لهذه الأسباب أحجم حزب الله عن إحياء ذكرى اغتيال مغنية

بيروت: يتساءل كثيرون لماذا ألغى حزب الله اللبناني الاحتفال بذكرى اغتيال عماد مغنية، القيادي البارز في جناحه العسكري؟

كما يتساءل آخرون هل الأمر عائد لنقص في قواته ومعداته بفعل تداعيات مشاركته في الحرب الاهلية السورية؟ وهل هددته اسرائيل بضربة استباقية لإدراكها ببواطن هذا الضعف؟ وماذا سيكون رد الفعل الإيراني حال توجيه اسرائيل ضربتها للحزب؟؟

ذكرى اغتيال مغنية... في صمت

هذه الاسئلة طرحتها صحيفة "إيلاف" على كوكبة من الخبراء السياسيين.
وأوضحت الدكتورة رابحة علام، الباحثة المتخصصة في الشؤون اللبنانية والسورية، بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنّ "إلغاء حزب الله الاحتفال بذكرى مغنية يعود لانخراط الحزب في الحرب الدائرة في سوريا، خاصة في منطقة "القلمون" على الحدود السورية اللبنانية، ويشارك فيها جزء كبير من مقاتلي الحزب الى جانب مقاتلين عراقيين شيعة، يدربهم الحزب".

واكدت علام أن حزب الله كان يرمي من وراء إلغاء الاحتفال بذكرى اغتيال مغنية الى إحداث نوع من التهدئة في الداخل اللبناني، تزامناً مع تشكيل الحكومة اللبنانية التي تشكلت بالفعل، وشاركت فيها تيارات 14 آذار و8 آذار.
ووصفت علام عدم الاحتفال بذكرى مغنية بأنه كان بمثابة هدنة اعلامية غير معلنة شجعت الفرقاء في لبنان على المشاركة في تشكيل الحكومة.
وقالت: "قيام حزب الله كما كان معتاداً باستعراضات عسكرية احتفالاً بذكرى مغنية أو تهديده لإسرائيل حتى ولو تهديدات لفظية، كان سيعرقل مفاوضات تشكيل الحكومة التي تم تشكيلها، خاصة أن قوى 14 آذار كانت تشترط للمشاركة فيها، توقف حزب الله عن المشاركة في الحرب الاهلية السورية، وبالتالي كانت احتفالات الحزب ستعرقل مفاوضات تشكيل الحكومة، فضلاً عن أنه لم يكن مؤاتياً للحزب أن يحتفل ويتشدق بالمقاومة ضد اسرائيل في توقيت تحارب فيه قواته في سوريا خارج التراب اللبناني".

حرب ممولة من إيران

حول تداعيات مشاركة حزب الله في الحرب الاهلية السورية على قدرات الجناح العسكري للحزب، قالت علام: "مبدئياً، مشاركة حزب الله في الحرب السورية الى جانب نظام بشار الاسد ممولة بالكامل من ايران، فالنظام الإيراني يوفر الاسلحة والمال، وحزب الله يشارك بمقاتلين وخبرته العسكرية، وبتدريب ميليشيات عراقية شيعية الى جانب علويين موجودين بالبلاد، منها ميليشيا اسمها "ابو الفضل العباس".

عواقب التدخل في سوريا

وصفت علام ما يفعله حزب الله في سوريا بأنه خطوة غير مأمولة العواقب على تاريخه العسكري، مرجعة ذلك الى أنه في سوريا يفتقد لأهم ميزة كان يمتلكها الحزب في جنوب لبنان، وهي ميزة أنه صاحب الارض التي يعرف كل تفاصيلها، ويستغلها في الخداع الاستراتيجي في قتاله للإسرائيليين ومقاومته لهم، مشيرة الى أن وضعه في سوريا مختلف لكونه قوة غازية ليست على دراية بالأرض التي تحارب عليها، ولا بالقرى والاحياء التي تدخلها قوات الحزب. وبالتالي فإن أي هزيمة له ستؤثر على رصيده العسكري.
الدكتورة رابحة علام اكدت ايضاً أن مشاركة حزب الله في الحرب السورية لم تتسبب في فقدانه لأسلحة أو حتى في نقصها، وعزت ذلك الى أمرين مهمين، اولهما، أن السلاح المستخدم في الحرب السورية يختلف تمامًا عن السلاح المستخدم في جنوب لبنان في مقاومة اسرائيل. وثانيهما، أن سوريا وايران هما اللتان توفران الاسلحة، وهي اسلحة يأتي جزء منها من روسيا الداعمة بقوة لنظام بشار الاسد.

