استكشاف الخيارات الفلسطينية!!

habeeb

ما كان متوقعاً، على كافة المستويات والأطراف، فإن المفاوضات الاستكشافية بجولاتها الخمس في العاصمة الأردنية، لم تحدث أي اختراق يسمح باستئناف العملية التفاوضية، وتتردد مختلف الأطراف في توصيف ما حدث بأنه 'طريق مسدود' أمام المفاوضات، ربما لأن الرهانات لا تزال رغم ضعفها وتراجعها، تشير إلى أن تعاظم الضغوط على القيادة الفلسطينية ربما سينجح في منح هذه الجهود فرصة زمنية قد تصل إلى شهر آذار، ولعلّه في يوم غد الإثنين ستتكشف المواقف الفلسطينية بهذا الشأن من خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول هذه المسألة تحديداً، والراجح في هذا السياق، أن القيادة الفلسطينية ستدرس الخيارات الممكنة، على محدوديتها، إلاّ أنها في الغالب ستتوجه بالقضية برمتها إلى مجلس جامعة الدول العربية المقرر عقده في الرابع من شباط المقبل، وهكذا ترمي القيادة الفلسطينية هذه المسألة الشائكة، في أحضان المنظومة العربية، مما يوفر لها تغطية وحاضنة إذا ما أثمرت الضغوط المتزايدة عليها من قبل الولايات المتحدة واللجنة 'الرباعية' والاتحاد الأوروبي عن استجابة لتمديد الجولات الاستكشافية في العاصمة الأردنية عمّان.

وقد شهدت الجولة الخامسة من المفاوضات الاستكشافية، ما يشير إلى أن هناك جولات أخرى قادمة على الرغم من إعلان الجانب الفلسطيني عن وقفها، ذلك أن رئيس الجانب الإسرائيلي في هذه المفاوضات، إسحق مولخو، وبعد أن تقدم بما سمي المبادئ الرئيسة من وجهة نظر إسرائيل حول حدود الدولة الفلسطينية، لكنه تقدم بذلك شفوياً دون أي توثيق رسمي لهذه الرؤية، وعندما طالب رئيس الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات صائب عريقات، بالمزيد من التوضيحات، رد مولخو، بأنه مستعد لذلك، لكن في 'جولة قادمة'؛ ما يعني أن الجانب الإسرائيلي ما زال يستغل إطالة عامل الوقت من دون إحداث أي اختراق حقيقي يمكن معه القول، إن استئناف العملية التفاوضية بات ممكناً، وهو تكرار للأسلوب نفسه الذي اتبعته إسرائيل لدى الحديث عن ورقة تتضمن الموقف الإسرائيلي من قضايا الحدود والأمن، والتي تقدمت بها بعد تأجيل ثم تأجيل، ثم بورقة غامضة تتضمن عناوين غير مفهومة، بهدف التعمية من جانب، وإطالة عمر وجولات المفاوضات الاستكشافية أطول وقت ممكن للإيحاء، بأن المسيرة التفاوضية لا تزال مستمرة!!

والواقع أن هناك رهاناً إسرائيلياً على أن القيادة الفلسطينية في الغالب، لن تكون قادرة على وقف العملية التفاوضية، وبالتحديد الاستكشافية منها في الوقت الراهن، ويعود هذا الرهان الإسرائيلي إلى أن ضغوطاً دولية، أميركية وأوروبية واللجنة 'الرباعية' تحديداً، تزايدت في الآونة الأخيرة على السلطة الوطنية لاستئناف المفاوضات الاستكشافية، إضافة إلى أن الفلسطينيين لم يعد لديهم خيارات جدية.

ورغم أن هناك موجة هجومية لاذعة من عدة أطراف دولية، حليفة تقليدياً لإسرائيل، على الدولة العبرية في الأسابيع القليلة الماضية، فإن إسرائيل تراهن على أن الجانب الفلسطيني لن يتمكن من استثمار هذه الهجمة لصالح موقفه، وفي هذا السياق، فإن سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، انتقدت بشدة إسرائيل لقيامها ببناء المزيد من المستوطنات، وتزايد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وسوء الوضع الإنساني في قطاع غزة في ظل الحصار الإسرائيلي، في حين طالب السفير البريطاني في الأمم المتحدة مارك غرانت إسرائيل بوقف فوري للاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وهو أيضاً، الموقف نفسه الذي أعلنه السفير الألماني لدى الأمم المتحدة 'بيتر فينغ'، ما يشير إلى أن هناك تنسيقاً بين هذه الدول، للضغط على إسرائيل من زاوية الاستيطان، لتستجيب لدواعي وضرورة استمرار المفاوضات الاستكشافية من خلال منح الجانب الفلسطيني، التشجيع على مواصلتها من خلال إجراءات وتسهيلات تدعم موقف القيادة الفلسطينية وتبرر لها الاستمرار في هذه العملية.

