عبء الأمن ورفع ميزانيّة الحكومة... مرّة أخرى

زمن برس، فلسطين: تزايدت في الأيام الأخيرة المؤشرات الدالة على تراجع الوضع الاقتصادي في إسرائيل نتيجة استمرار حرب الإبادة على غزة، والحرب الأخيرة مع إيران التي عطّلت الاقتصاد الإسرائيلي لنحو 12 يومًا، فضلًا عن الأضرار الاقتصادية المتوقعة في حال توسعت حرب الإبادة على قطاع غزة لتشمل احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط.
انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة حادة بلغت 3.5% في الربع الثاني من عام 2025 مقارنة بالربع الأول، نتيجة استمرار الحرب، والحرب مع إيران، وذلك وفقًا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية التي نُشرت مطلع الأسبوع الحالي. وكانت التوقعات الاقتصادية تشير إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي بالربع الثاني، لكن بوتيرة أخف تقل عن 1% وفق الحساب السنوي. في المقابل، ساهم التحسّن في الأداء الاقتصادي خلال شهر تموز في التخفيف من التراجع الذي سُجّل في حزيران.
نتيجة لهذه المعطيات خفّضت وزارة المالية توقعاته للنمو لعام 2025 إلى 3.1%، بينما يتوقع بنك إسرائيل أن يبلغ النمو 3.3%. وخلال الأرباع المقبلة سيحتاج الاقتصاد إلى أداء مرتفع جدًا لتعويض النمو الضعيف في النصف الأول والوصول إلى هذه التقديرات.
الانكماش الحالي، وهو الأول منذ الربع الأخير من عام 2023، يُعدّ جديًا وله تبعات واضحة. ومع ذلك، تشير جميع التوقعات إلى أن الربع الحالي سيسجّل نموًا إيجابيًا قد يعوّض جزئيًا عن التراجع الحاد في الربع الثاني. وحتى الآن، وعلى الرغم من الانكماش الحاد في الربع الثاني من عام 2025، فإن الاقتصاد الإسرائيلي لا يُصنَّف في حالة ركود، بل في حالة انكماش وتباطؤ في النمو. فالتعريف الرسمي للركود هو تسجيل انكماش في الاقتصاد خلال ربعين متتاليين.
بالتوازي مع تراجع النمو والنشاط الاقتصادي في الربع الثاني، ما زال معدل التضخم أعلى من نطاق الهدف الذي حدده بنك إسرائيل (1%–3%)، ومن المتوقع ألّا يخفض البنك المركزي سعر الفائدة هذا الشهر أيضًا. وبهذا تستمر الفائدة البنكية عند مستويات مرتفعة، ما يشكّل عبئًا إضافيًا على الأفراد والأسر والقطاع التجاري والاقتصادي في إسرائيل.
زيادة ميزانية الدولة
في ظل هذه الحالة والمعطيات الاقتصادية ـ من انكماش الاقتصاد، وارتفاع الفائدة، واستمرار الحرب وربما توسعها ـ أعلنت الحكومة أنها بصدد خرق سقف الإنفاق الذي أُقِر في ميزانية عام 2025، وزيادة ميزانية الدولة، مع رفع ميزانية الأمن مرة أخرى.
تصل الزيادة المقترحة في ميزانية الدولة إلى 30.8 مليار شيكل، أي ما يعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ويهدف هذا المبلغ أساسًا إلى تمويل ميزانية الأمن، إضافةً إلى تغطية الزيادة في مدفوعات الفائدة الناجمة عن اتساع العجز وارتفاع الدين الخارجي، وكذلك لتغطية مدفوعات التأمين الوطني للمصابين بالعمليات العسكرية. أي أن مجمل الزيادة مرتبط مباشرة بالحرب على غزة ولبنان، والحرب على إيران وتبعاتها الاقتصادية.
وبذلك، بدلًا من اللجوء إلى تقليصات في الميزانية، قررت الحكومة هذه المرة رفع سقف الإنفاق. وقد اقرت الحكومة هذه الزيادة يوم الثلاثاء 19 آب. يُشار إلى أن خرق سقف الميزانية سيكون الخامس خلال العامين الأخيرين؛ إذ فُتحت ميزانية عام 2023 مرة واحدة بسبب اندلاع الحرب في أكتوبر من ذلك العام، بينما جرى خرق ميزانية 2024 ثلاث مرات، وها هو الأمر يتكرر الآن مع ميزانية 2025.
سترفع الحكومة سقف النفقات في ميزانية الدولة من نحو 620 مليار شيكل التي أُقرت قبل نحو خمسة أشهر، إلى 650.3 مليار شيكل. كما ستقوم وزارة المالية هذه المرة أيضًا، وبخلاف التصريحات السابقة، بتجاوز سقف العجز المالي؛ إذ كان الهدف المقرر للعجز في ميزانية الدولة 4.7%، ثم ارتفع إلى 4.9%، وسيصل الآن إلى 5.2%، ليكون أحد أعلى مستويات العجز المسجّلة في العقدين الأخيرين، باستثناء ازمة الكورونا. تجدر الإشارة إلى أنه عقب انتهاء أزمة كورونا وما رافقها من تعافٍ اقتصادي وازدهار في النشاطات المالية عام 2022، شهدت المالية العامة في إسرائيل تحسنًا ملحوظًا؛ فقد سجّلت ميزانية الحكومة في ذلك العام فائضًا نسبته 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي (مقارنة بعجز بلغ 4.4% عام 2021)، كما انخفض الدَّيْن العام إلى 60.7% من الناتج المحلي، وهو مستوى قريب جدًا من نسبته قبل أزمة كورونا.
