القدس التي لا يمكن عزلها

بقلم: 

من شاهد النهر البشري المتدفق يوم الجمعة الماضي، للصلاة في المسجد الاقصى ومن رأى الجموع بعشرات الالاف تتقاطر من كل انحاء فلسطين نحو القدس سيدرك حتما ان محاولات عزل القدس عن محيطها ما زالت وستبقى فاشلة.
ومن رأى معنا، في عيادة المسجد الاقصى الشباب الصغار يأتون لعلاج جراحهم، بعد أن أدوا الصلاة، وهي جراح اصيبوا بها اثناء تسلقهم او قفزهم عن الجدارن بعد ان منعهم جيش الاحتلال من العبور للقدس ، سيدرك ان أبناء الاجيال الجديدة اشد تمسكا حتى من ابائهم وأجدادهم بالقدس والاقصى.
لن انسى ذلك الفتى ، الذي قفز عن الجدار( الذي يسمونه في صحف أمريكا سياجا) فكسر يده في موقعين، ولكنه رفض الذهاب للمستشفى لعلاج الكسور، الا بعد أداء الصلاة التي جاء من اجلها .
كما لا يمكن ان ننسى نظرات الدهشة والانبهار التي رأيناها في عيون الاف الفتيات الصغيرات وهن يشاهدن القدس للمرة الاولى.
مثلما يعاني المسلمون الفلسطينيون، يعاني المسيحيون الفلسطينيون من حرمانهم من أبسط حقوق الانسان، وهو الحق في العبادة والحق في حرية الحركة.
مليونا فلسطيني من غزة لم ولن يستطيعوا مشاهدة القدس في شهر رمضان، لانهم يعيشون في سجن أحكمت اسرائيل اغلاق كل ابوابه.
ومع ذلك يتشدق المسؤولون الاسرائيليون بالتسهيلات التي منحوها للفلسطينيين.
وهي تسهيلات تماثل منح بعض المعتقلين ،وليس كلهم، فرصة "الفورة" من حين لاخر.
وهذه التسهيلات تشبه وقف التعذيب لساعات عن شعب يعذب بكامله على مدار تسع واربعين عاما من الاحتلال كل ساعة وكل يوم وكل شهر وكل عام. ويتوقعوا بعد ذلك ان يشكروا على تسهيلاتهم.
فهل نسي هؤلاء الذين يقمعوننا كيف كان بعض اجدادهم يجبرون على العيش في جيتوات ومعازل، وكيف كانت انسانيتهم تهان في ذات الدول التي يستندون الى دعمها اليوم من اجل تكريس التمييز العنصري ضدنا.
تساءلت ونحن نسير في شوارع القدس ان كان الجنود المدججين بالسلاح والذين يحتلون كل مفارق الطرق والمنعطفات والزوايا في الشوارع، ويغطون كل شبر من شوارع القدس ومداخلها بالكاميرات، يدركون المغزى العميق لهذا الاندفاع البشري الفلسطيني نحو القدس .
وهل يفهمون معنى أن تصر امرأة في الثمانينات من عمرها جائت من اقاصي الشمال ، وهي مريضة بالسكري والضغط وبالكاد تستطيع السير، على الحضور للقدس في يوم الجمعة من رمضان، لانه اليوم الوحيد الذي تستطيع العبور فيه.
يستطيع المستوطنون بحراسة الحراب وجنود الاحتلال المدججين بالسلاح ان يقتحموا الاقصى من حين لاخر. ويستطيعوا ان يواصلوا توسيع مستوطناتهم التي تبدو في تناقض أبدي مع الارض التي يبنوها عليها. ولكنهم لم ولن يستطيعوا سلب القدس من قلوب الفلسطينين ولن يستطيعوا وقف ذلك النهر البشري المتدفق نحوها.
فالفلسطيني يرى في الوصول للقدس مقاومة ، ويرى الصلاة فيها مقاومة.
ويرى عبوره للجدار مقاومة .......ويرى في كل ذلك شغفا انسانيا عميقا بالطموح للحرية بكل ما تحمله كلمة الحرية من معاني.
تحية للقدس ومن فيها، وللمرابطين فيها.
تحية للقدس التي لا يمكن اسرها ولن يمكن عزلها.