هرتسوغ ومُعضلة العفو عن نتنياهو... ما الخيارات المُتاحة؟

هرتسوغ ومُعضلة العفو عن نتنياهو... ما الخيارات المُتاحة؟

زمن برس، فلسطين:  يبحث الرئيس الإسرائيليّ، يتسحاق هرتسوغ، "خيارات إضافية" بشأن طلب العفو عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والذي قدّمه الأخير، الأحد، بُغية العفو عنه من تهم فساد تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والتي يُحاكم على إثرها، فبالتوازي مع بحث طلب الأخير، سيحاول هرتسوغ "تسريع إنهاء المحاكمة من خلال التفاوض على صفقة إقرار بالذنب".

جاء ذلك بحسب ما أوردت هيئة البثّ الإسرائيلية العامّة ("كان 11")، في تقرير مساء الأحد، لافتة من خلاله إلى أن هرتسوغ كان قد أعرب سابقًا عن دعمه للتحرّكات التي من شأنها أن تؤدي إلى اتفاقات لإنهاء المحاكمة؛ "والآن، مع تقديم طلب العفو عن نتنياهو، يُتوقع من هرتسوغ أن يتصرف في أقرب وقت ممكن، لصالح الحوار بين الأطراف".

وتتطلّب صفقة الإقرار بالذنب، الشبيهة بالعفو، أن يُقرّ المتهم بالاعتراف بالذنب، وعلى الأقل في بعض التهم الموُجَّهة إليه، غير أن نتنياهو كان قد أعرب سابقًا عن معارضته للإقرار بالذنب، ولم يتطرق إلى هذه المسألة في المكتوب الذي يسأل من هرتسوغ العفو، الأحد.

"شروط" هرتسوغ... استقالة "مؤقَّتة" لنتنياهو؟

ومن بين الشروط التي وضعها هرتسوغ لمنح بنيامين نتنياهو عفوا رئاسيا، استقالته من منصبه رئيسا للحكومة، "وإن مؤقَّتا"، ووقف العمل بالتشريعات القضائية التي يُطلق عليها ائتلاف نتنياهو الحكومي مُسمّى "الإصلاح القضائي".

ووفقا لهذه الشروط، "يمكن لنتنياهو العودة إلى رئاسة الحكومة، بعد الانتخابات"، وفق "كان 11".

وذكر تقرير هيئة البثّ أن مقرّبي الرئيس الإسرائيليّ، قد أكدوا في نقاشات مُغلقة، الأحد، أن نتنياهو لن يُمنح العفو من دون ثمن "كبير".


رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، داخل قاعة المحكمة (Getty Images)

وأضافوا أن هرتسوغ لا ينوي منح نتنياهو عفوا "غير مشروط"، كما طلب نتنياهو.

وفي الوقت نفسه، نقل التقرير عن مقرّبين من نتنياهو أن "اعتزاله الحياة السياسية ليس مطروحا". ووفقا لهم، فقد قُدّم طلب العفو عن رئيس الحكومة، بالتنسيق مع الرئيس الأميركيّ، دونالد ترامب، الذي يتوقعون منه أن يُعرب عن دعمه العلنيّ لذلك، "قريبا".

ومنذ الرسالة التي أبرقها ترامب إلى مكتب الرئيس الإسرائيليّ بشأن العفو عن نتنياهو، لم يُجرَ أي حوار بين البيت الأبيض، ومكتب الرئيس الإسرائيليّ بشأن هذا الموضوع.

هرتسوغ "لم يبدأ" في نقاش الموضوع

من جانبه، أصدر مكتب هرتسوغ بيانا، قال فيه إنّه "في الساعات الأخيرة، انتشرت منشورات باسم رئيس الدولة، أو مكتب الرئيس، ويُوضَح ويُؤكَّد أن أي منشور لا يصدر عن طريق مكتب الناطق باسم ديوان الرئيس، لا يُأخذ به".

وأضاف أن "الرئيس لم يضع أي شروط، لأن الملف أُحيل لإبداء الرأي، ولم يبدأ الرئيس بمناقشة الموضوع".

وتابع: "لن يتأثر الرئيس بأي ضغوط من أي جهة. وكما جاء في إعلان ديوان الرئيس صباح اليوم (الأحد)، فإنه بعد تلقّي جميع الآراء، سينظر فيها رئيس الدولة بمسؤوليّة وجديّة".

عفو؟ "نعم، لكن"

وبحسب ما أوردت القناة الإسرائيلية 12، فإن هرتسوغ، سينظر "بإيجابية" في طلب العفو الذي قدّمه نتنياهو.

وأشارت القناة في تقرير إلى أنه "يُعتقد أن هرتسوغ يتخذ موقفًا أكثر إيجابية، ومن المتوقع أن يردّ على طلب العفو بـ’نعم، ولكن’".

