آلام من مجزرة سوق الشجاعية...ماذا تفعل الأم حين تفقد أطفالها الثلاثة؟!

أطفال الشجاعية
سنال كمال
 
(خاص) زمن برس، فلسطين:  لم تجد أم العبد السلك (35 عاماً) وسيلة كي تطمئن بها قلبها على أطفالها الثلاثة الذين استشهدوا في مجزرة سوق الشجاعية بعد أن تم استهداف المواطنين بأكثر من 7 قذائف من الدبابات المتركزة على الحدود الشرقية لحي الشجاعية شرق مدينة غزة، سوى القول:" هم في الجنة، وسيشفعون لها يوم القيامة".
 
قبل لحظات قليلة من المجزرة كانت تقف "الأم المكلومة"، على نافذة بيتها تراقب أطفالها أمنية محمد السلك (8 أعوام) وعبد الحليم محمد السلك (5 أعوام) وأخيهم الأصغر عبد العزيز محمد السلك (3 أعوام) وهم يلعبون بالشارع، قبل أن تباغتهم قذيفة من مدفعية الدبابة لتروي دمائهم تراب الشارع الضيق الذي يلعبون فيه.
 
مشهد لن تنساه طوال حياتها، لم تستطع البكاء ولا حتى الحراك، سوى أن تذهب لتتوضأ وتشتكي همها لله، تقول لزمن برس:" لا أعرف كيف فعلت ذلك، ولكنها حركات لا إرادية خرجت مني كل ما كنت أريده أن أدعو الله أن ينجي أبنائي، وإن اصطفاهم أن يصبرني".
 
 ركعتين أنهتهما وعادت إلى النافذة تراقب ما يجري بالأسفل، بالتزامن مع وصول سيارات الإسعاف، وصرخات زوجها محمد (40 عاماً) طالبا النجدة لمساعدته في إنقاذ أطفاله الذين خرج بهم إلى الدنيا، وما إن وصلت سيارات الإسعاف حتى صعد بسرعة، ولكن السيارة لم تبرح أن تنطلق حتى أطلقت قذيفة أخرى عليها فاستشهد المسعف وتناثرت أشلاء الأطفال وأصيب والدهم، الذي وصل لاحقاً  إلى المستشفى بإسعافٍ آخر مصاباً إصابة خطيرة، مع أشلاء أطفاله الثلاثة، غاب عن وعيه تماماً، لأكثر من 24 ساعة، تخللها إجراء عملية جراحية له، بعد أن بترت ساقه اليمنى وحرقت أجزاء كبيرة من جسده.
وُصفت حالة الأب الصحية بالحرجة جداً، من قبل الأطباء في مستشفى الشفاء الطبي، وتوقعوا أن يدخل غيبوبة طويلةً، ولكن بعد 24 ساعة استفاقت زوجته التي تجلس بجواره تراقبه، وتقرأ القرآن عليه، على صراخه وهو ينادي:" ولادي ، ولادي ،  بدي ولادي، هاتولي إياهم، يارب ليش سبتني لحالي، ليش ما أخدتني معهم، يا الله خدني عندهم".
 صرخاته هزت جدران المستشفى وأبكت الحاضرين، فهو لم يستوعب ما جرى له ولأطفاله الذين كان يحلم أن تكون حياتهم سعيدة.  وتشرح زوجته لزمن برس بعد أن رفض الحديث لنا:" هو لم يستوعب ما جرى حتى الآن، ولكنني أحاول أن أهدئ من روعه، وأخبره بأننا نستطيع أن ننجب والله اصطفاهم وعلينا أن نرضى بقدره، فهو خالقنا وهو الأعلم بحالنا، والحمد لله على كل شي".
 
بدت أم العبد قوية وهي تخبرنا بما جرى وقت المجزرة، لكنها سرعان ما ركضت خارج غرفة المستشفى، واتكأت على أحد الجدران، لتنهار للبكاء على مصابها الجلل، وكانت المرة الأولى التي تذرف فيها الدموع كما أخبرت زمن برس، وراحت تقول بصوت متقطع تحاول أن تلتقط أنفاسها:" قلبي محروق على أطفالي، اشتقت إليهم كثيرا، أتمنى أن أضمهم بين ذراعي ولو للحظة واحدة، أصبر والدهم ولكنني بحاجة لمن يصبر قلبي، فليس لي غير الله، اللهم صبرني".
 
مشاعر متداخلة انتابتها لم تقدر على التعبير عنها، فبينما نتحدث معها، إذا بطفل مصاب بعمر أحد أطفالها، حملته وقبلته وقالت لوالدته:" ربنا يحميلك اياه ويشفيه، ويصبرنا"، مشيرة إلى أن كل منزل مصاب بغزة،  إن لم يكن لديهم شهداء فلديهم مصابون أو دمرت منازلهم، "فكل غزة جريحة".
 
ولكنها قوية طالما كان القرآن حليفها، والله سبحانه وتعالى حاميها ومهما تكاثرت الأحزان ومهما تعاظمت المصائب فالله وكيلها كما تقول لزمن برس.
 
وكانت قوات الاحتلال المتمركزة على الحدود الشرقية لحي الشجاعية أطلقت عدة قذائف مدفعية باتجاه سوق الشجاعية الشعبي، وذلك خلال فترة هدنة أعلنتها سلطات الاحتلال، وهو ما أدى إلى استشهاد 30 مواطنا بينهم صحفيين اثنين ومسعفين وأطفال وشبان كانوا متواجدين في السوق.
 
حرره: 
م.م