حيّ على المدارس!

بقلم: 

ظننت ان الموضوع نكتة وسخرية ، عندما اجتاحت وسائل الاعلام الاجتماعي تعليقات وصور عن الدعوة من قبل الهباش (لم يعد وزيرا للاوقاف ولكنه اصبح ربما مستشارا لفتاوي الرئيس لامور القمع عن طريق الدين للفئات الخارجة غير حماس) لأمره المؤذنين بالدعوة لطلاب المدارس بالتمرد على المعلمين والذهاب الى المدارس.

في محاولتي لاستقصاء الخبر الذي لم اجده وتبين لي فيما بعد انه كان على شكل تعميم صدر قبل ايام ، توقفت عند مقالين اثناء البحث ، الاول كان بخصوص الهباش. فالحقيقة انني اردت ان ابحث عن مسماه الرسمي ، فكان العنوان الاخباري هو : “الهباش يطلع مستشار الوكالة الامريكية للتنمية على انتهاكات الاحتلال” فتبين لي ان الهباش هو “قاضي قضاة فلسطين مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الاسلامية ” . للحقيقة ايضا لم افهم علاقة العنوان بزيارة المستشارة الامريكية له واطلاعه على الانتهاكات الاسرائيلية على الرغم من ان الزيارة كانت تتعلق على ما يبدو بالمحاكم الشرعية.

ما علينا …

الهباش لا يختلف كثيرا عند تعدد الوظائف والمهام واحتكارها بشخص. ومن خبرتي في مجالات اهل السلطة ، فهو كغيره بلا شك يحب التعامل مع “المانحين” واطلاعهم على ما يدور من خفايا انتهاكات الاحتلال .

للحق ، ان العنوان كان مزلزلا .. .يعني الهباش يتكلم عن الاحتلال. فهو متخصص في شؤون السب والانقلاب من خلال الفتاوي على حماس. ربما لم يقصد الاحتلال الاسرائيلي . (العنوان الخارجي يشير الى الاحتلال. في قلب المقال قصد الاحتلال الاسرائيلي )

الموضوع ليس الهباش ولا مسماه ولا ما ينطبق عليه من اساطير اهل السلطة الكثيرة . ليس الرجل المفضل عندي من اهل السلطة للتأكيد . واشعر بالغضب والاستياء في كل مرة اراه يخطب فيها لصلاة الجمعة في مسجد المقاطعة . ارتعب ربما . ذلك المزيج من السياسة والدين رهيب عند طرحه في مساجد السلطة وعرضه على التلفزيون الرسمي لهذا الوطن .

لا اعرف ان كان احدا يشاهده غير من يصلي . ولكن اذا ما توقفت انا عبورا كريما سريعا على تلفزيون فلسطين فلا بد ان الشعب قد يتجلس على شاشة الوطن الرسمية.

لا اعرف ان كان الهباش قد توقف عن الصياح ضد حماس والدعوة الى تكفيرهم والحرب عليهم ام لا . تلك كانت اخر مرة رأيته على شاشة او مر اسمي امامي وتوقفت .

اعيد الكرة في السؤال . كيف يتم اختيار مستشاروا الرئيس ؟ هل هو من يختارهم بالفعل ، ام هناك من يدسهم عليه.. .وعلينا ؟

عندما اخذ وزير الاوقاف مهمة “تكفير” الدكتور عبد الستار قاسم على شاشة التلفزيون الرسمية كذلك قبل شهر ، شعرت بنفس الاستياء بالاخص في موضوع دس الدين بالسياسة في وقت اهل السياسة هم نفسهم مبتعدون تمام البعد عن الدين والدولة الدينية تحديدا .

في مكان بحياتنا نحن الفلسطينيون تحديدا ، بينما يدك الاحتلال فينا فتكا وقتلا من كل الاتجاهات ، بينما الموت باغتيالات الرصاص الغادرة اصبح نهج حياة جديد . لا بد وان نحرص كل الحرص على الا ندخل في الفتن المتعلقة بالدين . واستخدام الدين هنا ليس فقط دسائس متعلقة بتهم الازدراء والتكفير والسيطرة والتفرقة العقائدية نحو شرائع مختلفه.

ان إقحام الدين بهذه الطريقة بالمسائل التابعة لنهج الحكم اسقاط للدين وللسياسة . والسلطة الحالية سلطة لا دينية تدعي العلمانية وتحارب مظاهر الدولة الاسلامية المتمثلة بحماس. فكيف تقوم هي نفسها بانتهاج ما تنهانا عنه . يعيش الشعب غير المتدين منا حالة فوبيا من خطر اسلمة الحكم اذا ما اخذت حماس السلطة ، فماذا يسمى هذا . لما يتم اقحام الدين وتحويل المنابر بالجوامع لخطب سياسية تتعلق باداء الحكومة المباشر؟

