلح. كما أن قادة الجيش يتحفظون. وهم يعرفون أن الأمر يتعلق بقصة هجمات متكررة على منشآت تهدم وتبنى من جديد. صحيح أن الجيش يخضع لإمرة المستوى السياسي، ولكن حتى لو كنت وزيرا للصحة، لا يمكنك أن تعطي أمرا لطبيب كيف يقوم بعملية جراحية. وإسرائيل ليست مبنية لمعالجة جراحية كهذه في إيران. الأميركيون يقدرون. ذات يوم سنضطر للسؤال عما إذا كنا قد جعلنا إيران وتركيا أيضا عدوين. فتصريحات نتنياهو ورؤساء الدولة الحربية على طول السنين شجعت إيران على التطوير التكنولوجي. إيران لم ترغب في البقاء عاجزة أمام التهديدات الإسرائيلية، وطورت نفسها، واليوم تطلق قردا إلى الفضاء. أما تركيا فلم تتلق اعتذارا إسرائيليا بعد حادثة سفينة مرمرة. وهي أيضا تحولت إلى عدو. بالمناسبة، هناك من يسأل هذه الأسئلة الصعبة حاليا.

معاريف