من شمال القطاع إلى جنوبه..آلام الغزيين واحدة والحكايات متعددة

قطاع غزة

سناء كمال
(خاص) زمن برس، فلسطين: ذات المشهد يتكرر من بيت حانون شمال قطاع غزة إلى مدينة رفح في جنوبه، دمار وشهداء وجرحى مخلفات الآليات الحربية الإسرائيلية، على الرغم من تعدد قصص الناس وحكاياتهم المؤلمة الذين صدموا حين عادوا إلى منازلهم كي يتفقدوها لعلهم يجدون بقايا منها قد تصلح للعيش فيها بدلاً من مراكز الإيواء التي زادت عليهم الهم وأفقدتهم الأمان بعد أن ظنوا أنها المأمن الوحيد لها.

وفي بيت حانون تفوح رائحة الموت ما إن يطأ أهلها أقدامهم على مشارفها التي لم تعد تعرف أولها من آخرها فكلها واحدة، سويت المنازل فيها بالأرض، وتركت الجثث تحت الأنقاض لعشرات الأيام حتى تحللت وفاحت منها روائح كريهة ناهيك عن الأمراض التي تخلفها بين الناجين.

"صدمة لم أكن توقعها"، بدمعة قلب محروق ومتحسر تحدثت المواطنة زكية البياري التي عادت إلى منزلها لتتفقده بعد أن تركته قبل أسبوعين فقط قائما على أركانه أما اليوم فأصبح أثراً بعد عين، لتستمر حياة التشرد الذي ضاقت ذرعا بها في مراكز الإيواء.

وتقول البياري التي تعيش مع عائلتها المكونة من 39 فرداً لزمن برس:" إحنا كلنا مدنيين ما في حدا مقاوم بينا، وقبل كام يوم أجيت لبيتي مع زوجي لتفقده وكان ما مازال قائما، أما اليوم فتركنا بالشارع"، موضحة أنه" على الرغم من ذلك لن تتركه وستبني خيمة فوق الركام وتعيش فيها".

في ذات الوقت انشغل أهالي حي الشجاعية كذلك في إزالة ركام منازلهم التي دمرت بالحرب، بواسطة "الكباشات والجرافات"، استعدادا لنصب خيامهم والعودة إلى حيهم المنكوب، بعد أن فقدوا مئات الأشخاص في غضون أيام معدودة فقط.

ويقول محمد أبو عمرة (40عاما) من منطقة الشعف بالشجاعية لزمن برس:" ما إن سمعت عن تهدئة حقيقية حتى عدت إلى منزلي لنصب خيمة هنا أجمع فيها أبنائي"، مشيرا إلى أن لا خيار له سوى ذات الخيمة في مستشفى الشفاء يعيش فيها، فالأولى أن تكون فوق ركام منزله وبذلك ينتصر على إسرائيل وفق تعبيره.
وانشغلت زوجته انشراح (35 عاماً) مع بناتها الأربع في تجميع ما يمكن استصلاحه للاستخدام، وهي تقول:" حسبنا الله ونعم الوكيل على اليهود الذين دمروا بيوتنا وشردوا أطفالنا، الله ينتقم منهم"، وراحت تضيف لزمن برس:" على الرغم من عدم الأمان هنا لكنه أرحم بكثير من مركز غزة، وبعدين لو رجعوا إسرائيل مرة ثانية مش راح يعملوا فينا أكتر من اللي عملوه هيك هيك ميتين إحنا".

ولعل خزاعة تكمل مسلسل الدم والقتل فانشغلت عائلة أبو رجيلة شرق خانيونس في انتشال جثث شهدائها من تحت أنقاض منزلهم كانوا استشهدوا قبل 15 يوماً، فنبش أفراد العائلة بأيديهم بين بقايا الركام، ويقول عزمي أبو رجيلة لزمن برس:" لم يسلم شيئٌ من البطش الإسرائيلي، ونحاول الآن أن ننتشل شهيدين من تحت الركام لم نستطع انتشالهم في الهدنة السابقة بعد أن أطلقوا النيران علينا".

ويقول الشاب ثائر أبو رجيلة (19 عاماَ):" الدبابات الإسرائيلية اجتاحت منطقتنا من الجهة الجنوبية وتوسطت بين منازلنا مطلقة العديد من القذائف عشوائيا على كافة المنازل"، مستذكراً الأيام والليالي الطويلة التي عاشت فيها عائلتها المكونة من 50 فرداً في غرفة واحدة إلى أن احتلت منزلهم قوات إسرائيلية خاصة، فقرروا أن يهربوا إما أن يموتوا في الطريق أو ينفذوا بجلدهم.

ولم يتمكن الشهداء الثلاثة من الهرب، فتم استهدافهم من القناصة الذين اعتلوا أسطح المنازل، وتركوا ينزفون حتى الموت، ومنعت طواقم الإسعاف من الوصول لانتشال جثثهم.

وجالت زمن برس في خزاعة حيث وجدت في أحد منازل العائلة بقايا الطعام التي خلفها جنود الاحتلال، وبعض المستحضرات الطبية خاصة محلول الدم والحقن الطبية وبقايا دماء على الأرض وفرشاتٍ للجنود، يبدو أنها غرفة طوارئ كان يتم فيها معالجة مصابيهم.

وبالعودة لعزمي أبو رجيلة يقول لزمن برس:" فقط لأننا مدنيون جرى معنا ذلك، لكن لو أننا مقاومون لما استطاع الجنود الدخول هنا وارتكاب المجازر"، مشيراً إلى عدم وجود أي مقاومة في منطقتهم، ولكن إسرائيل من شدة تلقيها ضربات من المقاومة انتقمت من المدنيين العزل.

ومن الجدير بالذكر أن كافة المناطق المنكوبة تم إسقاط عدة صواريخ من الطائرات الحربية أو قذائف الدبابات عليها دون أن تنفجر مما يشكل خطراً حقيقياً على الأهالي، وهو ما يجعلهم حذرين أثناء سيرهم بين ركام منازلهم، واستدعاء الجهات المختصة للتعامل معها.

أما رفح فكانت المرحلة الأخيرة في مسلسل الإجرام الإسرائيلي والتي تلقت الضربة الأقوى في آخر يومين من العدوان قبل الدخول لمراحل وقف إطلاق النار المؤقت، وفي مدرسة ذكور رفح الاعدادية "أ" روى لنا النازحون  أحداث المجزرة التي ارتكبتها طائرة استطلاع إسرائيلية بعد أن أطلقت صاروخا على بوابة المدرسة أدت إلى استشهاد 10 أطفال وإصابة أكثر من 150 جريحا جل إصاباتهم بين المتوسطة والخطيرة.

ويقول الجريح محمود الكاشف (35 عاماً) وهو ملقى على الأرض ليتعافى من جراحه التي أصيب بها:" كان أبنائي يلعبون في باحة المدرسة وأنا كنت قريب منهم أراقبهم، وفجأة سمعنا صوت انفجار كبير سقطت على إثره على الأرض، ورأيت بأم عيني أشلاء تتطاير أمامي، هذه آخر صورة أذكرها ثم أغمي علي"، مضيفا:" وأنا في المستشفى عرفت أن طفل قريبي استشهد وجميع أبنائي أصيبوا وأنا جرحت".

الصور بعدسة:  Lourival Sant Anaa

 

حرره: 
م.م