إلاً أن البحث الذي أصدره 'معهد السياسة والإستراتيجيات في إسرائيل' مؤخراً، توصل إلى أن هناك حقائق جديدة في المنطقة، ليس فقط 'الربيع العربي' وما أجراه من تعديلات على الخارطة السياسية، بل إن هناك تراجعاً ملحوظاً في مدى تدخل 'الدول العظمى' فيما يجري في الشرق الأوسط، وتحديداً على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ورئيس المعهد الجنرال احتياط داني روتشيلد، وهو أيضاً، رئيس سلسلة مؤتمرات هرتزليا، توصل من خلال هذه البحث إلى ما هو أهم، وهو أن إسرائيل التي شهدت حصاراً دولياً على المستوى السياسي العام السابق، 2011، ستشهد هذا العام الجاري امتحاناً صعباً في التواصل مع المجتمع الدولي نتيجة لهذا الحصار المتزايد، ووصف الوضع بأن إسرائيل ستبقى هذا العام في 'مهب الرياح' والعام الأصعب، إلا أن ما يلفت الانتباه إلى فحوى ما تضمنه هذا البحث، هو أن إسرائيل باتت ترفع شعار 'شرق أوسط آخر' بدلاً من 'شرق أوسط جديد' السابق، بالنظر إلى أن 'الجديد' هذا، هو ما رسمته الجماهير العربية في ربيعها والذي يزيد من الحصار على إسرائيل، بدلاً من أن يجعل الدولة العبرية مركز هذا الشرق الأوسط!!.

والحديث عن تراجع القوى الدولية الكبرى عن لعب دور مؤثر على المسيرة السياسية في الشرق الأوسط، يعتبره هذا البحث، وكأنه عنصر سلبي، في حين أن إسرائيل هي ذاتها التي عمدت إلى تراجع هذا الدور عندما أكدت أن العملية التفاوضية يجب أن تكون ثنائية مباشرة، ورفضت أي تدخل فيها، خاصة من قبل المنظمة الدولية وهي التي لم تستجب لكافة 'الضغوط' التي مارستها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واللجنة 'الرباعية'، مما أدى بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى تراجع الدور الدولي في تشجيع المسيرة التفاوضية، وهو الأمر الذي خدم الموقف الإسرائيلي في الانفراد بالجانب الفلسطيني، الذي في المقابل لم يجد دعماً عربياً حقيقياً للصمود في وجه المواقف الإسرائيلية، خاصة على خلفية استمرار العملية الاستيطانية وبناء الجدار الحدودي، والذي أشارت مصادر إسرائيلية وصحافية مؤخراً، إلى أن هذا الجدار، هو في حقيقة الأمر التصور الإسرائيلي لطبيعة الحدود الواقعية بين 'الدولتين' الإسرائيلية والفلسطينية في حال التوصل إلى نهاية متفق عليها للعملية التفاوضية.

ولعلّ انهيار العملية التفاوضية هذه من الناحية الموضوعية، رغم تردد الأطراف المختلفة عن مثل هذا الإعلان، هو ما قد يدفع بالقيادة الفلسطينية إلى إعادة تقييم وتقويم الموقف الفلسطيني باتجاه تدعيم رؤية موحدة متفق عليها بين مختلف القوى والفصائل والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني على طبيعة الخيارات الممكنة، وباتجاه استكمال مؤسسات الدولة باعتبار ذلك هو الرد الذي لا خيار غيره، يمكن معه مواجهة الخطط الإسرائيلية، ولعلّ دعم الخطوات والخطط التي رسمتها حكومة فياض على هذا الطريق، والتي توفق بين الضرر والضرورة في المجال الاقتصادي والمالي، هو الخيار الأمثل، رغم كل ما يحيط به من مشاغبات ومشاكسات تنطوي على استنكاف عن المواجهة مع الاحتلال، إلى مواجهة مصطنعة مع الداخل الفلسطيني، وعلى الأخص مع حكومة فياض التي نجحت إلى حد واضح في التصدي لمخططات الاحتلال، لكنها لا تزال مضطرة إلى التعاطي مع المشكلات المصطنعة التي تفتعلها أطراف فئوية في الساحة الفلسطينية؟!.

Hanihabib272@hotmail.com

www.hanihabib.net