هل المشكلة السورية تكمن في بقاء الرئيس أم في رحيله؟

قد يكون موقع الرئيس بشار الأسد، في قلب مؤسسة صنع القرار السياسي الأمني للدولة السورية، ولكنه ليس وحده صاحب القرار، أو أن لديه القدرة على الانفراد بصنع قرار التنحي كما فعل الرؤساء العرب من قبله على التوالي زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح، أو أنه يملك ديمومة التمسك بالمقعد الرئاسي، والحقيقة هي لا هذا ولا ذاك، بل هناك مجموعة من الشخصيات القيادية الفاعلة المؤثرة في النظام السوري تشاركه الرأي والنفوذ، وهم بالإضافة إلى الرئيس، هم أصحاب قرار، لا يقلون عنه، ولا يتقدمون عليه، وهم الذين ربطوا مصيرهم بمصير بعضهم البعض، ومصيرهم بمصير بقاء النظام أو زواله، حيث لا مفر للمعالجة أو التوصل إلى حل دون أن يكون قرارهم جماعياً خارج قدرة فرد أو سيطرته، مهما بدا قوياً أو رفيع المستوى، حتى ولو كان بمستوى رئيس الجمهورية.

هذا الاستخلاص لم يكن وليد صدفة، أو بمثابة انطباع شخصي، أملاه الانحياز للقيادة السورية، الحاكمة المتنفذة، أو رفضاً لها أو معارضة لخيارها الأمني في معالجة الأزمة السورية والأحداث الجارية، بل حصيلة انطباعات لشخصيات لها مكانتها وإلمامها، بل وقدرتها على قراءة الواقع السوري، وتوصلها لمثل هذا الاستخلاص. وبناء عليه، فإن الذين يعتقدون أن الرئيس السوري ضعيف ومعزول وأنه وظيفة بلا صلاحيات، أو غطاء لمن هم أقوى منه وتؤخذ القرارات دون معرفته، ومن خلف ظهره، فهم غير مُطلعين على الأوضاع الداخلية السورية، وواهمون، مثل أولئك الذين يعتقدون أن بشار الأسد، قوي بما فيه الكفاية، كما كان والده، وأنه صاحب القرار وحده، فهم أيضاً، واهمون.

في مقابلة مع شبكة (سي. إن.إن)، شخّص العاهل الأردني، الحالة السورية بدقة حينما قال: "القضية لا تتعلق بالرئيس بشار، وماذا سنحقق إذا تنحى بشار وبقي النظام؟ إن الوضع يحتاج لصيغة انتقالية تُشعر أهل النظام أن لهم مساهمة في صناعة المستقبل، وأن تُشعر الطائفة العلوية المهمة في النسيج السوري، أن لديها مستقبلاً، وأن بحوزتها شراكة في النظام المستقبلي، ستحظى به". وأكد موضوعية الرؤية الأردنية، ودقتها، ما قاله الجنرال النرويجي روبرت مود، الرئيس السابق لفريق المراقبين الدوليين في سورية، من خلال تصريحه الذي قال فيه: "إن الكثيرين يعتقدون أنه إذا سقط بشار الأسد، أو إذا منح خروجاً مشرفاً، فستحل المشكلة، هذا تبسيط للأمور يجب الحذر منه" بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وبكل وضوح حينما قال: "إن الوضع يمكن أن يتدهور أكثر" إذا تواصل الوضع على ما هو عليه، أو إذا غاب الرئيس دون اتفاق أو دون التوصل إلى تفاهم مسبق بين مختلف الأطراف.

العميد مناف طلاس، غادر سورية ليزرع مفهوماً جديداً في الخارج، مفهوماً يقوم على كيفية التوصل إلى حل، بين مختلف الأطراف السورية، خاصة بين أولئك الذين هم بالداخل ولم يتورطوا بأي عمل دموي، وبين أولئك الذين في المنفى، ولم يتورطوا في التآمر على بلدهم. فمن جهة، أكد الضابط السوري أن الرئيس بشار ليس ضعيفاً، ولكن القرارات الأمنية السياسية التي تتخذ، تتم عبر الدائرة القيادية المحيطة بالرئيس، ومن جهة أخرى يرى طلاس أن هناك طرفين عليهما وضع خارطة الطريق للخروج من الأزمة السورية، بأقل الخسائر، وهما الفريق الأول المقيم داخل سورية، والفريق الثاني المقيم خارج سورية، والحل يقوم على حل توافقي، بين مختلف مكونات المجتمع السوري "لأن في سورية تلاوين من الأقليات، وإثنيات مختلفة وقوميات تحتاج إلى مساحة آمنة من التعايش والشراكة" وهذا ما عبّر عنه الملك عبد الله في مقابلته مع (سي.إن.إن) بقوله: "الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي من خلال الانتقال السياسي للسلطة".

المعارضة السورية فشلت بعد 16 شهراً في إسقاط النظام، رغم الدعم الأميركي الأوروبي التركي الخليجي لها، مالياً وعسكرياً وإعلامياً وعبر توفير الغطاء السياسي لتحركاتها، مثلما فشل النظام في ترويض المعارضة وكبح جماح توسعها الجغرافي والديمغرافي رغم الدعم الذي يتلقاه من إيران وحزب الله وجزء من النظام العراقي ومن روسيا والصين، وكلاهما أخفق في الجلوس على طاولة التوصل إلى تفاهم، مع أن الوضع يسير نحو التدهور؛ ما يشكل تهديداً لوحدة سورية كما صرح العميد مناف طلاس، وعبر عن قلقه إزاء هذا التدهور، فمن له مصلحة بتكرار ما جرى في العراق وما جرى في ليبيا، من دمار؟ وكم تحتاج شعوب هذه البلدان العربية حتى تستعيد عافيتها واستقرارها؟ ومن الذي سيدفع الثمن غير شعوب هذه البلدان؟