"فلتان" غزة: الجميع بريء.. فمن المتهم إذن؟!

الفلتان الأمني بغزة

غزة/ سناء كمال، زاهر الغول _ خاص زمن برس

فوضى الاتهامات المتبادلة بين أطراف الخلاف الثلاث (حماس، فتح محمد دحلان، فتح محمود عباس) مازالت قائمة على الرغم من نفيهم جميعاً مسؤوليتهم عن التفجيرات وعمليات الاختطاف والتعذيب والتي وصلت مؤخرا إلى محاولة القتل التي طالت عددا من المواطنين وقيادات من فتح  وكذلك عناصر تابعة لحماس وضباط في الأجهزة الأمنية بغزة، فكل طرف منهم يتهم الطرفين الآخرين بمشاركة غريمه لإعادة الفلتان الأمني إلى غزة، وحصد أرواح  وإراقة الدماء من جديد.

وخلال اليومين الماضيين تعرض القيادي في فتح ومسؤول العلاقات الدولية فيها مأمون سويدان إلى إطلاق نار في حي تل الهوا غرب جنوب مدينة غزة، من قبل مجهولين كانوا يستقلون سيارة سوبارو بيضاء اللون مما أدى إلى إصابة مرافقيه، كما تم إحراق سيارة المقدم رمضان الناعوق وهو مدير وحدة التخطيط التطوير بهيئة الإدارة والتنظيم بوزارة الداخلية التابعة لحماس، إضافة إلى إقدام مجهولين على إحراق سيارة المواطن عبد المنعم الطهراوي أمام منزله في مخيم النصيرات وسط القطاع، وهو مدير المشاريع في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، فيما انفجرت عبوة ناسفة أمام منزل المواطن حسن الجريسي من مخيم المغازي وهو ضابط متقاعد في الشرطة الفلسطينية.

حماس وأجهزتها الأمنية حسمت أمرها بهذا الموضوع حيث أعلن وكيل وزارة الداخلية في غزة كامل أبو ماضي مؤخرا أن الخلافات الداخلية لفتح هي من تحاول أن تعيد الفلتان الأمني إلى القطاع، متهما بذلك القيادي في فتح توفيق الطيرواي،  حيث يقول "الطيراوي ليس بعيدا عما يجري في القطاع".

هذا الأمر أكده الناطق باسم الشرطة بغزة أيمن البطنيجي في تحقيق سابق لزمن برس تم نشره تحت عنوان "هل غزة  مقبلة على فلتان أمني" قائلاً إن أتباع دحلان هم المسؤولون عن التفجيرات، وذلك وفق نتائج تحقيقات مع الجناة الذين تم القاء القبض عليهم، مرجعا ذلك إلى أنهم حاولوا استغلال مساحة حرية التعبير عن الرأي من قبل حكومته.

ولم يختلف أتباع الرئيس محمود عباس، الذين يعتبرون أنفسهم "فتح الشرعية" الوحيدة الموجودة على الساحة السياسية، وتم توجيه الاتهام من قبل مدير العلاقات الدولية لفتح مأمون سويدان، لأتباع دحلان ولكن بمشاركة حماس وتمهيدها الطريق للفاعلين، على حد تعبيره.

ولعل"اتهامات حماس لأتباع دحلان بالوقوف خلف التفجيرات  ما هي إلا ذر الرماد في العيون ومردود عليهم فيها" يقول القيادي في فتح، وأحد مساعدي محمد دحلان "غسان جاد الله" في مقابلة خاصة لزمن برس عبر الهاتف للوقوف حول الاتهامات التي تُجمع كل من حماس ومن يصفهم بـ"العباسيين" بتوجيهها لهم بضلوعهم بتنفيذ التفجيرات بغزة.

حيث راح يضيف:" لا يمكن أن تنفذ مثل هذه التفجيرات سوى مؤسسة أمنية قائمة لها قوتها ولا تخشى اقتحام المربعات الأمنية فالجميع يعلم قوة حماس الأمنية في القطاع وسيطرتها عليه عسكريا، فلا يمكن لأحد تنفيذ هذه التفجيرات بالدقة والتوقيت الآني الذي شهدناه بعيدا عن عناصر حماس وبمساندة رجال الأمن، حتى وإن لم توافق عليها بعض قيادات من حماس".

وفند جاد الله اتهامات اتباع الرئيس محمود عباس،  لهم بتنفيذ تلك الهجمات،  بأن الرئيس محمود عباس معني باستمرار الانشقاق الفتحاوي من جهة وعدم التوجه إلى مصالحة مع حماس من جهة أخرى، " حتى لا يخسر انجازاته الشخصية التي حققها من خلال معاداته لحماس وعدم وجود مؤسسات وطنية تراقبه وتحاسبه على تجاوزاته الوطنية وذلك بتعطيل عمل المجلس التشريعي"، مشددا" أن الأمر بيد محمود عباس".

