يوميات مقاوم في حرب غزة !

كتائب القسام
سناء كمال
(خاص) زمن برس، فلسطين: ما إن تم الإعلان رسمياً عن وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي استمر 51 يوما، تفانت خلاله إسرائيل في تنفيذ جرائمها ضد المدنيين بعد فشلها في ضرب المقاومة الفلسطينية، خرج الناس إلى الشوارع مهللين ومكبرين بانتهاء العدوان عليهم، وراح الجميع يطمئن على أحبابه وأقاربه وأصدقائه فيما يعزي آخرون عائلات الشهداء، ويصبر الباقون بعضهم بعضا على مصائبهم.
 
ولعل المقاومين كانت لهم أجواؤهم الخاصة فهم "الأبطال" بالنسبة لشعبهم وأهلهم، عادوا إلى ذويهم الذين استقبلوهم بالدموع والبكاء فرحاً  بعودتهم سالمين غانمين بعد أن انقطعت أخبارهم عنهم أياماً طويلة، عاشوها في حرب نفسية ليست بالهينة.
 
وتتوزع المهام على المقاومين وفق مكانته ورتبته في جهازه العسكري، فمنهم من هم في ميدان المعركة على الخط الأول للدفاع عن شعبهم والاشتباك مع جيش الاحتلال مباشرةً، ومنهم من هم لضبط الساحة الميدانية ومتابعة مجريات الأمور كي يضعوا القيادة في صورة الوضع وبناء عليها يتم وضع الخطط وتنفيذها ومنهم  من يختصون بالإمداد والتجهيز، ولعل هنالك آلية معينة لتنفيذ مهام الميدان متفق عليها مسبقاً، ولكن أحياناً يحكم الميدان فيكون هو سيد الموقف، فالعسكرية تصرف أولاً وأخيراً.
زمن برس التقت (ع. م) وهو أحد المقاومين من حي الشجاعية في وحدة النخبة التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، ليسرد لنا يومياته في الحرب والتي غالباً ما تتشابه مع زملائه في الميدان كما يقول لزمن برس.
 
خضع (ع.م) لتدريبات عسكرية مكثفة منذ عدة سنوات، ولكن أهمها كانت قبل الحرب بثلاثة أشهر، حيث أخضع مع عدد من رفاقه لدورة عسكرية مغلقة استمرت ثلاثة أشهر متواصلة، مما عادت عليهم بالفائدة، كانت أهمها تحطيم عنصر المفاجأة من قبل جيش الاحتلال في حربه الأخيرة وهو ما استطاعوا تجاوزه كما أخبر لزمن برس.
 
ويقول:" منذ بداية المعركة كنا نعرف ما هو عملنا بالضبط والخطة التي تدربنا عليها وأماكن تواجدنا ونوع العمليات والخطط الموضوعة، وهو ما كان من أهم أسباب انتصارنا وبقائنا، بعد أن اجتزنا مرحلة المفاجأة لبداية الحرب والتي غالبا ما يعتمد عليها العدو، حيث يقوم بمفاجأتنا والضرب في كل مكان دون الانتباه، أما هذه المرة فنحن كنا على جاهزية كاملة، وفق ومعلومات استخباراتية سابقة بنية الاحتلال شن هجمة عسكرية على القطاع، وكل منا كان في موقعه وعلى جاهزية كاملة".
 
وبناء على المعلومات الاستخباراتية تم وضع الخطط وأهمها مفاجأة العدو وليس العكس وهو ما تم بالفعل، "فمن أهم محطات الميدان كانت معركة الشجاعية البطولية حيث وصلت لدينا معلومات استخباراتية تفيد بتقدم قوات خاصة في محيط نقطة رباطنا ونية العدو الدخول لمنطقة الشجاعية والتمركز، فقمنا بانتظارهم لحين دخول المكان المحدد أن يصلوا إليه وقمنا بالإجهاز على عدد كبير منهم وفجرنا عبوات كانت معدة مسبقا من الآليات والضرب من جميع الجهات" يقول (ع.م).
ويضيف:" لدرجة ان طائرات العدو كانت تقصف المكان بجنودهم كي لا يقعوا بالأسر، وهذا كله ونحن بعيدون عنهم، عشرات الأمتار فكانوا يعتقدون أننا بينهم فكنا نخرج من العين للنفق ونقتلهم ونعود وهم يتخبطون ويتصارخون كالفئران فقتل منهم من قتل وأصيب من أصيب وكنا نعود إلى الوراء وكأن شيئاً لم يكن، لذلك قاموا بتدمير كل المنطقة بقصف المنازل وتدمير كل شيء أمامهم اعتقادا أن المجاهدين موجودون في المكان".
 