خسارة معنوية

الخسارة التي تلحق بحزب الله من جراء مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا هي، بحسب الدكتورة علام، خسارة معنوية جسيمة بل أنها اظهرت الوجه الحقيقي أو الوجه الآخر للحزب، وهو الوجه الطائفي، وتسببت في غضب شعبي من الحزب وقادته، وتكمن خطورة هذه الخسارة في أنها يمكن أن تفقد الحزب رصيده الشعبي كجناح مقاوم وحامٍ للبنان وسيادته في الجنوب، وهي الصفة التي اكسبت الحزب شعبيته وبررت امتلاكه لأسلحة الى جانب الجيش اللبناني النظامي.
لا ضربات استباقية من إسرائيل

استبعدت علام أن تقوم اسرائيل بتوجيه ضربة استباقية لحزب الله، وارجعت ذلك الى أن الفرصة غير سانحة لها لعمل ذلك، فالولايات المتحدة تفتح قناة للحوار مع ايران بشأن البرنامج النووي، وتفتح حوارًا وفعاليات مع روسيا واطراف أخرى حول سوريا، منها مؤتمر جنيف 2 على الرغم من تعثره حتى الآن. مشيرة الى أن توجيه اسرائيل ضربة لحزب الله يتطلب أن يكون العكس هو سيد الموقف.

قادر على امتصاص الضربة

توقعت الدكتورة رحاب علام بأن يكون هناك رد فعل قوي من جانب ايران في حالة اعتداء اسرائيل على حزب الله، مشيرة في الوقت عينه الى أن تجربة حرب 2006، اثبتت بالفعل أن الحزب قادر على امتصاص الضربة العسكرية الاولى من اسرائيل وقدرته على تحويل دفة الحرب لصالحه، وذلك بفضل الجناح العسكري للحزب ودعم ايران وسوريا له.

إيران تنصُر الأسد

وفى ذات السياق، قالت علام إن ايران وقفت الى جانب النظام السوري الحالي لكونها حليفة له، عندما ادركت أن جيشه النظامي بدأ ينهار ووصل دعمها الى حد قيامها بنقل قيادات من اركان الجيش الإيراني والحرس الثوري الى سوريا لإدارة المعارك على الارض وبناء جيش شعبي من السوريين الموالين لنظام الاسد وبتمويل إيراني كامل، وانقذت بذلك النظام السوري من السقوط والانهيار وجعلته في موقف أقوى، وظهر ذلك في مواقف النظام في مؤتمر جنيف 2.

واضافت: "اذا كانت ايران فعلت كل ذلك مع حليفتها سوريا، ولم تخف من الولايات المتحدة واسرائيل مع سوريا، فما بالنا بما يمكن أن تفعله اذا ما تعرض حزب الله اللبناني، الذي يمثل ذراعها المباشرة، لضربة عسكرية من اسرائيل، مشيرة الى أن وقوف ايران الى جانب الحزب ظهر للجميع واضحًا في حرب 2006.
مأزق نصرالله

يؤكد الدكتور هاني رسلان، مدير مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ"إيلاف"، أن حزب الله بالفعل يعانى من مأزق صعب اقحم نفسه فيه بصراعاته مع اللبنانيين في الداخل ومعاركه مع خصوم النظام السوري على الأراضي السورية.
واستبعد تحرك اسرائيل عسكرياً لشن ضربة ضد حزب الله، الا اذا كان هناك توجه لتحويل الحرب الاهلية في سوريا الى حرب شاملة، وهو توجه تتحكم فيه دول بعينها مثل الولايات المتحدة واسرائيل وايران.