وفي الصّدد ذاته، ذكر التقرير أن هرتسوغ قد يطلب من نتنياهو الاعتراف بالحقائق والجريمة، "لكن هذا غير وارد حاليًا".


متظاهرة تحمل لافتى كُتبت عليها عبارة نتنياهو: "لن يكون هناك شيء، لأنه لا يوجد شيء" (Getty Images)

ومن الشروط الأخرى التي قد يفرضها الرئيس الإسرائيليّ مقابل عفو يمنحه لنتنياهو، تحديد مدة ولاية رئيس الحكومة؛ فإما التقاعد بعد تولّي فترة أُخرى بمنصبه، أو في تاريخ يُحدَّد مسبقًا، أو في موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، "أو ربما في خطوة أشمل، كنوع من صفقة قانونية شاملة".

القرار "الأكثر دراماتيكية" في عهد هرتسوغ

وبانتقال مسألة العفو عن نتنياهو إلى "ملعب هرتسوغ"، ستكون بذلك بلا شكّ "القرار الأكثر دراماتيكية في عهده؛ وسواء وافق هرتسوغ على طلب نتنياهو أم رفضه، فمن المتوقّع أن تأتي الهجمات من كل حدب وصوب، إذ سيُحكم عليه بناءً على جدارته أو واجبه (بمنح العفو من عدمه)، بحسب الخيار الذي يفضّله كل طرف".

وذكر تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عبر موقعها الإلكترونيّ ("واينت")، أنّه "إذا منح هرتسوغ نتنياهو عفوًا، فسيخسر مؤيديه من ’اليسار’ و’الوسط’، وحتى من ’اليمين’ من الذين يعارضون هذا العفو... من ناحية أخرى، إذا رفض هرتسوغ منح نتنياهو عفوًا، فسيصبح بطل اليسار، ولكنه سيصبح أيضًا (محطّ مُهاجمة) من اليمين".

وعلى الرغم من صعوبة القرار، أشار التقرير إلى أنّ "هذه هي اللحظة التي كان هرتسوغ ينتظرها... يُفترض بالقائد أن يتخذ قرارات غير شعبية، لكن عليه تبرير قراره. فهو رئيس، وليس ملكًا مطلقًا، وإذا أخطأ الرئيس، ستُبطل المحكمة العليا عفوه، وهذا آخر ما يريده هرتسوغ".

ويُعقّد طلب العفو بصيغته الحالية، المسألة أمام هرتسوغ ويُفاقم مأزقه، فلم يُبدِ نتنياهو ندمه، كما أن طلب العفو الذي قدّمه لا يستوفي هذا الشرط؛ فبالإضافة إلى عدم اعترافه بالذنب، لا يُقرّ نتنياهو أيضًا بوقائع التهم المُوجّهة إليه، ولم يُعلن اعتزامه اعتزال الحياة السياسية.


(Getty Images)

وأشار التقرير إلى أنّ تصريح نتنياهو الشهير الذي عمد إلى تكراره مرارا وتكرارا في كلّ مناسبة تقريبا؛ "لن يكون هناك شيء، لأنه لا يوجد شيء"، ينطبق أيضًا على طلبه العفو، فهو "يتوقع من الرئيس هرتسوغ أن يُقرّر تبرئة كاملة من دون عقاب، ومن دون أن يدفع ثمنًا علنيًا، ومن دون أن يُعرب عن ندمه ولو بكلمة".

ولم يُعرب نتنياهو عن ندمه أو اعتذاره، بل زعم أن مصلحته الشخصية تكمن في إجراء المحاكمة، وإثبات براءته، حتى تتمّ تبرئته بالكامل، "لكن المصلحة العامة تُملي خلاف ذلك، فهو يطلب العفو من منطلق مسؤوليته العامة كرئيس للحكومة، سعيًا لتحقيق المصالحة بين فئات المجتمع الإسرائيليّ".

وزعم نتنياهو بشأن ذلك، أنه "لا شكّ لديّ في أن انتهاء المحاكمة، سيُسهم في تحقيق ذلك. أنا مُلتزم ببذل كل ما في وسعي لرأب الصدوع، وتحقيق الوحدة بين أبناء الشعب، واستعادة الثقة في أجهزة الدولة".

وسبق أن صرّح هرتسوغ بأنه سيدعم خطة عفو "تُصالح الدولة والسياسيين، على أن تتضمن أيضًا اتفاقات بشأن ’الانقلاب القضائي’".