ومن هنا ، لا بد من التوقف للموضوع الاصلي للدعوة لعودة الطلاب الى المدارس عن طريق المآذن وغيرها من الطرق التي لا تخلو من الوعيد والتهديد ، والتي رأيناها في اعتقال بعض المعلمين من المضربين والاتهامات بان الاضراب مؤامرة من حماس وغيرها . والادهى ان نقيب المعلمين يرفض الاستقالة متمسكا بانه منتخب من قبل منظمة التحرير او ممثلا لها …. شعوري كان بكلمة ..والله ؟؟

ما هي هذه العلاقة مع التمسك بالمنصب بهذا التشبث ؟ افهم ان الوزير واصحاب السيادة لهم مآرب واتفهم بأن السلطة مفسدة . ولكن وعذرا لسذاجتي ، نقيب العاملين باي عمل نقابي موجود لخدمة ما يريده العاملون . النقابات تدعو للاضراب ، لا يقوم النقيب بالدعوة الى فض الاضراب. النقيب يتكلم عن العامل لا يتكلم عن السلطة . ما هذه المهزلة التي وصلنا اليها ؟

وهل اخطأ العاملون في اضرابهم ؟ نحن نعيش في ظروف يفتقر فيها الطالب والمعلم الى ابسط ظروف التعليم من مدارس ومناهج ووسائل. يتم تحويل المدارس بلا وعي الى ثكنات داعشية تحت اسم الدين والتطرف غير الواعي ويتم الدعوة من قبل اكبر هيئات السلطة للشعب عن طريق المآذن .

عانى الطلاب الامرين عند موجة البرد ولم نر حلا واحدا. بل كان هناك حلا بأن درجة حرارة الجسم عند البرودة الشديدة تبدأ بتدفئة نفسها (عقلي غير علمي ولا يفهم هكذا ابتكارات ). تطالب الحكومة ووزاراتها الشعب بالتحمل والتقدير والتقشف بينما يذهب الوزير الى الزيارات الميدانية بموكب تبلغ تكلففة السولار فيه تدفئة يوم في مدارسنا المعدمة .عندما يمر موكب بعض الوزراء تغلق الشوارع في هذا البلد امام مرآى ابناءنا ومعلمينا. ما يلبسه الوزير من بدلات توازي معاش عشرة معلمين احيانا . يسمعونا اصحاب السيادة بمشاريع دولية توقع بالملايين ولا نرى من هذه الانجازات الا حفل التوقيع في عناوين الصحف .

لما لا يطالب المعلم بحقوقه في وقت توزع الحكومة التعيينات والترقيات على من تريد من مريديها . كيف لا يتأثر المعلم الذي تدنس كرامته وطلابه في كل يوم وتعرض حياته للخطر على الطرقات يوميا . تدفن المدارس طلابها . وتعاني الامرين من الظلم المداهم الدائم عليها من اجتياحات وغيرها . وفي نهاية الامر لا يتعدى راتب المعلم راتب حارس في وزارة . عندما يقضي المعلم ساعات قبل الوصول الى المدرسة وساعات بعد الخروج منها من اجل محاولة الوصول الى بيته حيا . ناهيك عن مشاكل التعليم والمناهج والمشاكل التربوية التي يفرزها المجتمع كل يوم كالسموم والتي اضاعت هيبة المعلم وهمشته .

في بلاد العالم المحترمة معاش المعلم يضاهي معاش الوزير ، لان به تبنى المجتمعات . في بلادنا المعلم لا يلبث يؤمن مواصلاته من والى المدرسة حتى ينتهي معاشه الشحيح .

وبدلا من محاولة الوصول الى حلول . الى تحسين احوال ورفع مستوى المعلم والطالب والمناهج ،يتم قمع المعلم هذا المطالب بحقوقه . كيف نقول لابنائنا قم للمعلم والحكومة تقمعه بالمظاهرات ؟ كيف يقوم هذا المعلم بالتربية الحديثة ويتم دعوة الطلاب للذهاب الى المدارس عن طريق المآذن ؟

ما يجري في هذا الوطن بات مهزلة لم نعد حتى نضحك عليها . فالوضع مهين لنا كشعب وكسيادة.

ما يجري هو انهيار تدريجي لمنظومة السلطة ، والتي لا افهم كيف لا يرى اصحاب السلطة هذا ؟

لا اعرف ان كان هناك امل . ..

ولا اعرف ان كان هناك داع لنداء غوث لاصحاب السيادة الذين لا يزالون يطمحون ببناء لهذا الوطن .

ما يجري عيب في حقنا كشعب.

عيب في حق المعلمين وعيب في حق الطلاب.

ما يجري من تخليط للدين بالسياسة عار …سيقلب فعله على من يدلون به كالسم بنفوس هذا الشعب ان لم تخرج صحوة من هذه القيادة المتهالكة ..

الشعب بغزة صار يقدم على الانتحار والشعب بالضفة يحمل سكينا او مقصا ويرمي نفسه امام جنود الاحتلال …الم يكف تضحيات بهذا الشعب من كل الاتجاهات ؟.