رفع سقف مصاريف الحكومة وزيادة العجز، بالتوازي مع استمرار الارتفاع في الدين الخارجي، يعني أن وزارة المالية تخاطر مجددًا بتراجع المؤشرات الاقتصادية، وهو ما قد يؤدي إلى خفض إضافي في التصنيف الائتماني لإسرائيل. ويزداد هذا الاحتمال في حال أصرت الحكومة على المضي في خطة احتلال كامل قطاع غزة، التي يُتوقع أن تتسبب بتراجع إضافي في المكانة الدولية لإسرائيل، دبلوماسيًا واقتصاديًا، وأن تلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الإسرائيلي.
هذا ما حذر منه محافظا بنك إسرائيل السابقان، بروفيسور كارنيت فلوغ وبروفيسور يعكوف فرانكل، في مقالة مشتركة نشرت يوم الثلاثاء 19 آب في موقع واينت. وأكدا فلوغ وفرانكل أن خطة احتلال قطاع غزة قد تلحق "ضررًا هائلًا بمناعة الاقتصاد الإسرائيلي ورفاهية سكانها". وتلتقي هذه التحذيرات مع مواقف عدد كبير من الاقتصاديين الذين يحذرون من التداعيات الكارثية لاستمرار حرب الإبادة وتوسعها. ومع ذلك، لم تثنِ هذه التحذيرات الحكومة الإسرائيلية حتى الآن عن سياساتها وخططها؛ بل تواصل ضخ ميزانيات ضخمة لوزارة الأمن لتغطية تكاليف الحرب المباشرة وغير المباشرة.
عبء الأمن
تعود الزيادة في ميزانية الحكومة بالأساس إلى الحاجة لتخصيص مبالغ ضخمة لوزارة الأمن وتغطية تكاليف الحرب. فقد ارتفعت ميزانية الأمن في عام 2025 لتصل إلى نحو 113 مليار شيكل وفقًا للميزانية المُصادَق عليها، غير أن النفقات الأمنية الفعلية تجاوزت التوقعات بسبب استمرار الحرب في غزة، إضافة إلى المواجهة العسكرية مع إيران في حزيران. وهو ضعف ميزانية وزارة الأمن في عام 2023، التي بلغت نحو 60 مليار شيكل قبل اندلاع الحرب، وبارتفاع واضح عن ميزانية عام 2024 التي وصلت إلى نحو 99 مليار شيكل.
بغية توفير الموارد اللازمة، ستطلب وزارة المالية من الحكومة المصادقة على خفض أفقي واسع بنسبة 3.5% في جميع نفقات الوزارات ابتداءً من عام 2026. كما تقترح الوزارة إجراء تعديلات على بنود الصرف وإعادة توزيع الميزانية بين الوزارات. ووفقًا لبيان وزارة المالية، فإن التغييرات المقترحة في الميزانية تشمل إعطاء أولوية للنفقات المدنية المرتبطة بالعمليات العسكرية والحرب، إلى جانب خطوات تهدف إلى تسريع النمو الاقتصادي. ومن بين الخطط المتوقع المصادقة عليها: تمويل برنامج لتسهيل خروج العمال في إجازات غير مدفوعة، إقامة غرف محصنة وصيانة الملاجئ، وتعويض السلطات المحلية عن نفقات الطوارئ.
اقتراح رفع ميزانية الحكومة يوضح أن أبرز تداعيات الحرب على الصعيد المالي هو الحاجة إلى مضاعفة ميزانية وزارة الأمن تقريبًا. فقد بلغت ميزانية الأمن عام 2024 نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل ضعف مستواها في عام 2022، وأعلى بنحو 2% مقارنة بعام 2023 حتى اندلاع الحرب. ونتيجة لهذه المعطيات، أصبحت ميزانية وزارة الأمن لعام 2025 أكبر ميزانية أمنية في تاريخ دولة إسرائيل.
تحتل ميزانية الأمن الإسرائيلية المرتبة الثالثة عشرة عالميًا من حيث حجمها المطلق، لكنها تحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي. فمن المتوقع أن تصل في عام 2025 إلى نحو 6.5% من الناتج المحلي (قبل الزيادة الجديدة). وتتفوق على إسرائيل في هذا المجال أوكرانيا فقط، التي تخصص قرابة 22% من ناتجها المحلي لميزانية الأمن. في المقابل، يبلغ متوسط إنفاق دول حلف الناتو على ميزانياتها الأمنية نحو 2.7% من الناتج المحلي فقط.