وكان لعنصر المفاجأة الذي اتبعته القسام وباقي فصائل المقاومة دور كبير في بث الرعب في قلوب الجنود الإسرائيليين، لدرجة أنه في أحد المواجهات قام عدد من عناصر وحدة النخبة بوضع أقدامهم على رؤوس الجنود وإعدامهم من نقطة صفر، ولم يستطيعوا الرد على أي من محاولات قتلهم كما يقول (ع.م)، ويضيف:" فاجأ أحد الأخوة جندي مرعوب فوجه الأخير بندقيته إليه لكنه لم يستطع أن يطلق النار وهو يرتعش فاخذ المجاهد منه  السلاح وأطلق عليه النار وتم عرض قطعة السلاح، عبر شاشات التلفاز".
ولم يخل الميدان من المواقف المؤثرة، التي ستبقى في ذاكرة عناصر المقاومة، يقصونها لمن يروهم ويسمعوهم فتكون عبرة لغيرهم، " فبعد إنجاز إحدى المهمات وأثناء عودتنا إلى مكاننا تم قصف المكان بالكامل، فاحتجزنا في داخل النفق ولا مناص لنا للخروج منه إلا بتقديم أحدنا نفسه استشهاديا، وجميعنا كذلك، وذلك لاتاحة المجال لباقي المجموعة للانتقال إلى العين الأخرى، فأخذنا نتسابق من يخرج فينا كاستشهادي فأخذ أحد الأخوة يبكي ويقول لا تحرموني بالله عليكم لا تحرموني، وكان المشهد مبكٍ جداً، ومن شدة بكائه  وقع عليه الاختيار، وخرج أمام أعيننا وفجر نفسه بالقوات المنتشرة وخرجنا إلى العين الثانية وعدنا بسلام إلى مواقعنا البديلة".
 
ولكن في الوقت ذاته كانت أصعب المواقف بالنسبة لـ( ع.م) حينما فقد شقيقه شهيداً في تنفيذهما لمهمة، وتركه يفارق الحياة أمام عينيه ولم يستطع أن يفعل شيئا لينقذه أو حتى يخرجه من مكان الاشتباك، إلا بعد إعلان تهدئة ووقف إطلاق نار مؤقت.
 
وأضاف" وتبع ذلك استهداف منزلنا بصاروخين من طائرة حربية نوع أف 16 وتدميره بالكامل، على الرغم من توقعنا لذلك، فنحن كبقية أبناء شعبنا، والمال يعوض كما البيت نستطيع بناؤه من جديد بإذن الله تعالى، وهو ما جعلني لا أتأثر كثيرا عليه وزادني إصرارا".
 
ويحاول المقاومون إرسال رسائلهم للناس من خلال الإعلام، وقمة سعادتهم باتمام مهامهم بسلام ونجاحهم بتصويرها ليؤكدوا للشعب بأنهم يؤلمون العدو كما يؤلمهم، ، خاصة وأنهم على الرغم من المخاطر المحيطة بهم كانوا يخرجون من أنفاقهم ويعودون إلى حياتهم الخاصة بالتهدئة يمارسون حياتنا الطبيعية ولكن بحذر شديد، ويتابعون من خلالها الإجرام الإسرائيلي، إضافةً لمتابعة أحاديث الناس ووقوفهم بجانب المقاومة وهو ما كان يرفع معنوياتهم. 
 
وتوج صموده مع رفاقه وتحملهم المصاعب والمصائب والبعد عن ذويهم برؤية طفلته (6 أعوام) بعد أن ركضت كيلو متر كامل من بيت جدها للبيت المتواجد فيه، لتحتضنه وتقبله، فهي بالنسبة له كما رفاقه الذين عانقوا أحبابهم تستحق التضحية بأرواحهم لإنقاذهم كما يقول.
 
واختتم (م.ع)  مقابلته مع زمن برس بموقف طريف حضره فيقول:" كنا في عملية إنزال خلف خطوط العدو وأجهزنا على مجموعة من الجنود فوجدنا جندياً يدعي الموت ما كشفه ارتعاشه كان يرتجف لدرجة بوله على نفسه بمجرد ما تم اكتشافه فأخذ الأخوة بالضحك بصوت عال وجميعهم كبر وهلل وقال:" هذا الجيش الذي لا يقهر"، وعدنا بعدها سالمين غانمين".
حرره: 
م.م