المواقف قد تتغيّر

واوضح رسلان: "توجيه ضربة اسرائيلية لحزب الله سيؤدي الى تغيير مواقف الفاعلين الاساسيين في الازمة، وهي سوريا وايران والعراق ودول أخرى، كما أن ضرب اسرائيل للحزب سيربك المعادلة الحالية وسيكون في غير مصلحة اسرائيل، خاصة أن ايران لن تقف مكتوفة الأيدي، لا سيما أن الحرب الاهلية دمرت مقدرات الدولة السورية بشكل كامل وأنهكت حزب الله اللبناني".
وتساءل رسلان: "اذن ما الدافع الذي يضطر اسرائيل لتوجيه ضربة استباقية للحزب؟"

وأكد أنّ حزب الله يتم استنزافه بالفعل في الحرب الاهلية السورية، كما يتم استنزاف عناصره ومعداته فيها، بشكل جعله غير قادر حتى على مجرد تهديد اسرائيل بالشعارات في ذكرى عماد مغنية، والذي يتهم حزب الله "الموساد" بتصفيته في دمشق.
إسرائيل حققت مصالحها

وقال: "ما يحدث يحقق مصالح اسرائيل، فكل خصومها يحاربون بعضهم البعض في سوريا، وهي تتفرج عليهم جميعاً وتلعب لعبتها الاستخباراتية في تأجيج الصراع واطالة أمده للخلاص من الجميع دون التدخل بشكل مباشر في الحرب الدائرة".

رسلان اوضح كذلك أن اسرائيل حريصة على عدم توجيه ضربة لحزب الله لإدراكها أن قيامها بذلك سيؤدي الى احياء خطاب المقاومة لدى الحزب، وبالتالي منح الحزب دافعًا وتفوقًا نفسيًا ومعنويًا حيال خصومه السياسيين في لبنان، لأن كل من سينتقده سيصنف على أنه ضد المقاومة والى جانب اسرائيل ضد حزب الله والدولة اللبنانية.

ثلاثة سيناريوهات تحدد مصير حزب الله

عن مستقبل الحزب في ضوء كل هذه المتغيرات، قال الدكتور عمار على حسن، استاذ علم الاجتماع السياسي، والمدير السابق لمركز دراسات وابحاث وكالة انباء الشرق الاوسط: "إن مستقبل حزب الله اللبناني يتأرجح بين ثلاثة سيناريوهات كلها غير محببة لقادته، وذلك على ضوء المتغيرات الاقليمية المحيطة بالحزب.
ويتمثل السيناريو الاول بحسب حديث عمار لـ"إيلاف" في نزع اسلحة الحزب باتفاق الفرقاء السياسيين في لبنان، ونزولًا على نص اتفاق الطائف بسحب سلاح جميع المليشيات اللبنانية، ورغبة من ساسة لبنان في أن تكون هناك سيادة كاملة للجيش اللبناني النظامي على كامل الأراضي اللبنانية.

ويتمثل السيناريو الثاني في انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا، وبالتالي انتفاء مبرر وجود سلاح الحزب في الجنوب اللبناني واستغلال الولايات المتحدة واسرائيل لهذه الخطوة في توجيه ضربة للحزب في توقيت ينشغل فيه النظام السوري بالحرب مع التنظيمات الجهادية والتكفيرية في سوريا، فضلاً عن أن انسحاب اسرائيل من شبعا سيربك العلاقة بين الحزب وسوريا، خاصة أن هناك خلافاً بين لبنان وسوريا على تبعيّة شبعا.

واشار عمار الى أن ايران في حالة حدوث مواجهة بين حزب الله واسرائيل والولايات المتحدة ستتخذ موقفها من منظور استراتيجي، القائم على المكسب والخسارة الاستراتيجية من دعم حزب الله اللبناني من عدمه، موضحاً في هذا السياق أنه لا توجد دولة تضحي بنفسها من اجل تنظيم.

وقال: "لا استبعد أن يكون سلاح حزب الله في اللحظات الفارقة جزءًا من صفقة بين ايران والولايات المتحدة، تضمن للأولى بقاء نظامها السياسي الحالي مع دور إيراني اكبر في منطقة الشرق الاوسط، خاصة على مستوى الأمن بالمنطقة"، موضحًا أن ذلك هو السيناريو الثالث الذي ينتظر الحزب في الفترة المقبلة.

حرره: 
م.م