13.5 مليار شيقل مخنوقة في البنوك الفلسطينية.. سيولة بلا مخرج

زمن برس، فلسطين: تواجه البنوك الفلسطينية أزمة قد تكون الأشد خلال السّنوات الأخيرة، بفعل رفض البنوك الإسرائيليّة استقبال فائض الشيقل المتراكم في المصارف، والذي تجاوز 13.5 مليار شيقل خلال عامين.
13.5 مليار شيقل عالقة في البنوك الفلسطينية، لأن الاحتلال يرفض استلام عملته. أزمة سياسية تُكبّل النظام المالي، وتدفع الفلسطينيين للبحث عن حلول
هذا التكدّس أضرّ بالدورة الاقتصاديّة في السوق الفلسطينيّ، وأجبر مؤسسات مالية وتجارية على تقليص التعامل النقدي، وسط توجّه حكوميّ نحو الدفع الإلكتروني كخيار بديل. لكن ورغم أهمية هذا التحوّل، تبقى جذور الأزمة سياسيّة، وتتطلب معالجة أوسع من مجرّد البحث عن حلول تقنيّة.
فائض النقد يتحوّل إلى عبء اقتصادي
قال مدير جمعية البنوك الفلسطينية، بشار ياسين، إن البنوك لم تتمكن من ترحيل الشيقل إلى الجانب الإسرائيلي منذ 6 أشهر، رغم الاتفاقيات التي تنص على ترحيل 4.5 مليار شيقل كل رُبع سنة، بإجمالي سنوي يبلغ 18 مليار شيقل.
وأضاف في حديث مع "الترا فلسطين" أنّه في العام الماضي، تم ترحيل ثلاث دفعات فقط، فيما لم تُرحّل الدفعة الرابعة. أما في عام 2025، فلم تُرحّل أي دفعة حتى الآن، ما أدى إلى تراكم نحو 9 مليارات شيقل إضافية داخل البنوك، وضغط هائل على النظام المصرفيّ.
وتابع: "الأزمة لا تقتصر على البنوك، بل تمتد إلى كل القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الشيقل، ما خلق ارتباكًا في التعاملات اليوميّة، وأثّر على استقرار السوق".
وبحسب ياسين، فإن البنوك بالتنسيق مع سلطة النقد، سمحت مؤقتًا باستقبال الإيداعات ضمن سقوف محددة لتقليل الضرر.
الأزمة في جوهرها سيّاسيّة، لا فنّيّة
ويرى مدير جمعية البنوك الفلسطينية أن الدفع الإلكتروني ليس مجرد حلّ ظرفي للأزمة الحالية، بل خيار استراتيجي تعمل عليه سلطة النقد وجمعية البنوك منذ ثلاث سنوات. ويوضح: "هناك تطبيقات وخدمات بنكية متوفرة وآمنة، ويجب أن تصبح جزءًا من الثقافة المالية اليومية، كما هو الحال في دول أخرى".
لكنّه يستدرك أن الأزمة في جوهرها سياسية، لا فنية، "فالمشكلة تُحل بتوقيع من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، لأن الشيقل عملة إسرائيلية صادرة عن "بنك إسرائيل المركزي"، ومن الطبيعي أن تعود إليه كما يحدث في أي سوق عالمي".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي أيهم أبو غوش لـ"الترا فلسطين"، إن الأزمة ليست جديدة، لكنها بلغت ذروتها مع إعلان البنوك عدم استقبال الإيداعات النقدية إلا ضمن حدود، ما أثار صدمة في الشارع الفلسطيني.
وأضاف أن بعض المتاجر لجأت إلى استخدام الدولار أو الدينار، أو فرض الدفع الإلكتروني على الزبائن كخيار وحيد، لكنّ هذا المسار يبقى محدودًا، ولن يُطبّق على التعاملات اليوميّة الصغيرة في المدى القريب.
وأوضح أن "التحول الرقمي الكامل يحتاج إلى وقت وتدرّج، وسيبدأ بقطاعات بعينها مثل المحروقات والسجائر والعقارات، وهي مصادر تدفق رئيسة للشيقل في السوق".
الدفع الإلكتروني: حوافز وتشجيع.. لا إلزام حاليًا
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أصدرت سلطة النقد تعليمات للمصارف بضرورة تسهيل إيداعات الأفراد، خاصة للمبالغ التي تقل عن 5,000 شيقل، وتمكينهم من شحن بطاقاتهم البنكية وتنفيذ مدفوعاتهم الإلكترونية بسهولة.
كما شددت التعليمات على قبول الإيداعات الخاصة بالالتزامات الحكومية والبلدية، وتنظيم ترتيبات خاصة للشيكات الكبيرة لتفادي تعطيل صرفها، مع إعطاء أولوية للقطاعات الحيوية في تنفيذ الحوالات الخارجية.
وأوضحت سلطة النقد أن هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل التكدّس وتنظيم السيولة، دون المساس بالاستقرار المالي.
في المقابل، أوضح مركز الاتصال الحكومي أن قرار مجلس الوزراء المتعلق بالدفع الإلكتروني لا يُلزم الأفراد باستخدامه، بل يُشجّع عليه ضمن خطة لربط المؤسسات الحكومية بمنصة الدفع الإلكتروني "E-sadad" بنهاية أغسطس، وأتمتة الخدمات الحكومية قبل نهاية العام.
وأشار البيان إلى أن الدفع الإلكتروني سيوفر خدمات أسرع، وقد يترافق مستقبلًا مع خصومات أو حوافز، لكنه لن يُفرض على المواطنين في المرحلة الحالية.