وفي ما يتعلق بالصلاحيات، فإن لهرتسوغ أن يفعل ما يشاء تقريبًا، حتّى لو أوصى رأي قسم العفو في وزارة القضاء، بعدم منح نتنياهو عفوًا، فإن للرئيس الإسرائيليّ صلاحية اتخاذ قرار خلاف ذلك، "ففي النهاية، هناك طلب من ترامب، وقضايا مصيرية على جدول الأعمال: التطبيع مع السعودية؛ ومواجهة أخرى مع إيران تتطلب دعمًا أميركيًا وهو أمر غير مؤكد؛ ومواجهة أخرى مع حزب الله؛ والخوف من انهيار وقف إطلاق النار في غزة؛ بالإضافة إلى العديد من الفرص الإيجابية التي ستأتي بعد السعودية: (إزاء دول هي) إندونيسيا، وماليزيا، وعُمان، وموريتانيا، وسورية، ولبنان، وغيرها"، بحسب "واينت".

وأشار التقرير إلى أنّ الحديث عن إعادة التوحيد، ليس أمرا يتجاهله هرتسوغ، لكن عليه أن يأخذ في الاعتبار مساهمة نتنياهو في تقسيم المجتمع الإسرائيليّ، و"حربه على السلطة القضائية، والإعلام الحرّ"، مضيفا أن "نتنياهو يطلب العفو من أجل وحدة المجتمع، مع أنه هو نفسه المسؤول عن الانقسام والتّشرذم، ويعلم هرتسوغ أن نصف الشعب على الأقلّ، يعتقد ذلك، ولا يمكنه تجاهل خيبة أملهم".


هرتسوغ وإلى جانبه ترامب ونتنياهو (Getty Images)

ورأت الصحيفة أنه "إذا قبل هرتسوغ طلب نتنياهو العفو فورا، فسيُشتبه به بأنه عمل فعلا مع رئيس الحكومة، ونسّق العملية برمتّها معه مُسبقا، في ضوء ما كشفته (تقارير) من أن هرتسوغ حاول الدفع نحو عفو عن نتنياهو، حتى قبل انتخابه رئيسا، وقبل توجيه لائحة اتهام ضده"، مشيرة إلى أن "قانون التهرّب من الخدمة العسكرية الذي يُمزّق الشعب، يأتي في الخلفية أيضا، ويأتي في ظل أطول حرب في تاريخ إسرائيل".

وتساءلت: "كيف يُوازن إعفاء شامل من التجنيد لشريحة كبيرة من المجتمع مع وعود نتنياهو بمعالجة الانقسامات؟".

ومن الخيارات في هذه "المعضلة" هو جعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لنتنياهو، إذ يمكن لهرتسوغ "أن يستدعي الأطراف وتوجيه أسئلة إليهم، ويمكنه استدعاء نتنياهو أو محاميه وسؤالهم عما إذا كانا يشعران بأي ندم، وما إذا كان نتنياهو يعترف بالحقائق، وما إذا كان ينوي الاستمرار في الترشّح لانتخابات رئاسة الحكومة. كما يمكن للرئيس التحدث علنًا عن هذه الأمور والاكتفاء بذلك".

"عفو مشروط" مُحتمَل بعد أسابيع من المداولات

وقد يمنح هرتسوغ نتنياهو "عفوًا مشروطًا" يرتكز إلى "أثمان عامّة" مثل تشكيل لجنة تحقيق رسمية في فشل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أو إلغاء الانقلاب القضائي، وإصلاح الإعلام.

و"إذا أدّى العفو في النهاية إلى ’مصالحة وطنية’، وخفض حدّة التوترات من خلال إزالة هذه القضايا من جدول الأعمال، فقد يقبل اليسار العفو، كأمر مشروع ومرحّب به، ومع ذلك، لن يتمكن هرتسوغ من إطالة أمد معضلته، فالمحيطون به يتحدثون عن أسابيع طويلة من المداولات، لا أكثر، زفي النهاية، سيُجبر هرتسوغ على اتخاذ قرار صعب، إما بطريقة أو بأخرى".

وستنتهي ولايته بعد عامين ونصف، في حزيران/ يونيو 2028، و"سيرغب هرتسوغ في أن يُذكر كرئيس دولة ساهم، من جهة، في رأب الصدع في إسرائيل، وليس من جهة أخرى، رئيسًا ساهم في تدمير مؤسسات الدولة، ودمّر حريّة الإعلام، وسمح لرئيس حكومة يتصرّف وكأنه فوق القانون بفِعل ما يشاء، وكأنه ملك".

وأشار تقرير "واينت" إلى أنّ "أحد أسباب استغراق معالجة الطلب أسابيع، هو أن القضية برمّتها تُشكّل سابقة قانونية، بكل بند فيها، وبالتالي ستكون هناك خلافات لا تُحصى بشأن كل تفصيل".