ويقول جاد الله:" أما على صعيد فتح، فالرئيس عباس لا يريد مصالحة محمد دحلان لأنه الشخص الوحيد الذي كان يقف ضد قرارات تنظيمية كانت يتخذها من شأنها الحاق الضرر بالحركة والتعدي على الديمقراطية والمساحة المتاحة لحرية الرأي التي تتمتع بها فتح، والتي كانت من أهم أسس برنامجه السياسي بما يخدم مصالحه الشخصية، يريد أن يبقى منفردا بالقرار الوطني والفتحاوي، وفي حال تحقيق المصالحة الداخلية لفتح أو الوطنية مع حماس فإن ذلك يعيده إلى موقعه الاساسي كموظف أسوة بكافة القيادات لدى الشعب الفلسطيني" على حد تعبيره.

ولم يُخفِ جاد الله أن وضع فتح الحالي يضر بها ويسئ لتاريخها لنضالي، إلا أنه حمل المسؤولية أولا وأخيرا للرئيس عباس، على اعتبار أنه رأس الحركة وأنه "كان يجب أن يكون صمام الامان يلملم التيارات المختلفة من أجل مصلحة الحركة، كما كان يفعل الرئيس والقائد الراحل ياسر عرافات،  ففتح ليست حركة عقائدية تضم فكر واحد  مثل التيارات الإسلامية، أو اليسارية التي تحمل فكر واحد فقط ولكنها تضم في صفوفها كافة التيارات المختلفة لم تكن يوما ذات لون واحد، وكان هو ذلك سر قوتها لم يحاول الحفاظ على سر قوتها" يضيف جاد الله لزمن برس.

وحول اتهام مؤيدي دحلان "بالمجموعات الخارجة عن فتح" أوضح جاد الله أن هذه الجماعة هي إصلاحية تنويرية تريد أن تعيد لفتح أمجادها التي سلبها إياها الرئيس عباس في فشله السياسي والاقتصادي والأمني، وان أتباع دحلان هم ليسوا منشقين عن فتح بقدر ما هم يرون فيه "عنوان إصلاحي" يمكنه إعادة اللحمة الوطنية بعد تحقيق المصالحة الشاملة والكاملة مع كافة الفصائل الفلسطينية، وأولها تحقيق المصالحة الداخلية لفتح على حد تعبيره، وذلك بعد ان أصبحت القضية الفلسطينية على آخر سلم أولويات العالم، على حد تعبيره.

وفي ذات السياق تطرق جاد الله إلى المصالحة الدحلانية الحمساوية، فقال:" المصالحة مع حماس موضوع شائك، فالفترة السابقة كانت اختبار للنوايا من طرفينا، لم نتحدث بالمصالحة بشكل جدي بعد"، منوها إلى" أن بداية التفاهم مع حماس كانت بنية خدمة أبناء القطاع، ولأنها هي من يحميه بالسلاح فكان لا بد لنا من إيجاد وسيلة نتعاون بها معها بشكل أو بآخر من أجل توصيل مساعدات لأبناء شعبنا.
وأضاف:" حماس منحتنا مساحة لان لديها وضع سياسي خانق وغزة تمر في وضع اقتصادي صعب، فكان تقديم المساعدات من السيد دحلان سواء كانت عينية أو مالية"، مشددا على" أن العمل المشترك لم ينقل حماس بعد إلى التعامل معهم باستراتيجية المصالحة في القطاع لأنه لا بد لها أن تقوم على اسس وطنية ترد الحقوق والمظالم  إلى أصحابها" في إشارة منه إلى "ضحايا الانقسام من الطرفين".

إلا أنه في الوقت ذاته استهجن تعامل حماس معهم بمنطق التكتيك وليس  النوايا الصادقة،  وذلك من أجل الضغط على الرئيس عباس من خلالهم، وهو ما يدعوه للأمل بأن تصل حماس إلى مرحلة التعامل معهم على أنهم تيار فتحاوي فلسطيني له ثقله وقوته في الشارع الفلسطيني، جازما إلى أن السواد الأعظم من فتح القطاع تابعة لهم وهو ما يعلمه الجميع، على حد قوله.

وقال:" نتمنى أن تنتقل حماس إلى مربع المصالحة الحقيقية فهي حتى اللحظة تراوغنا وتحاول  فرض شروطها على اعتقاد منها أنها الجهة الرسمية الوحيدة، لا بد لها أن تنتقل من المربع التكتيكي إلى مربع الايمان المطلق بالشراكة مصالحة وطنية حقيقة مبنية على أسس تحترم الشعب الفلسطيني".

ونوه إلى أنه في الوقت الحالي لا يوجد أي تنسيق بينهم وبين حماس لأنها تعتقل "إخوانهم في القطاع" الذين شاركوا في مسيرة دحلان وتعرض بعضهم للضرب والشبح، إلا ان ذلك من وجهة نظره لن تقف عائقا في المصالحة الوطنية تضم حماس في حال اقتنعت بذلك  وأنه يخدم الشعب.

وفي ختام حديثه مع زمن برس، قال  جاد الله إن محمد دحلان سيعود  إلى قطاع غزة قريبا وقريبا جداً"، وأضاف:" فكل ما يقوم فيه وكل برنامجه ونضاله المستمر وكل مواقفه السياسي هدفها العودة للوطن إلى غزة والضفة الغربية واستكمال حلم نسعى من أجل تحقيقه، وهذا مرهون بالمصالحة الوطنية" على حد قول جاد الله.
 

حرره: 
م.م