تقرير خاص: هكذا تعاملوا مع جرحى غزة في المستشفيات المصرية

جرحى غزة

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين:  كثيرة هي التناقضات التي تحملها "رحلة الألم والأمل" لجرحى العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة الذين استدعت حالاتهم الحرجة بعد إصابتهم جراء القصف العنيف الذي تعرض له المدنيين، فكان ذووهم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من فقدانهم، ويتضرعون إلى الله تعالى كي ينقذهم، فتمر الدقائق ساعات، ولا تنفك الهواتف النقالة عن الرنين لعلهم يسمعون خبرا سارا.

ومع ارتفاع أعداد جرحى الحرب  إلى الآلاف نسبة كبيرة منهم وصفت حالاتهم بالحرجة جدا، خاصة مع استخدام إسرائيل أسلحة فتاكة ضد المدنيين، تم نقل العديد منهم بعد عدة محاولات إلى عدة مستشفيات في الخارج كانت أبرزها جمهورية مصر العربية، وتركيا والأردن وألمانيا وكذلك المستشفيات الإسرائيلية بعد طول عناء واستغاثات صدحت في كافة أرجاء العالم.

إلا أن السياسة أيضا تدخلت في انقاذ أرواح ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في غزة "المنكوبة"، كما يقول الغزيون، فكانت البداية عدم استجابة مصر "الشقيقة" للنداءات بفتح معبرها لاستقبال الجرحى وانقاذ حياتهم إلا "بطلوع الروح" كما تقول أم محمد أبو جراد، التي عاشت موت ابنها إبراهيم لحظة بلحظة، إلى حين تم السماح لهم بدخول المعبر والتوجه إلى الأراضي المصرية.

وتقول أبو جراد وهي تبكي حرقة لزمن برس:" طلعونا بعد ما طعلنا روحنا وياريتنا ما رحنا وضلينا في غزة أشرف النا ولكرامتنا"، مشيرة إلى أن الطريق لم تكن سهلة عليهم، في ظل عدم تعاطي "المصريين" معهم برأفة بقدر ما كانوا يحاولون إشعارهم بأنهم "عالة على البشرية" كما تصف لزمن برس.

وتضيف:" رمونا في مستشفى حكومي بالعريش، ابني كانت رجله مقطوعة، وضله 4 ساعات ينتظر العمليات، وهو ينزف"، وكانت تحاول أكثر من مرة استعطاف الطبيب كي يعجل من عملية ابنها لكن أحد الأطباء صرخ في وجهها وأخبرها "هو انتي حتعلمينا شغلنا، مش كفاية جايبينكم نعالجكم".

وتستطرد:" كلامه نزل علي أصعب من صاروخ إسرائيل، شو اللي صار الهم وايش اللي عملناه الهم عشان يكرهونا هيك، هما بكرهوا حماس بس احنا مش كلنا حماس، لكن السياسة دمرت حياتنا"، ولم تنته معاناتهم إلى هذا الحد حيث بقوا 8 ايام في المستشفى الحكومي بالعريش حتى تم الإعلان عن استشهاد ابنها البكر، فطغى ألمها على أملها البسيط الذين اندثر مع أول كلمة سمعتها "الله يرحمه".

ويشتكي عدد ليس بالقليل من ذوي مصابي الحرب الذين توجهوا إلى مصر للعلاج، من سوء المعاملة، وعدم الاكتراث بهم، داخل المستشفيات، وخاصة الاستهتار بوضعهم الصحي، واستمرار الإهمال بشكل عام بحق المرضى، مما يزيد حالتهم سوءا يوما بعد يوم.

فلم تكن الطفلة رهف أبو جامع (6 سنوات) أفضل حالا من أبو جراد رغم صغر سنها، والتي أصيبت عينها بشظايا صاروخ أطلق على منزلها في مدينة خانيونس جنوب القطاع ،  نقلت على إثرها إلى المستشفى الأوروبي، ومن بعد تدهور حالتها الصحية، نقلت إلى مستشفى العريش في سيناء للعلاج.

ميرفت أبو جامع ، عمة الطفلة، رافقتها في رحلة علاجها فواجهوا مشقة كبيرة في الطريق من المعبر إلى العريش، وكانت أبرز الأسباب كثرة الحواجز والكمائن الأمنية التي ينصبها الأمن المصري، وتقول أبو جامع لزمن برس:" وساهم ذلك في تعثر حالة رهف الصحية كثيرا".

