اعتقال الدويك مؤشر لما هو قادم

لم يتبق أمام المفاوضات التي تجرى في عمان، لفحص إمكانية استئنافها، سوى أيام قليلة، لا تزكي المؤشرات الأولية التي سبقت، أي أمل في استمرارها بعد السادس والعشرين من الشهر الجاري. والأرجح أن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً كبيرةً على الرئيس محمود عباس من أجل تمديد الوقت المتاح، تجنباً لإعلان فشل ذريع، ولذلك فهي تتبنى الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر أن مهلة الرباعية الدولية المحددة بثلاثة أشهر ينبغي أن تبدأ من تاريخ السادس والعشرين من هذا الشهر.

لا داعي إذن لمطالبة السلطة بوقف المفاوضات، ذلك أنها ستتوقف فعلياً، بسبب نفاد الوقت المتاح أمامها، وبسبب ثبات المعطيات والتوقعات التي أدت إلى تعطيلها لأكثر من عام، وهي تتصل في الأساس بالموقفين الإسرائيلي والأميركي، المسؤولين وحدهما عن فشل كل جهود السلام.

ثمة ما تفعله إسرائيل كل يوم، لاستفزاز السلطة، ودفعها نحو تحمل مسؤولية فشل المفاوضات، ولدفعها نحو المجابهة مع الولايات المتحدة، والأكيد أن قيام القوات الإسرائيلية باعتقال رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك، على أهمية وخطورة ذلك، ليس هو الحدث الأخطر، أو العدوان الأهم الذي بادرت إليه إسرائيل حتى يكون الحدث السبب في وقف المفاوضات، ووقف التنسيق الأمني.

بالتأكيد، تشكل عودة السلطة إلى المفاوضات خطأ كبيراً، من حيث كون هذه المفاوضات استهلاكاً للوقت الذي يتوجب على الأطراف الفلسطينية استثماره جيداً، لمراكمة عوامل القدرة على مجابهة استحقاقات المجابهة القائمة منذ كثير من الوقت، ومن حيث إنها ـ أي المفاوضات ـ تغذي عوامل الشك، وعدم الثقة، وتعيق المصالحة بين الأطراف الفلسطينية.

ولكن دعونا نعطي السلطة الفرصة الأخيرة لاستنفاد هذا التكتيك السياسي، الذي يستهدف، إضعاف الموقف الأميركي، ونزع المبررات والأقنعة عن وجه السياسة الإسرائيلية، ولتحفيز الاتحاد الأوروبي وروسيا نحو اتخاذ مواقف أكثر إيجابية وفاعلية في دعم السياسة الفلسطينية، وهو أمر بدا ملحوظاً خلال الأسابيع الفائتة.

في حال توقفت المفاوضات، وهو الأمر المرجح، فإن تداعيات ذلك ستكون كثيرة ومتنوعة، وتشكل تحصيل حاصل، ذلك أن العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية وكامتداد لها الأميركية، ستدخل بقوة نحو مساحة الصراع المفتوح الذي يعطي كل طرف المجال، للاندفاع نحو إعلان وتحقيق مواقفه وسياساته، والاهتمام أكثر بإعادة صياغة أولوياته.

في هذا الإطار، لا يجوز أن يغيب عن أذهان صناع القرار الفلسطيني، أو حتى المواطن، أن إسرائيل لم تتوقف، ومن غير الممكن أن تتوقف عن ممارسة سياساتها المعتادة والتي أصبحت جزءاً أصيلاً من سياسة حكومة نتنياهو فيما يتصل بالاستيطان والقدس. لا بل ينبغي الحذر إزاء استعدادات إسرائيل لتصعيد المجابهة مع كل الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس، وحتى على مستوى السياسة الخارجية، فالأنباء الواردة عن المصادر الأمنية والعسكرية، تشير على نحو لا يقبل الشك، أن إسرائيل تحضر لعدوان كبير على قطاع غزة.

مقدمات هذا العدوان لا تتوقف عن التصريحات فقط، بل تتعداها إلى تصاعد نشاط الجيش الإسرائيلي على أرض الواقع، وحيث من المتوقع أن تبادر إسرائيل إلى عدوان نوعي جنوني، كاستهداف بعض القيادات السياسية والعسكرية الفلسطينية المهمة، من أجل استدراج الفلسطينيين لردود فعل، تبرر لها شن عملية عسكرية واسعة، تشير المعلومات إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي قد أعطى الجيش أوامر بالاستعداد للقيام بها.

