كيف استخدمت "إسرائيل" الذكاء الاصطناعي لتبرير عدوانها على غزة؟
زمن برس، فلسطين: يوظِّف الاحتلال الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة تشمل الجوانب المدنية، والأمن القومي، والحرب الإلكترونية، وتكنولوجيا الاستخبارات والمعلومات، وأنظمة الأسلحة ذاتية الإطلاق. ويخطو جيش الاحتلال خطوات كبيرة ومتسارعة في دمج الذكاء الاصطناعي في نشاطاته العسكرية والاستخباراتية والعملياتية، إذ يلعب "مركز علوم البيانات والذكاء الاصطناعي" الذي تديره الوحدة 8200 التابعة للجيش، دورًا محوريًا في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية المتقدمة.
لكن عملية "طوفان الأقصى" أثارت الشكوك حول فعالية القدرات الإسرائيلية على استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الرصد والرقابة، حيث أسقطت قدرة عناصر المُقاومة الفلسطينية على الدخول إلى مستوطنات غلاف غزة واختراق الأجهزة فائقة الدقّة، بحسب ما روّج لها الاحتلال على مدار سنوات؛ الهالة التي شكّلتها الدعاية الإسرائيلية حولها.
لعبت الصور المولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في ترويج الدعاية الإسرائيلية ومحاولة استعطاف الرأي العام العالمي بعد "طوفان الأقصى"
أدار الاحتلال آلته الدعائية "الهسبارا" في اليوم الأول من عملية "طوفان الأقصى". و"الهسبارا" مصطلح يعني بالعبرية "التوضيح". وهي التقنية الدبلوماسية العامة التي تربط بين حرب المعلومات والأهداف الاستراتيجية لدولة الاحتلال، وتصوِّر الدبلوماسية العامة كأولوية في السياسة الخارجية، حيث تُنمّى صورة إيجابية لـ"إسرائيل" على الساحة العالمية، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها، باستمرار، منذ احتلالها فلسطين عام 1948.
وتُعد "الهسبارا" من أقوى آليات الدعاية المعاصرة وأكثرها تعقيدًا. وتجري عملية توجيه الرأي العام والتأثير على النقاش العالمي من خلالها عبر استخدام مجموعة من الاستراتيجيات والأدوات الإعلامية والدعائية. وقد بات الاحتلال الإسرائيلي يوظّف تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي ضمن أدواته الدعائية.
تسعى "إسرائيل" إلى استغلال كل الوسائل للترويج لدعايتها وإيجاد رأي عام مؤيد لعداونها على غزة، وتمليع صورتها أمام الرأي العام على أنّها ضحية إرهاب "حماس". وقد امتد التوظيف الدعائي لتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الترويج لصور ومواد مزيفّة، ونشر أخبار مضلّلة عبر بوتات الذكاء الاصطناعي. فقد استغلت "إسرائيل"، وبطريقة ممنهجة، التحول الرقمي الذي شهدته وسائل الإعلام المختلفة، والكيفية التي أصبحت عليها وسائل التواصل الاجتماعي، كأداة لتبادل الأخبار.
وبعد أن كانت الصورة هي الوسيط الأكثر موثوقية لنقل أخبار الحروب، جاء عصر التزييف العميق لصور الفوتوغراف والتسجيلات الصوتية ليضرب هذه الثقة والمصداقية في مقتل، فهو يكذّب ما تراه أعيننا وتسمعه آذاننا.
في هذا السياق، تقول بيان حمدان، محررة ومدققة معلومات في منصة "مسبار"، في حديثها لـ "ألترا صوت"، إن الاحتلال عمد منذ بداية العدوان إلى: "الترويج لدعاية يكسب فيها التعاطف العالمي بالتزامن مع جرائم الحرب التي يقوم بها لتبرير العنف الذي يمارسه يوميًا تجاه الفلسطينيين، وتحديدًا في قطاع غزة".
وتضيف: "أحد أشكال التضليل الذي ساعد الاحتلال الإسرائيلي في الترويج لدعايته هي الفبركات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي. فالصور المولدة بالذكاء الاصطناعي والمؤيدة للرواية الإسرائيلية لعبت دورًا في ترويج الدعاية الإسرائيلية وبمحاولة استعطاف الرأي العام العالمي. مثال ذلك الصورة التي نُشرت على أنها لمخيم نزح إليه إسرائيليون بعد أحداث 7 أكتوبر نتيجة الخوف من استمرار الرشقات الصاروخية من قبل "حماس" باتجاه مستوطنات غلاف غزة. لاقت هذه الصورة صدى كبيرًا حتى عند بعض المستخدمين العرب في وسائل التواصل الاجتماعي الذين صدقوها واحتفوا بها على أنها شكل من أشكال النصر. وفي المقابل، تم تداولها في الأوساط الإسرائيلية والداعمة للاحتلال على أنها كارثة أو مصيبة حلّت بإسرائيل".
وتابعت قائلةً: "هذه محاولة للاستعطاف في وقت كانت تمارس فيه "إسرائيل" جرائم حرب وفظاعات إنسانية على كل الأصعدة في قطاع غزة. وبرأيي الشخصي، فإن كل ما يصدر عن الاحتلال هو غير بريء ويُستخدم في الترويج لأجندته المبنية أساسًا على الكذب".
انتشرت إذًا، منذ بدء العدوان على قطاع غزة، عشرات الصور المولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقد اعتمدت حسابات صحافيين وحسابات رسمية إسرائيلية عليها في الأيام الأولى للعدوان، للتحريض ضد الفلسطينيين وتبرير العدوان على قطاع غزة. ويقول الخبراء إن الصور المفبركة عن طريق الذكاء الاصطناعي المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، دائمًا ما تكون موظّفة لمخاطبة المشاعر.
هكذا انتشرت صور لأطفال قيل إن فلسطينيين أحرقوهم أحياء في 7 أكتوبر، وهو ما تبيّن أنه مجرد ادعاءات، وأن الصور مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما شاركت حسابات في مواقع التواصل صورةً لجندي في جيش الاحتلال يُفترض أنه ينقذ طفلين اختطفتهما "حماس" وأخفتهما في خزانة بغزة، لكن الصورة مجرّد توليد بالذكاء الاصطناعي أيضًا.
استخدمت "إسرائيل" الذكاء الاصطناعي لفبركة صور ومقاطع فيديو ساعدتها في الترويج لدعايتها الزائفة حول عدوانها على قطاع غزة
وصل التضليل إلى حد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لفبركة مقطع فيديو لتفجير "مستشفى المعمداني" في غزة الذي قصفه جيش الاحتلال مخلّفًا ما يقارب 500 شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وقد حاول الاحتلال التنصل من هذه المجزرة البشعة وإلصاقها بالمقاومة الفلسطينية.
ومن جانب آخر، يسعى الاحتلال لرفع المعنويات في المجتمع الإسرائيلي في ظل الإحباط الذي أعقب عملية "طوفان الأقصى"، إضافةً إلى فقدان الثقة بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية. فعلى سبيل المثال، انتشرت صورة تظهر جنودًا وهم يلوحون بالأعلام الإسرائيلية أثناء سيرهم في منطقة بغزة وسط ركام منازل مدمرة.
وتبين أن الحسابات التي نشرت الصورة على موقعي "إكس" و"انستغرام" مؤيدة لـ"إسرائيل"، كما جرى العثور على الصورة في مقال لصحيفة بلغارية من دون الإشارة إلى أنها صورة مزيفة.