وتسرد لزمن برس ما جرى معهم فتقول:" من كثرة الحواجز وكثير منها كانت خالية دون أي ضابط أو عسكري، اضطر سائق الاسعاف للترجل أكثر من مرة لإزالة بعضها"، ولم تنته المعاناة عنا فلم يكن الحال أفضل بالمستشفى، حيث بقيت رهف ثلاثة أيام دون تلقي أي دعم طبي مناسباً فبدأت حالتها تسوء يوما بعد يوم.

وتابعت تقول:" ذلك استدعاني إلى طلب استغاثة من المسؤولين عبر صفحتي على الفيسبوك كي يتم نقل رهف إلى مستشفى أفضل حالاً، وتم بالفعل نقلها إلى مستشفى الزقازيق ولكنها لم تكن بالأحسن، حيث يسيطر عليها الإهمال والفوضى"، منوهة إلى أنها سعت بعد ذلك لترحيلها إلى مستشفى آخر في بلد أخرى.

ولكن هنا كانت المفاجأة الأصعب :" إدارة المستشفى رفضت ذلك قطعيا بحجة أن التنسيق يجب أن يكون مع السفارة الفلسطينية بمصر، والأخيرة لم تعرنا اهتماماً، ونتيجة ذلك كله موت طفلة بريئة لا ذنب لها، سوى أنها فلسطينية فقط، وتعيش في غزة".

من جانبه أكد مصدر في وزارة الصحة في غزة فضل عدم ذكر اسمه، لزمن برس أن 40 شهيدا عادوا إلى قطاع غزة، من بين 700 حالة حولوا إلى مستشفيات الخارج، من بينهم 26 شهيدا عادوا من مصر لوحدها، حيث تم تحويل  223 إلى مصر، أغلب ذوييهم اشتكوا من سوء المعاملة والإهمال والتقصير، وهو ما زاد عدد الشهداء الذين يعودون من مصر.

من جانبه لم ينكر الدكتور يحيى خضر، مدير وحدة العلاج التخصصي، مسالة سوء المعاملة، ويقول لزمن برس:" الناس اشتكت منذ بداية الحرب من سوء المعاملة، وخاصة الفوج الأول الذي تم ترحيله للعلاج في مصر، حيث كانوا يبقون في العريش دون أي مساعدة، وهو ما اضطررنا إلى وقف تحويل المرضى لمصر، حفاظا على أرواحهم".

وتابع:" بعد فترة ليست بالبعيدة ، أخبرنا الجانب المصري بأنهم مستعدين لتجهيز مستشفى خاص بجرحى الحرب، ولعل ما جعل الموضوع أكثر سهولة هو منع مصر للوفود الطبية من الدخول لغزة، فبقوا في العريش وهنالك كان يتلقى المصابين العلاج "، يضيف خضر.

ويشير خضر إلى أن حالة الإهمال التي تعاني منها المستشفيات المصرية، هي عامة وليست خاصة، فأيضا المصريين يعانون من ذلك خاصة في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى أن النظام الطبي المصري يختلف عن النظام بغزة، حيث أنه يغلب عليه الاستهتار وهو ما كان يزعج أهالي الجرحى.

"ويضيف قائلاً:" على الرغم من ذلك كنا بشكل أو بآخر مضطرين للتحويل إلى مصر، خاصة وأنه ما قبل أحداث رفح كانت جميع المستشفيات مكتظة بالمصابين ولا مجال لاستقبال المزيد"، منوها إلى" أن النظام داخل المستشفيات لا يحمل المسؤولية بشكل كامل خاصة في ظل الاضرابات التي ينفذها الممرضون والأطباء مما يساهم في تدهور حالات المرضى عامة وأهالي غزة خاصة.

ولعل الحال يختلف في المستشفيات الأخرى مثل تركيا والأردن وفق شهادة العديد من مرافقي الجرحى، نسرين الرزاينة مرافقة لأختيها غادة (18 عاما) وأمل (23 عاما) نقلتا إلى المستشفى  العسكري التركي، نظراً لحالتهما الصحية الحرجة، أُجريت لكل منهما عدة عمليات فالأولى ست عمليات انتهت ببتر ساقها، والثانية 9 عمليات، ومازالت حالتهما حرجة، وهو ما يزيد من توتر الحالة النفسية لشقيقتهما المرافقة لهما.

حرره: 
م.م