العدوان العسكري، لا يتوقف على قطاع غزة، بل إنه قد يتصاعد أيضاً على الضفة الغربية، حيث لن تكتفي إسرائيل بمعدلات العدوان الجارية التي تقتصر على ممارسة الاعتقالات، وشن الغارات الليلية والنهارية، والتوغلات، وإطلاق أيدي المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، فالسلطة ذاتها ورموزها بما في ذلك الرئيس عباس، تتحسب إزاء إمكانية إقدام إسرائيل على تصعيد إجراءاتها ومضايقاتها وعدوانها.

هنا نعتقد أن اعتقال رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك، قد يشكل مقدمة ومؤشراً إلى إمكانية توسيع دائرة الاعتقالات لتصل إلى عدد أكبر من النواب، لا تقتصر على نواب حركة حماس، ما يعني أن إسرائيل تسعى عملياً، وستقوم بكل ما يمكن القيام به لتعطيل المصالحة الفلسطينية، ولدفع الفلسطينيين نحو المجابهة المحتومة.

انعقاد المجلس التشريعي، استناداً إلى اتفاق وتوافق الفصائل الفلسطينية، قد بات موعده قريباً، حيث صرح الدكتور دويك قبل اعتقاله، أن موعد الجلسة سيكون بداية الشهر المقبل. فإذا كانت إسرائيل تستهدف من وراء اعتقال الدويك تعطيل انعقاد جلسة المجلس التشريعي الذي توقف عن العمل طيلة مرحلة الانقسام، فإن انعقاد الجلسة سيكون ممكناً، حتى ورئيسه في السجن، ولذلك علينا ألا نستبعد، قيام إسرائيل باعتقال المزيد من أعضاء المجلس الموجودين في الضفة، وربما استهداف بعض أعضائه الموجودين في قطاع غزة، بالاغتيال.

يدرك الجميع أن ذريعة اعتقال الدويك، التي تسوقها إسرائيل، واهية، ومفضوحة، إذ كيف يمكن لشخصية سياسية مسؤولة من هذا المستوى، أن تقدم لإسرائيل ذريعة من نوع دعم ومساعدة ما يسمى 'الإرهاب'، وفي ظل إدراك الجميع للنوايا والأهداف الإسرائيلية.

عتقال الدويك على أهمية وخطورة الحدث، إنما يشكل مؤشراً ومقدمة لتصعيد إسرائيلي نوعي يستهدف وقف مسيرة المصالحة، وطالما كان هذا هو الهدف، ففي جعبة الحكومة الإسرائيلية الكثير مما تفعله لتحقيق أهدافها.

السلطة التي تدرك معنى وأبعاد اعتقال رئيس المجلس التشريعي، أعلنت أنها ستقوم بتجريد حملة سياسية ودبلوماسية دولية، تعرف أنها قد لا تؤدي إلى الإفراج الفوري عن الدويك، ولكن الهدف يبقى فضح السياسة الإسرائيلية، وتعميق فهم المجتمع الدولي لمسؤولية إسرائيل الحصرية عن فشل المفاوضات وعملية السلام، وفي المقابل لتوسيع دائرة التضامن مع الشعب الفلسطيني دولياً.

هنا علينا أن ننوه بأهمية الموقف العربي، حيث تجتمع لجنة المتابعة العربية على المستوى الوزاري، يوم السابع والعشرين من الشهر الجاري، ويترتب عليها أن توفر الغطاء السياسي والمادي، للموقف الفلسطيني، ونحو أن ترتقي المجموعة العربية بكليتها إلى مستوى تحمل المسؤولية القومية في مجابهة العدوانية الإسرائيلية المدعومة أميركياً.

مبكراً، تفترض المسؤولية القومية، وحتى المسؤولية القطرية، من الدول العربية التي تقدم الدعم المادي للفلسطينيين، إلى توفير المال اللازم، الذي يحمي السلطة من احتمالات تراجع دعم الممولين الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة، ومن احتمال أن تعود إسرائيل إلى احتجاز عائدات السلطة الضريبية.

لكن وعلى الرغم من أولوية تغطية مجريات الحدث في سورية واليمن، فإن الفضائيات العربية، ووسائل الإعلام، لا تزال تقصر في التعامل مع قضايا الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وعليها أن تدرج هذه القضايا والتطورات، ضمن العناوين الأساسية لنشراتها وبرامجها الإخبارية.

إن تقصير هذه الفضائيات يصل إلى حد الاتهام والتشكيك في صدقية التزامها إزاء القضايا العربية الأساسية، وميلها نحو التواطؤ مع السياسة الأميركية المعادية والمناوئة لمصالح العرب وحقوقهم.